كيف سعى الإخوان المسلمون لاختراق منظومة التعليم في السعودية في الستينات والسبعينات؟

كيف سعى الإخوان المسلمون لاختراق منظومة التعليم في السعودية؟

كيف سعى الإخوان المسلمون لاختراق منظومة التعليم في السعودية في الستينات والسبعينات؟


31/08/2024

في كتابه "سرّ المعبد"، ينقل ثروت الخرباوي، عن القيادي الإخواني أحمد أبو غالي، قوله: "كانت دولة آل سعود شاخصة في ذهن حسن البنا، وكان يعدّها الدولة "البروفة" لدولة الخلافة الإسلامية، التي كان يرى نفسه من خلالها خليفة للمسلمين".
ومنذ اللحظة الأولى لاتصال البنا بالمملكة العربية السعودية، وهو يسعى لتحقيق ذلك الحلم، وبدأ مساعي التنفيذ من خلال زياراته السنوية لإقامة شعائر الحج، التي بدأها بحجته الأولى عام 1936، ورغم رفض الملك عبد العزيز طلب البنا بإقامة تجمعات للإخوان بالمملكة إلا أنّه عمل على تنفيذها سراً.

يعتبر التعليم والسيطرة عليه جزءاً أصيلاً في فكر جماعات الإسلام السياسي عموماً، وجماعة الإخوان على وجه الخصوص

وذكر عبد الله بن بجاد العتيبي، في كتاب "الإخوان المسلمون في الخليج"، اهتمام البنا بإنشاء شعب للجماعة في المملكة، قائلاً: "ولعلّه في هذا العام (1936)؛ كان اللقاء الشهير بين حسن البنا والملك عبد العزيز، والذي طلب فيه البنا إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز ذكياً وديبلوماسياً حين رفض الطلب قائلاً للبنا:"كلنا إخوان مسملون".

 

التعليم واختراق منظومة الدولة
صباح السادس من نيسان (أبريل) 2015؛ ذهب وفد من وزارة التربية والتعليم في القاهرة، إلى واحدة من المدارس التابعة لجماعة الإخوان، لحرق الكتب التي أقرّت ثلاث لجان شكلتها وزارة التربية والتعليم على التوالي أنها محرفة، وتنشر الفكر المتطرف، واكتفت اللجان لتأكيد صحة التقرير بذكر أنّ المدرسة يملكها صهر القيادي الإخواني عصام العريان، ويديرها آخر متزوج من قريبة للقيادي حلمي الجزر، دون ذكر أمثلة من هذا التحريف الذي تضمنته الكتب، وأوصت اللجان بإعدام الكتب المحرَّفة، التي قدرت بـ 42 كتاباً، واستبعاد 40 كتاباً، رأت اللجنة أنها أكبر من عقل الطلبة.

اقرأ أيضاً: هل يجب أن نقلق من الإخوان المسلمين والإسلام السياسي؟
حادث حرق الكتب أحدث جدلاً كبيراً في الشارع المصري، وانتبه الجميع لمسألة سيطرة جماعة الإخوان على العشرات من مدارس التعليم الأساسي؛ فبعد قيام ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013؛ تمّ حصر المدارس الخاصة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين؛ لوضعها تحت التحفظ وإدارة وزارة التربية والتعليم، وأدرجت المدارس في ملف تمّت تسميته بمدارس 30 يونيو، وأكّدت التصريحات أنّ المدارس المتحفظ عليها بلغ عددها 104 مدرسة.
واختراق التعليم كان الوسيلة الأضمن التي اتبعها تنظيم الإخوان في جميع الدول العربية التي انتشر فيها، ساعياً لفرض سيطرته عليها، وعلى رأس تلك الدول المملكة العربية السعودية.
حسن البنا معلماً بالمملكة
أورد حسن البنا في مذكراته "الدعوة والداعية"، قصة دعوته للتدريس بالمملكة العربية السعودية، قائلاً: "فضيلة الشيخ حافظ وهبة، مستشار جلالة الملك ابن آل سعود حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة المعارف إلى الحجاز، ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة، واتصل الشيخ حافظ وهبة بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين، فاتصل بي السيد محبّ الدين الخطيب، وحدّثني في هذا الشأن، فوافقت مبدئياً".

"الدعوة والداعية"
ورغم أنّ المسألة لم تتم بسبب إجراءات بيروقراطية منعت سفر البنا إلا أنّ حلم الجماعة في اختراق منظومة التعليم بالمملكة لم ينقطع، وعاد التفكير فيه من جديد مع خروج مناع القطان من القاهرة متوجهاً إلى السعودية؛ هرباً من تتبع النظام المصري لبقايا جماعة الإخوان بالقاهرة.

الخرباوي نقلاً عن قيادي إخواني: كانت دولة آل سعود شاخصة في ذهن البنا، باعتبارها الدولة "البروفة" لدولة الخلافة الإسلامية

كان القطان أحد قيادات التنظيم في المنوفية بمصر، قبل أن يهاجر إلى السعودية، عام 1953، ووصف في عدة مراجع بأنه الأب الروحي، وأهم قيادات الإخوان في المملكة، وأنه أول مصري من جماعة الإخوان قام عملياً بتجنيد مواطنين سعوديين في دعوة الإخوان.
غادر مصر، عام 1953، إلى المملكة العربية السعودية، للتدريس في مدارسها ومعاهدها، إلى عام 1958؛ حيث انتقل للتدريس بكلية الشريعة بالرياض، ثم كلية اللغة العربية، ثم مديراً للدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إضافة إلى عضويته في مجلس الجامعة، ورئاسة اللجنة العلمية لكلية البنات، وكذلك لجنة السياسة التعليمية بالمملكة، وكان يشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعات محمد بن سعود، وأم القرى، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والتي بلغ عددها 115 رسالة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون وسلاح المظلومية
وافتتح القطان المعهد الديني في الاحساء، ثم انتقل إلى القصيم ليفتتح أول معهد ديني بها، إلى جانب أنه كان عضواً في اللجنة العليا لسياسة التعليم، والتحق بكلية الشريعة بالرياض كأستاذ، ومن ثم أصبح مدير المعهد العالي للقضاء، وأسّس الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود وكان رئيساً لها، وأشرف على الكثير من رسائل الدكتوراه، وتتلمذ على يده الكثير من العلماء والقضاة المعاصرين.
اختراق الإخوان للمناهج التعليمية
ويعدّ التعليم والسيطرة عليه جزءاً أصيلاً في فكر جماعات الإسلام السياسي عموماً، وجماعة الإخوان على وجه الخصوص، والتي لم تكتف بمجرد اختراق المؤسسات التعليمية فقط؛ بل تعدى الأمر ذلك، ليصل إلى اختراق المناهج نفسها، سواء بتأسيس الإخوان لمناهجهم الخاصة التي يعملون على تدريسها للأطفال والشباب في تجمّعات الأسر الإخوانية، أو التدخل في وضع مناهج التعليم الرسمية.

اقرأ أيضاً: لندن وحظر "حزب الله".. ماذا عن تنظيم الإخوان؟
ونشر موقع "ميدل إيست" ملخصاً لبحث يوسف الديني "الإخوان وتأسيس السلطة الرمزية ابتلاع الحقل التعليمي في السعودية"؛ إذ "تعتبر التربية والتعليم في فكر الجماعة الأم "الإخوان المسلمون" وبقية تيارات الإسلام السياسي، جزءاً من الشمولية الأيديولوجية في فهمهم ورؤيتهم للإسلام الحركي، الذي يعمل في الواقع بديناميكيات تغييرية، فالمبدأ الأول من الأصول العشرين التي تمثل أساس تلك الرؤية، هو إعادة طرح مفهوم الإسلام بعد سقوط الخلافة كعقيدة حركية سياسية، فهو بحسب البنا: "نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".

 

مواجهة خطر الإخوان
المملكة العربية السعودية أدركت مؤخراً ذلك الخطر، ونشرت جريدة "الشرق الأوسط" تقريراً ذكرت فيه مناقشة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، خلال لقاء تلفزيوني أجرته معه شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية، إشكالية غزو فكر جماعة "الإخوان المسلمين" لنظام التعليم في المملكة، ومضي بلاده في اجتثاث كلّ من ينتمي لهذا الفكر أو يتعاطف معه خلال الفترة القصيرة القادمة.

اقرأ أيضاً: "البيان" الذي لم يُصدره الإخوان المسلمون
وذكرت الجريدة أنّ هذا التوجه، ورد في كلام وزير التعليم السعودي، الدكتور أحمد العيسى، الذي ذكر أنّ توغل جماعة "الإخوان" في التعليم حقيقة لا تقبل النقاش، إضافة إلى انخراط بعض رموز الجماعة، ممن هربوا من مصر في حقبتي الستينيات والسبعينيات، والتحقوا بقطاع التدريس في التعليمين العام والجامعي السعودي.
وتطرق العيسى، في تصريحه، إلى الجهود المبذولة لمحاربة الفكر المتطرف من خلال إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوّها من منهج "الإخوان"، ومنع الكتب المحسوبة على الجماعة من جميع المدارس والجامعات، وكذلك إبعاد كلّ من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها عن أي منصب إشرافي أو من التدريس، هذا إلى جانب التوعية بخطر فكر الجماعة من خلال الأنشطة الفكرية في الجامعات والمدارس.

الصفحة الرئيسية