كيف يتلاعب أردوغان بورقة اللاجئين؟

كيف يتلاعب أردوغان بورقة اللاجئين؟


07/07/2020

تمثل قضية اللاجئين أحد أبرز الأدوات التي يستعين بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سبيل تشكيل ورقة ضغط على أوروبا، لممارسة التهديد والابتزاز، بين الحين والآخر، خاصة، مع احتدام الأوضاع الإقليمية التي احترف صناعة أزماتها، بصور متفاوتة، مثلما هو الحال في سوريا وليبيا، بينما يستهدف الحصول على أقصى استفادة ممكنة من الناحيتين؛ السياسية والميدانية، عبر الضغط والتهديد.

تمثل قضية اللاجئين أحد أبرز الأدوات التي يستعين بها أردوغان لتشكيل ورقة ضغط على أوروبا

تعدّدت المواقف التي لجأت فيها تركيا إلى ملف اللاجئين، وعمدت إلى توظيفه في أحداث متباينة، وهو ما حدث، نهاية العام الماضي، إبّان تنامي الأحداث العسكرية من جانب النظام السوري وحليفه الروسي في إدلب، ورغبة أردوغان المحمومة في إيجاد تأييد أوروبي لعملياته العسكرية في منطقة الشمال السوري، من جهة، وتدشينه المنطقة الآمنة، والحصول على مزيد من الدعم المالي ومواجهة موسكو، من جهة أخرى.

اقرأ أيضاً: لماذا تشوه تركيا سمعة السوريين وتتعامل معهم كمرتزقة؟

والأمر ذاته راهنت عليه تركيا بعد تورطها العسكري في ليبيا، حيث قامت بتجنيد ونقل المرتزقة السوريين إلى جبهات القتال في مناطق سيطرة حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، فضلاً عن دعم الجماعات المسلحة والميليشيات، المصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية؛ إذ يُعدّ رهان أردوغان على ورقة اللاجئين، هذه المرّة، ذا إغراءات جديدة ومختلفة، باعتبار أنّ السيطرة على الساحل الأفريقي تمثل نقطة عبور سهلة إلى الشاطئ الآخر والدخول إلى قلب أوروبا؛ ما جعل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تصف هذا السلوك من جانب الرئيس التركي بأنّه "غير مقبول"، أو كما أكّد مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة، مارجريتس شيناس، بأنّه لا يمكن لتركيا "ابتزاز" أوروبا بملف اللاجئين.

ورقة خاسرة على الطاولة الأوروبية

على خلفية ذلك، يمكن قراءة الهجوم التقليدي والباهت الذي شنّه وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، ضد الاتحاد الأوروبي، بزعم أنّه لم يفِ بتعهداته فيما يتصل باللاجئين السوريين، وإعادة توطينهم، وذلك خلال مؤتمر صحفي، في أنقرة، في شهر آذار (مارس) الماضي، وهو ما تزامن مع جلسة مرتقبة للاتحاد، حيث حاول أن يستكمل الدور السياسي الذي تؤديه تلك التصريحات وطبيعتها الوظيفية المحدودة، بغية الوصول إلى جملة من الفوائد السياسية والاقتصادية، ومن بينها، تعزيز التجارة والحصول على باقي المبلغ الذي وعدت به أوروبا، ويقدر بنحو 6 مليارات دولار، كما أشار وزير الخارجية التركي.

تعدّدت المواقف التي لجأت فيها تركيا إلى ملف اللاجئين وعمدت إلى توظيفه في أحداث متباينة

تركيا التي تنخرط في المشهد الليبي تبعاً لمصالحها الخاصة، للحصول على ثروات شرق المتوسط، تبدو في صدام مباشر مع مصالح القارة الأوروبية، حيث تزداد الفجوة والتناقضات بينهما، لا سيما بعدما أطلق الاتحاد الأوروبي عملية جديدة، لدعم حظر الأسلحة المفروض على ليبيا في البحر المتوسط، بوساطة السفينة الحربية الفرنسية "إيريني"، وطائرة دورية من لوكسمبورغ، مطلع الشهر الجاري.

تمثل مسألة تماسك الهيكل الداخلي للاتحاد الأوروبي وحماية حدوده قضية في منتهى الأهمية والحساسية، وذلك في ضوء التحديات التي يواجهها، خاصة، في قضية اللاجئين، منذ العام 2015، في ظل تأليب تركيا جالياتها المنتشرة في أوروبا، وتحديداً، ألمانيا، بينما تتصاعد التيارات اليمينية الرافضة للعديد من القوانين المنظمة للجوء والهجرة داخل دول الاتحاد، لذا، دان عدد من دول الاتحاد الأوروبي تسييس قضية اللاجئين، وقيام أنقرة بالمساومة في ملف المهاجرين، حيث تعهدت باتخاذ "كل التدابير الضرورية" في إطار "احترام قانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي"، وهو ما جاء خلال مؤتمر بروكسل، حيث شدَّد بيانه على "الرفض الصارم لاستخدام تركيا وسائل الضغط الناتجة عن المهاجرين لأغراض سياسية".

اقرأ أيضاً: التدخل التركي في سوريا.. نهب يتستر بشعارات الإنسانية

كما تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورزولا فون، أثناء زيارتها للحدود التركية، بتقديم "700 مليون يورو"، نصف المبلغ بشكل فوري، بهدف التعامل مع موجة الهجرة الجديدة التي تثير مخاوف عديدة لدى أوروبا من تكرار أزمة الهجرة، العام 2015.

منطقة أردوغان الآمنة للتجارة باللاجئين

أردوغان الذي يعمد إلى المناورة والتنقل بهذه الورقة التقليدية بين أزماته وصراعاته المتباينة، وكذا إخفاقاته السياسية والاقتصادية، من ناحية أخرى، لا يجعل حديثه في أي لحظة مفاجئاً، فلطالما هدّد بإغراق الاتحاد الأوروبي بخمسة ملايين لاجئ سوري، ما لم يتلقَّ دعماً دولياً لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، أو الحصول على الدعم المالي المطلوب.

 لا تتوانى وسائل الإعلام الأجنبية والعالمية عن مواصلة الهجوم على أردوغان، على إثر استغلاله قضية إنسانية، مثل قضية المهاجرين واللاجئين السوريين، لحساب أغراضه السياسية، وهو الأمر الذي فاقم من حدّته قبل شهور قليلة تداعيات فيروس كورونا المستجد، حيث ظهر، بحسب الأمم المتحدة، نحو 13 ألف لاجئ، يتمركزون على طول الحدود التركية اليونانية، والتي يبلغ طولها 212 كيلومتراً، بينما قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إنّ عدد اللاجئين والمهاجرين ارتفع إلى 47 ألفاً، دون الوضع في الاعتبار الظروف الصحية العالمية، بل خلط معها أزماته السياسية، وسعى نحو توظيفها بشكل براغماتي.

انخراط تركيا بالمشهد الليبي طمعاً بثروات شرق المتوسط جعلها في صدام مباشر مع مصالح القارة الأوروبية

وعلى خلفية ذلك الصراع الذي نشب على تخوم الوضع المهزوز لقوات أردوغان في شمال سوريا، خلال شهر آذار (مارس) الماضي، قال رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحفي عقده في منطقة إيفروس، قرب الحدود اليونانية التركية: "أصبحت تركيا المهرب الرسمي للّاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، واليونان لا تقبل ذلك"، وأكد رئيس الوزراء اليوناني أنّ من واجباته حماية حدود وسيادة بلاده، وأنّ ابتزاز تركيا لبلاده وللاتحاد الأوروبي أمر غير ممكن.

وشدّد ميتسوتاكيس على أنّ أزمة اللاجئين على الحدود اليونانية التركية "قضية سياسية دولية"، مشيراً إلى أنّ اليونان منعت 24 ألف لاجئ من الدخول إلى أراضيها خلال الأيام القليلة الماضية، واعتقلت العشرات منهم، وأنقذت بعض اللاجئين الذين حاولوا الوصول عبر البحر.

ووجّه ميتسوتاكيس سهام الانتقاد إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أنّ "التضامن لا يكون بالكلام، وحتى اللحظة فشلت أوروبا في إيجاد حل لهذه المشكلة".

اقرأ أيضاً: تقرير: التدخل التركي في سوريا يخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية

مع نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي، انعقد مؤتمر بروكسل لبحث دعم اللاجئين، وسبل الحل السياسي في إطار الأزمة التي تعانيها أوروبا، جرّاء الأوضاع السياسية في سوريا، وابتزاز أردوغان للاتحاد الأوروبي، وتهديده بفتح جيب جديد لتدفق الهجرات غير الشرعية، بعد تدخله العسكري في الصراع الليبي، وتهديده لأمن عدد من دول القارة الأوروبية.

في خضم هذا المشهد المعقد، جاءت تصريحات المجتمعين حول ضرورة مواصلة دعم الشعب السوري، وزيادة تعبئة المجتمع الدولي وراء الجهود التي تتبناها منظمة الأمم المتحدة؛ بغية الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، بما يتماشى مع القرارات الدولية.

مغامرة أردوغان العسكرية داخل ليبيا، ونقل كتل الصراع التي شكّلها من خلال المرتزقة في الصراع الإقليمي الجديد، يُعدّ بمثابة فتح جيب جديد في ملف ابتزاز أوروبا، والضغط عليها عبر محاور متعددة، من أهمها قضية التنقيب في شرق المتوسط، وصراعه المحتدم مع اليونان، الشريك الآخر في أزمة المهاجرين واللاجئين العالقين، لجهة الاحتفاظ بالتدفقات النقدية التي تصل إلى أنقرة، والضغط على اتجاهات بعض دول أوروبا، التي تقف على النقيض من الموقف التركي في صراعه داخل ليبيا، وسعيه إلى ابتلاع حقوق الآخرين في شرق المتوسط.  

اقرأ أيضاً: أطماع استعمارية وأوهام الخلافة .. أردوغان صانع انقسام الأوطان

ويثير مخاوف الاتحاد الأوروبي تدفق التنظيمات المسلحة التي تحارب في عدد من بؤر الصراع الإقليمي، داخل العراق وسوريا وليبيا، واعتبار تركيا دولة عبور للإرهابيين، بحسب التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية، في العام 2019،  فضلاً عن تواجدهم في مناطق أفريقية أخرى، الأمر الذي يمثل تهديداً متنامياً لأمن واستقرار دول الاتحاد، لذا، فإنّ المواقف الأوروبية المتباينة تجاه الدعم المتزايد من قبل أردوغان للميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق، ودعمها بالمال والسلاح والتدريب، تأتي من خلفية واحدة، وهي مخالفة ذلك لقرارات مجلس الأمن الدولي، وهو الأمر الذي لا يمكن فهمه بمعزل عن موجات ابتزاز أردوغان لدول اليورو، ما يفتح سيناريوهات التفاوض بشأن صراع أوروبا/ تركيا حول هذا الملف على مصراعيها، بالرغم من الاتفاق المبرم بينهما منذ 4 أعوام.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية