تطرق المركز العربي لدراسات التطرف إلى جملة من المحطات العنيفة التي شهدتها المناطق العربية وأثرت على المشهد الغربي، في ملف وضع له عنوان "التأثيرات المتتالية للحرب في الشرق الأوسط تخلق أرضاً خصبة للتطرف والعنف في الغرب".
ولفت المركز إلى العنف الذي شهدته العاصمة الهولندية أمستردام أثناء مباراة كرة قدم بين فريق أياكس الهولندي وفريق مكابي الإسرائيلي في تشرين الثاني / نوفمبر، معتبرا أنه شكل نموذجاً مصغراً للتفاعل بين الصراع المستمر في الشرق الأوسط، والاستقطاب المحلي، وبناء السرديات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما تحدث عن هجمات حماس في السابع من تشرين الأول / أكتوبر والانتقام الإسرائيلي، كجزء من صراع إقليمي أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، وما أدى إليه ذلك من زيادة هائلة في الحوادث المعادية للسامية وكراهية الإسلام في جميع أنحاء الدول الغربية.
وقد أدى الاستقطاب المجتمعي – الذي تفاقم بسبب المتطرفين العنيفين غير الحكوميين والجهات الفاعلة الحكومية – إلى خلق توترات في جميع أنحاء المجتمعات متعددة الأديان والأعراق. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغطية وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للصراع أدى في بعض الأحيان إلى تأجيج نيران الاستقطاب، مما قد يؤمّن المزيد من الأكسجين لجهود نشر التطرف من قبل المتطرفين العنيفين والإرهابيين.
وقد خلص تقرير صدر عن مركز صوفان في وقت سابق من هذا العام بعنوان “تسريع الكراهية: تأثير السابع من تشرين الأول / أكتوبر على الإرهاب والعنف السياسي في الغرب” إلى أن الصراع في الشرق الأوسط سيكون له تأثير طويل الأمد على الغرب، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات القائمة، وخلق تحديات جديدة.
إلى ذلك، أشار المركز إلى الأحداث الأخيرة، التي شهدتها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، والتي قال إنها تظهر التقارب بين التهديدات الأمنية القائمة منذ فترة طويلة والتهديدات الناشئة التي تغذيها الصراعات في الشرق الأوسط.
وقد نقلت هذه الأحداث قضايا مثل الاندماج والهوية إلى صدارة الخطاب العام، وسلطت الضوء على التحديات التي تواجهها أجهزة إنفاذ القانون في معالجة العنف المرتبط بهذه القضايا، كما أنها تؤكد على التأثير المتزايد لوسائل الإعلام الاجتماعية في تشكيل سرديات مقنعة، ولكنها مضللة في كثير من الأحيان حول هذه الحوادث العنيفة ذات الدوافع الأيديولوجية، فضلاً عن الاتجاه المتزايد لمشاركة القُصّر في هذه الحوادث.
هذا ولا تقتصر التوترات المتزايدة على أوروبا، فقد حدث استقطاب مماثل بسبب الصراع من مونتريال إلى ملبورن، لكن هذه القضايا أصبحت حادة بشكل خاص في أوروبا الغربية، وخاصة على مدى الأشهر القليلة الماضية.
هذا وأظهرت أعمال العنف، التي شهدتها أمستردام، أثناء مباراة كرة قدم بين فريق أياكس الهولندي وفريق مكابي الإسرائيلي يوم الخميس 8 تشرين الثاني / نوفمبر، التفاعل المعقد بين الحرب في الشرق الأوسط والتوترات الداخلية وأهمية تغطية وسائل الإعلام (الاجتماعية) للحوادث العنيفة.
فقد قام، بحسب الملف الذي نشره المركز، حوالي 50 من مشجعي مكابي بإزالة العلم الفلسطيني من مسكن خاص قبل المباراة وأحرقوه، وانخرطوا في أعمال استفزازية أخرى معادية للفلسطينيين، فضلاً عن حوادث التخريب بعد المباراة، بما في ذلك مهاجمة سيارة أجرة.
زاد عدد القاصرين المتورطين في الهجمات الإرهابية بشكل كبير في عامي 2023 و2024 وكان الشباب من أصل شيشاني وراء العديد من المؤامرات في فرنسا
في المقابل، دفع هذا مجموعة من سائقي سيارات الأجرة في أمستردام إلى التعبئة ومواجهة المشجعين الإسرائيليين بعنف. وسرعان ما تدهورت هذه الأحداث إلى هجمات دهس وضرب ضد مشجعي مكابي، مما أدى إلى إصابة العشرات ونقل خمسة أفراد إلى المستشفى. وبدلاً من أعمال الشغب المعتادة، لاحظ المسؤولون أن هناك منشورات تهديدية على منصات التواصل الاجتماعي كانت موجودة بالفعل قبل المباراة، وأن المهاجمين تصرفوا بطريقة منسقة ضد مشجعي الفريق الإسرائيلي.
في الوقت نفسه، حتى لو كانت بعض الحوادث متعمدة، فإن الغناء المثير للغضب والاستهزاء والهتافات، والتي تضمنت عبارات قاسية ضد الأطفال الفلسطينيين القتلى، توضح كيف يمكن لهذه المواقف أن تخرج عن نطاق السيطرة بسرعة وتتصاعد إلى عنف جسدي. علاوة على ذلك، فإن التقارير الأولية المحيطة بهذه الأحداث غالباً ما تكون غير دقيقة أو غير كاملة، وملطخة بالمعلومات الخاطئة والمضللة، ويتم تضخيمها من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
إلى ذلك، لفت المركز إلى أن المعلومات الخاصة بأحداث العنف في أمستردام خضعت لأشكال مختلفة من التلاعب، حيث عملت منصات التواصل الاجتماعي على الترويج لروايات كاذبة وخادعة استخدمها كل من المؤيدين للفلسطينيين والمؤيدين لإسرائيل.
وقد وصف العديد من المسؤولين البارزين، بما في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، الحادث بأنه “مذبحة”، مما أثار بعضاً من أسوأ صور العنف ضد اليهود في أوروبا. كما استخدمت فيمكي هالسيما، عمدة أمستردام، هذه الكلمة لوصف الحادث، على الرغم من أنها أعربت في ما بعد عن أسفها لاختيارها للكلمة، وعلقت قائلة: “يجب أن أقول إنه في الأيام التالية رأيت كيف أصبحت كلمة مذبحة سياسية للغاية وتحولت في الواقع إلى دعاية”.
وتسببت مقاطع الفيديو “غير السياقية” على منصات التواصل الاجتماعي في تشوهات مختلفة مدفوعة أيديولوجياً: بعض المقاطع تظهر مثيري الشغب من مكابي، بينما روّج مستخدمون آخرون مقاطع لحشود مؤيدة للفلسطينيين.
وفي الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني / نوفمبر، تم القبض على مراهق فرنسي يبلغ من العمر 16 عاماً من أصل شيشاني بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي. كان المراهق قد استكشف أهدافاً مختلفة لهجومه، بما في ذلك كنيس في لومان، وهي مدينة تقع في شمال غرب فرنسا.
ووفقا لما أورده المركز العربي لدراسات التطرف، فقد زاد عدد القاصرين المتورطين في الهجمات الإرهابية بشكل كبير في عامي 2023 و2024، وكان الشباب من أصل شيشاني وراء العديد من المؤامرات في فرنسا. بالإضافة إلى ذلك، كانت الأهداف الناعمة مثل المعابد اليهودية مستهدفة بشكل خاص من قبل المؤامرات الإرهابية في فرنسا منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر.
أما في برلين ألمانيا، فقد أصدرت رئيسة الشرطة باربرا سلوفيك تحذيرات أمنية لكل من المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً واليهود في أحياء معينة. وأكدت أنه لا توجد مناطق “محظورة” تماماً في برلين، لكنها نصحت هؤلاء الأفراد بضرورة توخي الحذر في أحياء محددة. كانت الأحياء التي ذكرتها كلها من السكان العرب الذين لديهم سجل حافل بمعاداة السامية أو العداء تجاه اليهود.
هذا وقد تم استخدام منصات التواصل الاجتماعي في العديد من حالات العنف المعادي للسامية والإسلاموفوبيا في العام الماضي في أوربا الغربية. وقد أثبتت التطورات في أنتويرب أن هذه المنصات ليست مصدر إلهام فحسب، مما يؤدي إلى هجمات “تقليدية”، بل إنها تستخدم بشكل فعال لتنسيق الإجراءات التي تستهدف المجتمعات بطريقة منظمة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون اتجاه الأفراد الشباب إلى التخطيط لهجمات إرهابية في أوربا مرتبطاً جزئياً باستخدامهم المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي، مما يؤدي إلى المزيد من التعرض للصور والروايات الحقيقية والخادعة والمزيفة أيضاً المتعلقة بالحرب بين حماس وإسرائيل، والتي تنتشر بشكل مكثف على الإنترنت.