كيف تنظر أوروبا إلى تغيير ديناميات الجماعات المسلحة في سوريا؟

كيف تنظر أوروبا إلى تغيير ديناميات الجماعات المسلحة في سوريا؟

كيف تنظر أوروبا إلى تغيير ديناميات الجماعات المسلحة في سوريا؟


19/01/2025

مازالت أوروبا تراقب الأوضاع السياسية والعسكرية والإنسانية في سوريا، في ظل سيطرة “هيئة تحرير الشام” على زمام الأمور، وظهور بوادر خلافات بين بعض الفصائل المسلحة، نظراً لتزايد الانقسامات بين مكونات المجتمع السوري على مدار نحو (14) عاما، وذلك برغم سقوط نظام بشار الأسد وإنهاء نحو (55) عاماً من حكم عائلة الأسد لسوريا وتمدد نفوذ إيران ودعمها لهذا النظام.

وقد لفتت دراسة حديثة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والتطرف، بعنوان "ما موقف أوروبا تجاه تغيير ديناميات الجماعات المسلحة في سوريا؟، إلى أن أوروبا تتخوف من إعادة إيران بناء نفوذها من جديد بسوريا، فهي ترفض أن تتحول سوريا لساحة تنافس بين الجماعات المسلحة السنوات المقبلة.

الجماعات المسلحة والقوى السياسية المدعومة من أطراف خارجية وعلاقاتها بأوروبا

وقد عددت الدراسة الجماعات المسلحة والقوى السياسية التي تدعمها أطراف خارجية؛ من بينها الجماعات المدعومة من إيران، مشيرة إلى أن إيران جندت مقاتلين شيعة من الخارج لدعم نظام بشار الأسد وتحديداً بعد 2011، من “حزب الله اللبناني” و”لواء فاطميون الأفغاني” و”لواء زينيبون الباكستاني” و”الحشد الشعبي العراقي”. 

ولكن سقوط النظام السوري السابق، لم يقلل من تخوفات أوروبا حول أن تشكل هذه الفصائل المرتبطة بإيران تهديداً لأمن سوريا والمنطقة، وبالأخص حزب الله الذي ساهم في استعادة نظام الأسد عدة مناطق كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة السنوات الماضية.

لواء فاطميون الأفغاني

هذا إلى جانب الجماعات المدعومة من تركيا، والتي تأسست تحت اسم “الجيش السوري الحر” مع بداية انشقاق قوات عن النظام السوري السابق في 2011. وقد شاركت هذه الفصائل في عملية “ردع العدوان” التي أسقطت نظام الأسد وسيطرت على دمشق وحلب وحمص وحماة في نوفمبر وديسمبر 2024.

هذا وتقلق أوروبي تجاه دعم تركيا لهذه الجماعات، خاصة وأن ممارساتها ترتبط بانتهاكات حقوق الإنسان، إذ قُتل (101) شخص خلال 4 و5 يناير 2025، في اشتباكات بين فصائل موالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية في ريف منبج شمال سوريا، وشنت هذه الفصائل هجوماً ضد القوات الكردية، سيطرت خلاله على منطقة تل رفعت ومدينة منبج.

 

أوروبا تتعامل مع الوضعين السياسي والعسكري بسوريا وفقاً لعدة أطر وسياسات تتضمن مكافحة التطرف واستعادة الاستقرار وإعادة اللاجئين

 

وجماعة الأكراد، وقد تأسست قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الجناح العسكري للأكراد في 2015، وضمت مقاتلين أكراد وعرب وسريان وتركمان بجناحيها “قوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة”، وتتواجد في مناطق شمال شرقي سوريا. تشكلت بهدف دعم قوات التحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم “داعش”.

بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، بقيت قسد في الحسكة والرقة ودير الزور وريف حلب، مع تعرضها لهجمات متكررة من فصائل موالية لتركيا. تعتبر أنقرة قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة إرهابية.

كما نجد المعارضة المعتدلة، إذ يعد “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” التحالف الأكبر الممثل لقوى المعارضة السورية منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، ويضم (12) تياراً ما بين تيارات كردية وتيارات إسلامية وأخرى آشورية وممثلين عن الشمال السوري والعشائر العربية وتيارات مستقلة. حظيت بعض هذه التيارات بدعم أوروبا لفترات في بداية الصراع السوري. مثل هذا الائتلاف المعارضة المعتدلة في مباحثات جنيف لتشكيل اللجنة الدستورية.

توافقت رؤية المعارضة المعتدلة مع دول الاتحاد الأوروبي بعد سقوط الأسد، حول تطبيق القرار الأممي (2254) الصادر في 2015 وينص على إطلاق العملية السياسة عبر الأمم المتحدة وإرساء سلطة ذي مصداقية خلال (6) أشهر تضم جميع الأطراف وألا تقوم على الطائفية.

موقف أوروبا تجاه تغيير ديناميات الجماعات المسلحة في سوريا

الدراسة لفتت إلى أن أوروبا تتعامل مع الوضعين السياسي والعسكري بسوريا وفقاً لعدة أطر وسياسات، تتضمن مكافحة التطرف واستعادة الاستقرار وإعادة اللاجئين. 

 

أوروبا تتفق مع واشنطن على أن تقييم هيئة تحرير الشام، سيحدد وفقاً لأفعالها من حماية المدنيين والأقليات وتنفيذ انتقال سلمي للسلطة

 

ويتسم موقفها بالتعقيد والتشابك، لرغبتها في ضمان وضع أسس للمرحلة الانتقالية ومشاركة جميع المكونات السورية، وعدم تعارض هذه المسائل مع بعض الأطراف الإقليمية ذات الصلة بالأزمة السورية الراهنة مثل تركيا، خاصة في ظل علاقاتها مع بعض الفصائل المسلحة وخلافاتها مع الأكراد.

موقف الإدارة السورية الجديدة من التعاون الدولي لحفظ الأمن

ورغم خسارة داعش لأراضيه في آذار / مارس 2019، فإن التحذيرات الأوروبية تعالت بشأن مضاعفة عدد الهجمات الإرهابية بسوريا، بحسب ما أكدته الدراسة، حيث نفذ داعش من (8-21 ديسمبر 2024) نحو (7) هجمات أسفرت عن (72) قتيلاً بين مدنيين وعسكريين. فيما تتعاون أوروبا مع الولايات المتحدة بشأن انتقال سياسي سلس بسوريا، ومكافحة الإرهاب والحد من النفوذ الإيراني، إذ تمتلك الأخيرة (900) جندي بسوريا متواجدين بالشمال الشرقي، حيث توجد مخيمات وسجون تضم عناصر داعش وعائلاتهم.

ولفت المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارت، إلى أن أوروبا تتفق مع واشنطن، على أن تقييم هيئة تحرير الشام، سيحدد وفقاً لأفعالها من حماية المدنيين والأقليات وتنفيذ انتقال سلمي للسلطة، ما يحدد مسألة رفع العقوبات عن سوريا، وإعادة النظر في حظر الهيئة كمنظمة إرهابية. 

وقد أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، في 10 كانون الثاني / يناير الحالي، وخلال لقائه مع الإدارة الجديدة، على أهمية منع الهجرة غير الشرعية ومكافحة تهريب المخدرات. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في 27 كانون الثاني / يناير 2025 سيبحث تخفيف العقوبات على سوريا

تعامل الإدارة السورية الجديدة مع ملف حقوق الإنسان

إلى ذلك، حذر مراقبون لحقوق الإنسان من انتهاكات من قبل عناصر تابعة للنظام السابق والفصائل المسلحة التي تسيطر حالياً على الحكم، ووضع الاتحاد الأوروبي في 16 كانون الأول / ديسمبر 2024، لائحة مطالب للإدارة السورية الجديدة، وهي تمثيل جميع الأقليات بالحكومة واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة ورفض الإرهاب ومكافحة داعش. 

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك خلال زيارة لسجن صيدنايا السوري (أ.ب)

وأكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال لقائها مع قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع أن أوروبا لن تمول هيئات إسلامية، وأن حقوق المرأة مقياس لتحقيق تقدم في مجال حقوق الإنسان، خاصة وأن مدنا بالساحل السوري سجلت حالات تصفية عشوائية لمدنيين.

تعامل الإدارة السورية الجديدة مع إعادة الإعمار والاستقرار

الدراسة أكدت أيضا أن أوروبا ترى أن الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، يتطلب إنهاء حالة الفراغ السياسي وتفكيك الجماعات المسلحة، مشيرة إلى أنه في 24 كانون الأول / ديسمبر 2024 تعهدت الإدارة الجديدة بحل جميع الفصائل المسلحة وإتلاف الأسلحة الكيميائية و أن يقتصر حمل السلاح على الدولة فقط. 

وفي 29 كانون الأول / ديسمبر 2024 قال أحمد الشرع إن عملية إجراء الانتخابات قد تستغرق (4) سنوات ووضع دستور جديد يتطلب (3) سنوات، مؤكداً أن المحاصصة ستدمر العملية الانتقالية وأنه سيتم حل هيئة تحرير الشام وإعادة هيكلة الجيش السوري.

 

أوروبا ترى أن الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار يتطلب إنهاء حالة الفراغ السياسي وتفكيك الجماعات المسلحة

 

هذا وتنتظر سوريا إجراء حوار وطني لوضع أسس المرحلة الانتقالية، ففي 7 كانون الثاني / يناير الحالي، أعلنت الإدارة الجديدة التريث في تحديد موعد المؤتمر لتشكيل لجنة تحضيرية له، ومن المتوقع أن يضم المؤتمر جميع مكونات المجتمع السوري لتشكيل لجنة لصياغة الدستور واختيار الحكومة الانتقالية، خاصة وأن حكومة محمد البشير تقتصر على أسماء من هيئة تحرير الشام، الأمر الذي أقر به أحمد الشرع. 

موقف الإدارة السورية الجديدة من الأزمة الإنسانية الراهنة

يُذكر أن سوريا تعاني من وضع إنساني متدهور، حيث سجلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (4.8) مليون لاجئ وطالب لجوء سوري في تشرين الثاني / نوفمبر 2024، وتوقعت عودة مليون لاجئ بحلول يونيو 2025.  نزح ما بين (800) ألف ومليون شخص في مناطق مختلفة، خلال المواجهات بين الفصائل المسلحة وقوات النظام السابق.

كما قدرت الأمم المتحدة أن (16.7) مليون شخص بحاجة لمساعدات إنسانية، لتضرر البنية التحتية كالمدارس والمستشفيات، وارتفاع التضخم الغذائي، ما يتطلب (4.1)  مليار دولار ، وتلقت المنظمة الأممية (28%) فقط من هذا المبلغ. فتح الاتحاد الأوروبي في 13 كانون الأول / ديسمبر 2024، جسراً جوياً لإيصال مساعدات إنسانية عاجلة لسكان سوريا، وفي 31 كانون الأول / ديسمبر 2024 وصل (50) طناً من المساعدات الأوروبية لسوريا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية