تُطرح، وعلى نطاق واسع اليوم، تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الإدارة الأمريكية الجديدة والمملكة العربية السعودية وفقاً لمرجعيتين أساسيتين، وهما: مستوى العلاقة التي كانت قائمة بين إدارة أوباما والسعودية، والتي ظهرت الخلافات فيها إلى العلن على خلفية توقيع الإدارة الأمريكية الصفقة النووية مع إيران، وهو ما اعتبرته السعودية طعنة من حليف استراتيجي، وخاصة أنها لم تشارك به، وهو ما وفّر قاسماً مشتركاً مع إسرائيل التي قدّمت نفسها بوصفها عضواً في تحالف سنّي ضد إيران، وقد ساهمت السياسات الإيرانية اللاحقة وصياغة الصراع على أسس مذهبية في تقوية المزاعم الإسرائيلية وإثبات مصداقيتها، والمرجعية الثانية ترتبط بالعلاقة الوثيقة التي ربطت بين الرئيس ترامب والقيادة السعودية، وتحديداً الدعم المتبادل بين ترامب وولي العهد السعودي.
السعودية بثقلها الاستراتيجي بوصفها قوة اقتصادية وفي إطار العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن تستطيع أن تساهم بإنجاح السياسات الأمريكية الهادفة لمحاصرة الصين وروسيا
وخلافاً لتوقعات متسرعة، خاصة في الشرق الأوسط، ترتبط بعدم فهم كيفية اتخاذ القرار في أمريكا، صدرت تقارير وتحليلات تتضمن أنّ إدارة بايدن ستقوم بمحاسبة قاسية للمملكة العربية السعودية، لكنّ الوقائع اللاحقة أثبتت أنّ الإدارة الأمريكية ربما تمارس "ضغوطاً" على السعودية في ملفات عديدة، وعلى رأسها ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، وقضية مقتل خاشقجي التي يتمّ فيها تداول تصريحات حول نشر تقرير يتضمن تفاصيل مقتله، ولجين الهذلول التي أفرج عنها بوصفها ناشطة نسائية، وربما تفتح ملفات أخرى حقوقية، وغير حقوقية، على غرار تصدير الأسلحة للسعودية وحرب اليمن، وقد تواصل الرئيس بايدن مع الملك سلمان وليس مع ولي العهد، لكنها ستبقى في إطار ما يُعرف بـ"قانون الوحدة والصراع"؛ أي ضمن ترجمات الالتزام بالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
إنّ القضايا التي يمكن أن تشكّل أوراقاً بيد واشنطن للضغط على الرياض، قد تكون محسومة بالنسبة إلى الرياض، فالمسار الديمقراطي السعودي، رغم كلّ ما يمكن أن يقال، حقق خطوات "جبارة" خلال الأعوام الـ4 الماضية، وربما أصبح كثير من الملفات "الحقوقية" التي طرحها أوباما لم يعد موجوداً، ويشكّل إيجاد حلٍّ سياسي في اليمن هدفاً سعودياً، وإن كانت تدرك الرياض مسبقاً أنّ الحلّ في طهران وليس في صنعاء، رغم تعهدات إدارة بايدن بمساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها، بما في ذلك هجمات الطائرات بدون طيار التي تطلق من اليمن أو من العراق.
اقرأ أيضاً: واشنطن تعلن استمرار شراكتها العسكرية مع السعودية.. ماذا عن العودة للاتفاق النووي؟
ويبدو أنّ محددات العلاقة بين واشنطن والرياض ستكون محكومة ليس فقط لقضايا حقوق الإنسان، بدلالة توثيق العلاقات العسكرية والأمنية بين الجانبين بعد تسلم بايدن إدارة البيت الأبيض، خاصة في ظلّ استمرار تعرّض الرياض لهجمات من الحوثيين حلفاء إيران، رغم قرار بايدن برفع اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب، بالإضافة إلى حالة عدم الوضوح بخصوص الاتفاق النووي الجديد مع طهران، وقيام إيران بالتصعيد مجدداً بعد تسلم بايدن الحكم، غير أنّ متغيراً ربما يكون الأكثر تأثيراً في معايير تلك العلاقة، وهو أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة أمام تطورات جديدة مهمّة، وهي الاعتراف بنواقص الاتفاق النووي السابق مع إيران، الذي لم يشمل البرنامج الصاروخي ولا الدور الإقليمي لإيران، ناهيك عن تطور علاقات إسرائيل مع الدول العربية والخليجية، والذي لم يكن بعيداً عن إطلالة للسعودية بطريقة أو بأخرى.
السعودية بثقلها الاستراتيجي بوصفها قوة اقتصادية، وفي إطار العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، تستطيع أن تساهم بإنجاح السياسات الأمريكية الهادفة لمحاصرة الصين وروسيا، رغم أنّ قراراً سعودياً بهذا الشأن لن يُقدّم على طبق من ذهب لإدارة بايدن، كما أنّ قوتها المالية قد تساهم بتقديم خدمات إدارة مالية، ليس على طريقة ترامب حينما عاد من زيارة السعودية معلناً: لقد عدت بالأموال والوظائف.
السعودية بحاجة القوة العسكرية والغطاءات التي توفرها واشنطن، وفي الوقت نفسه فإنّ أيّ إدارة أمريكية لا تستطيع تجاوز الدور السعودي الإقليمي في المنطقة
والخلاصة، فإنّ العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض ستحكمها "مصالح عميقة ومتبادلة"، فالسعودية بحاجة القوة العسكرية والغطاءات التي توفرها واشنطن، وفي الوقت نفسه فإنّ أيّ إدارة أمريكية لا تستطيع تجاوز الدور السعودي الإقليمي في المنطقة، كما أنّ السعودية قادرة، وفقاً لشواهد تاريخية كثيرة، على استيعاب التطلعات والاستراتيجيات الأمريكية عبر الإدارات المتعاقبة، دون تنفيذها بالطريقة التي تريدها واشنطن.