كيف دخلت طالبان حقل تجارة الأسلحة؟

كيف دخلت طالبان حقل تجارة الأسلحة؟

كيف دخلت طالبان حقل تجارة الأسلحة؟


26/07/2023

ترجمة وتحرير: محمد الدخاخني

انسحب الجيش الأمريكيّ من أفغانستان قبل عامين، تاركاً وراءه أسلحةً تَظهرُ الآن في مناطق اضطرابات بعيدة، حيث يُقاتِل إرهابيّون ويَقتلون حلفاء أمريكا. في أسواقٍ انتشرت عبر الأراضي الأفغانيّة الوعرة الجنوبيّة والشرقيّة، حيث دارت أكثر معارك الحرب سخونة، يعرض تجارٌ - لديهم تصاريح من حركة «طالبان» - بنادق هجوم آلية ومسدّسات أمريكيّة الصّنع للبيع، إلى جانب معدّات من روسيا، وباكستان، والصّين، وتركيا، والنّمسا. إنّ الأعمال التّجاريّة، مثل الإرهاب، في ازدهار.

تحت أقمشة مهترئة متدلية من أعمدة خشبيّة، أو في مراكز تجاريّة معزولة في عمق الصّحراء، أو موضوعة على سجاد مُغبّر على طول مسارات وعرة قبالة الطّرق السّريعة الرّئيسة، تقدّم بازارات الأسلحة المخصّصة هذه صواريخ وقنابل، وقاذفات قنابل يدويّة محمولة على الكتف، ونظّارات للرّؤية الليليّة، وبنادق قنص، ومناظير، وذخيرة. تُسعّر السّلع بالعملة الأفغانيّة، والرّوبية الهنديّة، والدّولار الأمريكيّ. وتعكس زياداتٌ أخيرةٌ في الأسعار الفطنة التّجاريّة لعصابة - وهي واحدة من أغنى العصابات الإجراميّة في العالم - سعت إلى فرض رقابة صارمة على العرض.

بندقيّة «أي كي 47» بمائة وثلاثين دولاراً

وُضعت أسعار مرتفعة للبنادق الهجوميّة الأمريكيّة من باب تأكيد تميّزها: يمكن أن يصل سعر بندقية «إم 4» في حالة جيّدة إلى 2,400 دولار، ويُعدّ حمل هذه البندقيّة في الحزام القبليّ في جبال الهيمالايا رمزاً على المكانة بقدر حمل حقيبة يد فاخرة في مانهاتن. في المقابل، يمكن أن تصل تكلفة نسخة باكستانيّة الصّنع مقلّدة من بندقيّة «أي كي 47» - آلة القتل الأكثر انتشاراً في العالم - إلى مائة وثلاثين دولاراً فقط.

"طالبان" جنت الكثير من الأموال من أشكال التّجارة غير المشروعة

إنّه سباق تسلّح جديد - وهو سباق يهدّد الأمن العالميّ. إنّ «طالبان»، وهي حليفة - إن لم تكن تابعة - لتنظيم «القاعدة»، في قلب شبكة تهريب عالميّة تكسب مليارات الدّولارات من الهيروين والميثامفيتامين. والآن، يبدو أنّها توجّه أسلحةً صغيرةً إلى متطرّفين متشابهين معها في التّفكير ومُلهَمين بانتصارها، ليس أقلّه في الجوار. «طالبان باكستان» الموجودة في المناطق القبليّة الشماليّة الغربيّة الممزّقة في باكستان، والانفصاليّون في بلوشستان المضطّربة، يستخدمون أسلحةً مصنوعة في أمريكا لقتل الشّرطة والجنود في حرب متصاعدة ضدّ الدّولة الباكستانيّة.

مُعدّات الرّؤية الليليّة

وتُظهر مقاطع فيديو دراميّة لـ«طالبان باكستان» هجمات على مواقع للشّرطة والجيش في باكستان على يد متشدّدين مسلّحين بأسلحة أمريكيّة يستخدمون مُعدّات للرّؤية الليليّة وأسلحة حراريّة، والتي قالت «منظّمة مراقبة السّلام الأفغانيّة» في تقرير جديد إنّها «مُلحقات مطلوبة بشدّة تُوفَّر للقوات الخاصّة الأفغانيّة». وينقل التّقرير عن أحد مقاتلي «طالبان»، في إقليم ننجرهار المتاخم لباكستان، قوله إنّ مُعدّات الرّؤية الليليّة تُباع بما يتراوح بين 500 و1,000 دولار.

ياسين ضياء، الجنرال السابق في الجيش الأفغانيّ ويقود الآن «جبهة تحرير أفغانستان» المعارضة: من المرجح أن تذهب الأسلحة إلى عملاء «طالبان باكستان»

يقول افتخار فردوس، رئيس تحرير «خرسان دايري»، وهي منظّمة مستقلّة مقرّها باكستان تراقب الجماعات غير الحكوميّة: «إنّ انتشار مثل هذه الأسلحة لم يجعل فقط من الصّعب مكافحة شبكات الإرهاب على المستوى الإقليميّ، بل إنّ معدّات الرّؤية الليليّة، على وجه الخصوص، تُستخدم لاستهداف أفراد الأمن والشّرطة الباكستانييّن بشكل يوميّ».

وقد ورد أنّ أسلحة هجوميّة أمريكيّة استُخدمت في هجمات وقعت مؤخّراً لجماعات غير حكوميّة في كشمير، المقسّمة بمرارة بين الهند وباكستان. ويقول ياسين ضياء، الذي كان جنرالاً سابقاً في الجيش الأفغانيّ ويقود الآن «جبهة تحرير أفغانستان» المعارضة، إنّ الأسلحة من المرجّح، أيضاً، أن تذهب إلى عملاء «طالبان باكستان» الذين نُقلوا، في صفقة بين «طالبان» وباكستان، إلى شمال أفغانستان. ويضيف ضياء: «لن يكونوا موضع ترحيب وسوف يحتاجون للدّفاع عن أنفسهم» ضدّ السّكان المحليّين المعادين.

بالنّسبة إلى «طالبان»، التي جنت الكثير من الأموال من أشكال التّجارة غير المشروعة الأخرى، فإنّ صفقات الأسلحة هي مجرّد مصدر آخر للدّخل: فمن المرجّح أنّ «طالبان» تُسيطر على السّوق السّوداء الجديدة وتفرض ضرائب عليها، كما يقول أسفانديار مير، وهو خبير في شؤون جنوب آسيا في «معهد الولايات المتّحدة للسّلام». وبينما تسعى «طالبان» (والجماعات الإرهابيّة المتحالفة معها) إلى تجنيد أتباع جدد، فإنّ القليل من الأشياء تتحدّث ببلاغة أكثر من الأسلحة الفاخرة الفتاكة.

الاستبدال التّدريجيّ لبنادق الكلاشينكوف

تدفّقت بنادق «أي كي 47» الرّائجة على المجاهدين الأفغان في حرب 1979-1989 ضدّ السّوفييت. وأصبحت هذه البنادق الهجوميّة - وهي سهلة الصّيانة، وسهلة الاستخدام، وفتّاكة، ومُصنّعة على نطاق أوسع من أيّ بندقيّة أخرى في التّاريخ - رمزاً للتمرّد في كلّ مكان. لكنّها، مع ذلك، سلاح متواضع. والإرهابيّون الذين يتقدّمون للأمام يُبادلونها بأسلحة أغلى. يقول فردوس إنّ دعاية «طالبان باكستان» و«الدّولة الإسلاميّة» تُظهِر «توجّهاً عامّاً نحو الاستبدال التّدريجيّ لبنادق الكلاشينكوف بأسلحة حلف شمال الأطلسيّ». يظهر المتشدّدون «مسلّحين ببنادق قنص «إم 24»، وبنادق «إم 4» مصحوبة بنطاقات «ترجيكون أي سي أوه جي»، وبنادق «إم 16 أي 4» بنطاقات حراريّة، ورشّاشات «إم 249»، وبنادق «أي إم دي 65»، وبنادق «إم 4 أي 1»، وبنادق هجوميّة «إم 16 أي 2» / «أي 4»».

بفضل السّخاء الأمريكيّ وشبكات التّهريب التّابعة لـ«طالبان»، تذهب هذه الأسلحة إلى كلّ مكان. ويقول خبراء إنّ الطّرق نفسها التي تعرض المخدرات، والدُّرَر، والممنوعات الأخرى المتنوّعة تنقل أسلحة إلى إرهابيّين إسلاميّين مثل «حركة الشباب» في أفريقيا جنوب الصّحراء والجماعات التّابعة لتنظيم «الدّولة الإسلاميّة» في الفلبين، وتايلاند، وماليزيا، وسريلانك. وبصرف النّظر عن أفغانستان، حيث انتهى التّمرّد بالنّصر في آب (أغسطس) 2021، يرتفع عدد القتلى في الهجمات الإرهابيّة، وفقاً لـ«مؤشر الإرهاب العالميّ». إنّ «طالبان»، التي موّلت حربها بالمخدرات والممنوعات الأخرى، تواصل جني أرباح الموت.

ويقول خبراء إنّ الطّرق نفسها التي تعرض المخدرات، والدُّرَر، والممنوعات الأخرى المتنوّعة تنقل أسلحة إلى إرهابيّين إسلاميّين مثل «حركة الشباب» في أفريقيا

والسّخاء الأمريكي الذي خلق أرباح «طالبان» في المقام الأوّل كان مذهلاً. فقد قدّرت وزارة الدّفاع الأمريكيّة أنّ مخزونات الأسلحة والمركبات المتروكة تصل قيمتها إلى 7.12 مليار دولار - من أصل 18.6 مليار دولار أُنفقت منذ عام 2002 على تسليح قوات الأمن الأفغانيّة. «وشمل ذلك ما يقرب من 600 ألف سلاح من جميع المستويات، وما يقرب من 300 طائرة ذات أجنحة ثابتة وذات أجنحة دوارة، وأكثر من 80 ألف مركبة من عدة طُرُز، ومعدّات اتصالات، وغيرها من العتاد المتقدّم مثل نظارات الرؤية الليليّة وأنظمة القياسات الحيويّة»، وفقاً لـ«مكتب المفتش العامّ الأمريكيّ لإعادة إعمار أفغانستان». وبعد الانسحاب العسكريّ في صيف عام 2021، نقل «مكتب المفتش العامّ الأمريكيّ لإعادة إعمار أفغانستان» عن مسؤول في «طالبان» قوله «إنّ الجماعة استحوذت على أكثر من 300 ألف قطعة سلاح خفيف، و26 ألف قطعة سلاح ثقيل، ونحو 61 ألف مركبة عسكرية». هذا بالإضافة إلى ما كان لدى «طالبان» بالفعل.

كان من الممكن توقُّع الكثير من هذا. فقد استخدمت «طالبان» المعدّات الأمريكية لأعوام قبل انهيار الجمهوريّة، حيث باعتها لها قوّات أفغانيّة فاسدة، أو مُفقَرة، أو مُحبَطة. ولم يعرف «البنتاغون» قطّ أماكن ذهاب الأسلحة بالضّبط.

يقول جوستين فليشنر، خبير الحرب والأسلحة ورئيس الأبحاث في «منظّمة مراقبة السّلام الأفغانيّة»، لـ«فورين بوليسي»: «ربما يكون ما حدث في أفغانستان هو أكبر حالة «تحويل سلاح» في التّاريخ الحديث، بالنّظر إلى الكميّات الهائلة من الأسلحة والذخيرة التي تلقّتها طالبان». ويضيف: «كان هناك نظام أمكن بواسطته معرفة ما الذي دخل أفغانستان، بالطّبع، لكن ليس هناك سجلّ بما استُخدم، وما كُسِر، وما فُقد، وما لزم إصلاحه، وما كان في الخدمة، وما كان خارج الخدمة. وقد حدثت عمليّة التّحويل هذه طيلة المشاركة الأمريكيّة في أفغانستان».

الأسلحة ستستمر في التدفّق

ووجدت الأبحاث التي أجرتها «منظّمة مراقبة السّلام الأفغانيّة» و«منظّمة مسح الأسلحة الصّغيرة» أنّ أسواق الأسلحة تنتشر في جنوب وشرق أفغانستان وفي باكستان المجاورة، وتقدّم أسلحة ومعدّات من ساحة المعركة الأفغانيّة. وتنتج المصانع السّرّيّة بنادق مزيفة، مثل بنادق «أي كي 47». ويقول حبيب خان توتخل، مؤسّس «منظّمة مراقبة السّلام الأفغانيّة»، إنّ ورش العمل التي أقيمت بتمويل من الولايات المتّحدة عادت إلى العمل لتصنيع الأسلحة الصّغيرة والأسلحة الخفيفة، حيث تمّت دعوة متخصّصين مدرّبين في الولايات المتّحدة للعمل مع نظام «طالبان». وقد تلاشت جهود نزع سلاح المدنيّين وأنصار «طالبان» المُسرّحين، لأنّه من الصّعب للغاية تتبّعهم، ويعتبر العديد من المقاتلين السّابقين بنادقهم أسلحة خاصّة بهم، وليس أسلحة تملكها الدّولة.

وكما يقول فردوس فإنّ «طالبان» حظرت ظاهريّاً صادرات الأسلحة، بالطّاقة نفسها التي تعاملت بها مع إنتاج الأفيون. وأدّى هذا التّضييق إلى عرض أقل وأسعار أعلى.

ويضيف فردوس: «هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أنّ هذه الأسلحة ستستمر في التدفّق من أفغانستان، ممّا يجعل من الصّعب على الدّول محاربة الجهات الفاعلة غير الحكوميّة».

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

لين أودونيل، فورين بوليسي، 5 تمّوز (يوليو) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية