كيف نجح صلاح ومحرز وبونو في خلق وعي رياضي عربي جديد؟

كيف نجح صلاح ومحرز وبونو في خلق وعي رياضي عربي جديد؟

كيف نجح صلاح ومحرز وبونو في خلق وعي رياضي عربي جديد؟


03/07/2023

لعل المستويات الرائعة التي يقدمها نجوم الكرة العربية أمثال: محمد صلاح ورياض محرز وياسين بونو وغيرهم في الملاعب الأوروبية، تمنحنا بارقة أمل، ونحن نشاهد الجماهير العربية على اختلافها تتابع نجومها بشغف وحماس، وهو ما خلق حالة من الاصطفاف الجماعي، بعيداً عن أجواء التعصب التي تميزت بها الرياضة العربية عبر عقود طويلة، وهو الملف الذي يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء عليه. وكان الأمر اللافت هو توحد الجماهير العربية خلف المنتخب المغربي في كأس العالم الأخيرة، بعد عقود من المشاحنات الرياضية بين الأشقاء.

الرياضة بين السلام والتعصب

في العام 1850 ظهرت ألعاب وينلوك الأولمبية الأولى، نسبة إلى بلدة ماتشوينلوكالصغيرة في شوربشايربانجلترا، بفضل جهود الطبيب ويليام بروكس، والذي كان يهدف من خلال إحياء هذا التقليد الإغريقي، إلى تعزيز الجانب الأخلاقي والارتقاء بقيم التنافس الشريف؛ من أجل إبراز روح التضامن ونبذ الخلافات بين أبناء البلدة والمناطق المجاورة، وفي العام 1896 شهدت مدينة أثينا اليونانية أول تنظيم موسع للألعاب الأولمبية في مهدها القديم، يتنافس فيها الشباب من مختلف دول العالم، لتوثيق روابط الصداقة والمحبة بين الشعوب المختلفة، لتسمو قيم السلام والتآلف فوق الخلافات والصراعات السياسية. وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في زيارة فريق لعبة (البنج بونج) الأمريكي للصين العام 1971، حيث كانت تلك المباريات مؤشراً على انتهاء الحرب الباردة بين البلدين، وبداية حقبة جديدة في العلاقات.

في مشرقنا العربي، تبدو الأمور أكثر التباساً، حيث لعبت الرياضة دوراً آخر غير المأمول منها، حين كرست لنوع من التعصب المبالغ فيه بين الأشقاء.

جدير بالذكر أن مصر كانت أول دولة عربية تشارك في الألعاب الأولمبية، وكان ذلك في دورة استكهولم عام 1912م، ولحقت بها الدول العربية تباعاً، قبل أن تبدأ المنافسات البينية فيما بين الأقطار العربية، حيث استحوذت لعبة كرة القدم بوصفها الرياضة الأكثر شعبية على اهتمام الجماهير، من المحيط إلى الخليج، واكتسبت المنافسات بين الفرق والمنتخبات العربية طابعاً خاصاً من التنافسية الجماهيرية، وهو الأمر الذي انفلت فيما بعد وابتعد عن التنافس الرياضي بين أصدقاء محتملين.

الملاعب العربية تتحول إلى ساحات حرب

لم تكن الأحداث المؤسفة التي صاحبت مباراة مصر والجزائر في أم درمان، في تشرين الأول (نوفمبر) العام 2009م في التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم، مجرد حدث عارض في تاريخ المنافسات بين المنتخبات العربية، بل كانت حلقة في سلسلة التعصب التي انعكست بدورها على العلاقات بين الأشقاء، ففي دورة الألعاب الافريقية التي استضافتها الجزائر عام 1978، وفي أجواء سياسية عربية صعبة، جرت مباراة في كرة القدم بين المنتخبين المصري والليبي، وكان من المأمول أن تكون المباراة فرصة لتجاوز الخلاف السياسي العنيف القائم بين البلدين آنذاك، والتأكيد على أواصر الصداقة بين الشعبين المصري والليبي، لكن المباراة شهدت أحداثاً مؤسفة بين اللاعبين، وسرعان ما تحول ملعب المباراة إلى ساحة حرب؛ ليصدر  قرار من رئيس الوزراء المصري بسحب كامل البعثة المصرية المشاركة في كل الألعاب من الجزائر على متن طائرة خاصّة.

ولسنوات طويلة ظلّ قائد المنتخب الجزائري، الأخضر بلومي، مطلوباً من القضاء المصري، والانتربول الدولي بعدما قام بالاعتداء طبيب مصري عقب المباراة الشهيرة بين البلدين في تصفيات كأس العالم، والتي شهدت أحداث عنف مؤسفة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1989، سبقت أحداث أم درمان بنحو عقدين من الزمان، ولم يكن انفلات بلومي هو الأول من نوعه في الملاعب العربية، حيث كاد اللاعب المصري حسام حسن، أن يتسبب في كارثة، العام 1995، حين تمكن من انتزاع السلاح الآلي الخاص بأحد رجال الأمن اللبنانيين، وحاول استخدامه، على هامش أحدث شغب عنيفة شهدتها مباراة ودية بين المنتخب المصري وفريق الأنصار اللبناني، في العاصمة بيروت.

لم يكن الوضع بين دول المغرب العربي أفضل حالاً، وعلى الرغم من روابط الجيرة وعوامل التاريخ المشترك، شهد ميدان الرياضة أحدث عنف متعددة بين الأشقاء المغاربة، ففي العام 1990 شهدت مدينة وهران الجزائرية، وقائع مؤسفة بين جماهير فريقها وجماهير فريق الرجاء المغربي، الذي انتزع الكأس الافريقية للأندية، سقط على إثرها عدد كبير من الجرحى بين الطرفين.

وعقب فوز المغرب على الجزائر العام 2004 في مباراة دور الثمانية لبطولة أمم افريقيا المقامة بتونس، سقط نحو 70 مصاباً على إثر مواجهات بين الشرطة التونسية والجماهير الجزائرية الغاضبة، وامتدت الاشتباكات لشوارع مدينة صفاقس لساعات طويلة من الليل، استخدمت فيها الشرطة الغاز المسيل للدموع.

ولم يقتصر الأمر على كرة القدم وحدها، ففي العام 2008 شهدت مباراة غير رسمية في كرة اليد جمعت بين المنتخبين الأردني والاماراتي في العاصمة عمان أحداث شغب مؤسفة، تطورت إلى معركة بالأيدي بين لاعبي الفريقين في أرضية الملعب، أنهى على أثرها المنتخب الاماراتي معسكره وغادر إلى بلاده.

وفي تونس، اقتحمت الجماهير الغاضبة أرضية ملعب مباراة فريقي الأفريقي التونسي، والهلال السوداني في واحدة من مباريات البطولة الافريقية للأندية العام 2011، واعتدت على اللاعبين السودانيين وحكم المباراة، وكادت تحدث كارثة لولا تدخل الأمن.

أصبح الانفلات والشغب، والعنف المفرط يحكم المواجهات الرياضية العربية – العربية، ويثير الكثير من الحساسيات، ويؤجج مشاعر الغضب الجماهيري، ليصبح الرد والثأر فوق اعتبارات الأخوة، وخارج مسارات التنافس الشريف.

دور السياسة في تكريس التعصب وتصفية الحسابات

اعتبرت بعض الأنظمة العربية انتصارات منتخباتها، بمثابة انتصارات سياسية لها، تثبت للجماهير مدى نجاح طرائقها في الحكم، وتسهم في تكريس سلطاتها؛ من خلال الاحتفاء المبالغ بالانتصارات الرياضية، لمدارة هزائمها الاقتصادية والاجتماعية، لتصبح الرياضة مصدراً وحيداً للإفلات من شبح السقوط الدائم في مستنقع الفوضى والهزيمة.

وبلغ الاهتمام بالمنافسات الرياضية حد مشاركة السلطة في رسم السياسات الكروية، ففي مصر كان المشير عبد الحكيم عامر هو رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، وهو نفس الدور الذي لعبه الساعدي القذافي حين تولى رئاسة اتحاد الكرة الليبي، وهو ما يعكس حرص الأنظمة على الإشراف المباشر على شئون اللعبة الشعبية الأولى.

ولعل ما حدث قبل المباراة الفاصلة بين المغرب والجزائر، في تصفيات بطولة الأمم الأفريقية العام 1972، يعطى مؤشرات شديدة الدلالة، حيث أعلن المدرب اليوغسلافي، فيدنيك، على لاعبيه تشكيلة المباراة قائلا: "هذه التشكيلة حددها القصر، ولا دخل لي فيها". وقد شهدت تلك الفترة ذروة التوتر في العلاقات بين البلدين.

جدير بالذكر أن المدرب الفرنسي للمنتخب المغربي جي كليزو، ذهب في طائرة خاصّة قبل مباراة جمعت المغرب والجزائر في تصفيات دورة الألعاب الأولمبية بموسكو العام 1980، لأخذ التعليمات النهائية من القصر، وعقب الهزيمة القاسية بخمسة أهداف أصيب المدرب بشلل نصفي وأزمة قلبية، وفارق الحياة على أثرها، قبل أن يتم حل الجامعة الملكية لكرة القدم.

ولعل وصف الصحافي العراقي، سعد البزاز، لمباراة منتخب بلادة والمنتخب القطري في تصفيات كأس العالم العام 1986، خير دليل على ما ذهبت إليه المنافسات الرياضية بين العرب، حيث باتت الرياضة ميداناً لتصفية الحسابات السياسية، كتب "البزاز" مقالاً مطولاً بعنوان:"حدث غير رياضي في مباراة سياسية"؛ تعليقا على تمزيق وإهانة العلم العراقي في الدوحة.

هذا وقد سقط قتيلان في أعقاب أحداث عنف شهدتها مدينة عنابة الجزائرية، على هامش مباراة جمعت المنتخب الجزائري ونظيره المغربي العام 2011م، وهي المباراة التي وصفها رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم بأنها :"معركة رياضية في الملعب، وسياسية خارجه".

وفي سياق متصل خرجت صحيفة النهار العراقية، تحمل عنواناً عريضاً عقب فوز الفريق العراقي على نظيره السعودي للشباب العام 2014، تقول فيه: "العراق واحد- داعش صفر"، وهو ما استلزم رداً من أحد أعضاء لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشورى السعودي، سبقته ردود عنيفة من الصحافة السعودية.

وعليه، لم ينجح بعض العرب في الاجابة عن سؤال التنافس الرياضي، ولم تلفح الرياضة في تقريب المسافات، وتجاوز الخلافات السياسية، ونزعات التعالي الوطنية، بل وكونت جبهات صراع تقليدية، وأزمات باتت تنفجر في الوجوه كلما حانت لحظات التنافس بين أشقاء سابقين!

من هنا يمكن رصد دلالات حالة التوحد الجماعي العربي خلف المنتخب المغربي في كأس العالم الأخيرة، في سياق توحد الجماهير قبل ذلك خلف النجوم الذين أدوا أدوراً مبهرة في الملاعب الإنجليزية أمثال صلاح ومحرز، أو الأسبانية مثل ياسين بونو، أو الفرنسية مثل أشرف حكيمي، ممّا يعيد للأذهان تلك الحالة العربية الفريدة، حينما خرج العرب محتفلين في العام 1984 بفوز المغربية نوال المتوكل بذهبية أولمبياد لوس أنجلوس في ألعاب القوى، والمصري رشوان بفضية منافسات الجودو، ويمكن القول أن الإبداع يبقى وحده عاملا من عوامل القضاء على التعصب بين الأشقاء، حيث يقوم صلاح ومحرز ورفاقهم العرب بتقديم اجابات عملية عن سؤال التنافس الرياضي الشريف كل يوم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية