توقع خبراء ومراقبون مختصون بالشأن التركي، تحدثوا لـ"حفريات" بشكل منفصل، أن تعصف الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في تركيا بحظوظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل، بالتزامن مع رصد أرقام جديدة صادمة تعكس ارتفاع مستوى البطالة، وتوقعات حول استمرار زيادة التضخم لمستويات قياسية.
وقد ارتفعت نسبة البطالة في تركيا إلى 10.2% في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بزيادة نحو (0.1) نقطة مئوية مقارنة بالشهر السابق، بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي المعلن عنها أمس، وواصل التضخم في البلاد ارتفاعه بشكل كبير، ممّا اعتبره مراقبون تحدياً حقيقياً للرئيس أردوغان.
وفي السياق، توقع تقرير لوكالة "رويترز" استمرار تراجع النمو الاقتصادي في البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل، ممّا يشكل تحدياً أمام أردوغان وحزبه بعد (20) عاماً من الوصول إلى السلطة بالبلاد.
وقال مسؤولون ومحللون أتراك: إنّ معدل التوظيف والناتج المحلي الإجمالي يشكلان عاملين لا يمكن توقع ارتداداتهما في الانتخابات بالنسبة إلى الرئيس، الذي تضررت سمعته السياسية المؤيدة للنمو في الأعوام الأخيرة، في ظل ارتفاع التضخم وانهيار الليرة إلى مستويات متدنية تاريخية، وفق ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط".
وقال مسؤول اقتصادي تركي رفيع المستوى، طلب عدم كشف اسمه: "قبل الانتخابات على وجه الخصوص يمثل التوظيف وضعاً إشكالياً".
وارتفعت البطالة في تركيا بين الشبان نقطتين مئويتين تقريباً إلى ما يقلّ قليلاً عن 22%، ممّا يشكل مصدر قلق، نظراً لأنّ هناك (6) ملايين من الشباب سينضمون إلى جمهور الناخبين العام المقبل، ولأنّ هناك غالبية كبيرة من الشبان الأتراك يقولون إنّهم يريدون التغيير.
خيارات محدودة أمام العدالة والتنمية
الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، المختص بالشأن التركي كرم سعيد، يقول لـ "حفريات": إنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا ربما تكون أصعب انتخابات مرت على حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ وصوله إلى الحكم، في ضوء التحديات المتفاقمة التي تواجهها البلاد، وبشكل خاص الأزمة الاقتصادية المتفاقمة دون حل على مدار أعوام، وتلك التحديات تضعه أمام خيارات محدودة.
كرم سعيد: هذه الانتخابات لن تكون كغيرها، وستشهد معركة تكسير عظام بين الحزب الحاكم ومنافسيه، ولا يتوقع أن تكون الفوارق الانتخابية بينهم كبيرة
وبحسب سعيد، لطالما كان العامل الاقتصادي محدداً لسلوك الناخب التركي على مدار الأعوام الماضية، وهناك قطاع كبير كانوا ينتخبون الرئيس التركي الحالي أردوغان، رغم الاختلاف الإيديولوجي معه، بدوافع اقتصادية تتعلق بالنتائج الجيدة التي حققها الحزب في القطاع الاقتصادي خلال الأعوام الأولى من حكمه.
لكن اليوم، ومع تراجع الأوضاع الاقتصادية، تلقي الأزمة بظلال ثقيلة على حظوظ حزب العدالة والتنمية في الشارع السياسي التركي، وتؤثر بشكل سلبي على حظوظ العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة.
محاولات لاحتواء الأزمة
ويشير سعيد إلى المحاولات المستمرة من جانب العدالة والتنمية لاحتواء الأزمة الراهنة، متمثلة في محاولة التصالح والتعاون مع الدول الإقليمية، وفي مقدمتها دول الخليج ومصر، وكذلك التطور الكبير في منظومة التصدير، ومحاولة جذب الاستثمارات الأجنبية.
كرم سعيد: الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا، ربما تكون أصعب انتخابات مرت على حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم، في ضوء التحديات المتفاقمة التي تواجهها البلاد
كل هذه المحاولات يصفها سعيد بأنّها تحايل من أجل تجاوز الأزمة، التي يدرك العدالة والتنمية أنّها صعبة وستؤثر على شعبيته، وهذا ما رصدته مؤخراً عدة استطلاعات للرأي.
عوامل أخرى مؤثرة
وفق سعيد؛ هناك العديد من العوامل الأخرى المؤثرة في نمط وسلوك الناخب التركي، معظمها سياسات لا يرضى عنها المواطن، لعل أبرزها الانخراط العسكري التركي في دول مثل ليبيا وسوريا، وهي أمور يعتبر الأتراك أنّها عززت الأزمة الاقتصادية، وأضرت بالمصالح التركية.
ويشير سعيد إلى عامل آخر سيؤثر في الانتخابات، لكن يمكن توظيفه من خلال العدالة والتنمية لصالحه، يتعلق بتعدد التكتلات الخاصة بالمعارضة في العملية الانتخابية، وهو ما يضعف حظوظ المعارضة، ويؤدي لتفتيت الأصوات، وهو أمر قد يستغله أردوغان لصالحه.
ويشير سعيد أيضاً إلى الخلافات الإيديولوجية بين قوى المعارضة، باعتبارها عامل قوة قد يستفيد منه العدالة والتنمية لتقوية فرصه في الانتخابات المقبلة، مقابل تفتيت أصوات المعارضة، المنقسمة فيما بينها لنحو (6) تكتلات متنوعة.
تنافس محتدم
ويتوقع الخبير المختص بالشأن التركي أن تشهد الانتخابات المقبلة تنافساً محتدماً بين أردوغان ومنافسيه، فيما يواجه الحزب الحاكم خيارات صعبة ومحدودة، وعليه أن يسابق الزمن من أجل إنهاء الملفات العالقة وكسب ثقة الأتراك مجدداً.
ويضيف: "هذه الانتخابات لن تكون كغيرها، وستشهد معركة تكسير عظام بين الحزب الحاكم ومنافسيه، ولا يتوقع أن تكون الفوارق الانتخابية بينهم كبيرة".
توقعات أخرى متفائلة
الكاتب في الشأن السياسي درويش خليفة، المقيم بإسطنبول، يقول في تصريح لـ "حفريات": إنّ الأزمة الاقتصادية في البلاد ليست وليدة اللحظة، ولكنّها ممتدة منذ أعوام، وهي نتاج العديد من السياسيات التي تسببت في تراجع سعر الليرة التركية مقابل الدولار، وارتفاع نسب التضخم والبطالة إلى معدلات غير مسبوقة.
وفي المقابل، يرى خليفة أنّ هناك قدراً من النمو الاقتصادي تشهده البلاد خلال الفترة الراهنة يتعلق بزيادة نسبة التصدير، حيث تحاول العديد من الدول الاستفادة من انخفاض سعر الليرة لاستيراد السلع التركية، سواء من خلال التجارة الإلكترونية، التي يديرها أفراد أو شركات، أو من خلال الشركات الكبرى في بعض الدول المجاورة.
درويش خليفة: استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الرئاسية التركية ما تزال تتسم بالضبابية دون حسم حول نسب الحزب الحاكم أو المعارضة حتى الآن
وبحسب خليفة، لا تؤثر الأزمة الاقتصادية الراهنة على المتطلبات الأساسية للشعب التركي من المواد الغذائية بشكل خاص، بسبب الاكتفاء الذاتي من زراعة المحاصيل داخل البلاد، لكنّ الأزمة تتعلق بارتفاع نسب البطالة، واحتمالات نمو التضخم بشكل كبير مستقبلاً.
ضبابية في المشهد الانتخابي
وحول حظوظ الرئيس أردوغان في الانتخابات المقبلة، ومدى تأثره بالوضع الاقتصادي، يقول خليفة: إنّ استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الرئاسية التركية ما تزال تتسم بالضبابية دون حسم حول نسب الحزب الحاكم أو المعارضة حتى الآن.
ويوضح خليفة: صحيح التضخم واضح ولا يخفى على أحد، حيث تجاوز 86%، لكنّ الناس في تركيا لم تستمع لبرنامج المعارضة، لتقرير إذا كانوا سيحسمون أمرهم بالتصويت للمعارضة أو للحزب الحاكم، لذلك لا يمكن البناء على فكرة أنّ التضخم عامل ضغط على أردوغان، لأنّ الإعلام يتحدث عن تضخم عالمي، وتركيا جزء منه، على حدّ قوله.