كيف تنتهي معضلة سلاح حزب الله المستعصية؟

كيف تنتهي معضلة سلاح حزب الله المستعصية؟

كيف تنتهي معضلة سلاح حزب الله المستعصية؟


01/05/2023

يُعتبر حزب الله أكبر تهديد للسيادة اللبنانية، وتشكّل ترسانته العسكرية خطراً كبيراً على اللبنانيين، فقد عززت من عزلتهم الدولية ومحيطهم العربي؛ ممّا تسبب بشكل أو بآخر بالأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد، وهي الأسوأ في تاريخ لبنان.

وقد خصص مركز الإمارات للسياسات دراسة تتناول الأزمة السياسية في لبنان، وتأثير سلاح حزب الله في المعادلة السياسية والأزمات التي عصفت بالبلد.

وقالت الدراسة التي نشرها المركز عبر موقعه الإلكتروني: إنّ سلاح حزب الله أحدث خللاً أساسياً في موازين القوى السياسية الداخلية في لبنان، كما شكّل منذ عام 2006 مسألة مستعصية على الحل لبنانياً، في ظل اعتبار الحزب رأس حربة للحرس الثوري الإيراني، وتحديداً لفيلق القدس الذي تتركز مهمته في تأمين الهيمنة الإيرانية على لبنان ودول عربية أخرى.

وأكدت الدراسة أنّ طاولة حوار وطني من أجل البحث في حل مسألة سلاح حزب الله انعقدت في مناسبتين مختلفتين؛ كانت أولاهما بين شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو) عام 2006 برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وحضرها أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الذي قدّم مطالعة طويلة حول أولوية دور المقاومة في الدفاع عن لبنان، ومواجهة أيّ عدوان إسرائيلي دون أيّ تعقيدات سياسية أو إدارية، وهو أمر لا يتوافر للدولة وفق وجهة نظره.

يُعتبر حزب الله أكبر تهديد للسيادة اللبنانية

وخلص نصر الله للقول: "إنّ الجيش يلزمه عديد وعدة وتجهيزات دفاعية تكلف الدولة غالياً، وإذا توفرت القدرة المالية، فإنّ أحداً في العالم لن يمنحنا السلام اللازم لمواجهة إسرائيل"، مضيفاً: "لا يمكن تحقيق التوازن مع العدو إلّا من خلال قوة شعبية، بحيث لا تتحمل الدولة مسؤولية أيّ أداء شعبي مقاوم".

وحصلت بعد هذه المطالعة حرب 2006 التي انتهت بصدور القرار الدولي (1701)، الذي استند بدوره إلى القرار (1559) الذي يُطالب بنزع سلاح حزب الله، وأيّ سلاح غير لبناني آخر. وقد قَبِلَ الحزب القرار (1701) لكنّه لم يتخلَّ عن سلاحه، وانعقدت طاولة الحوار ثانية في عهد الرئيس ميشال سليمان في قصر بعبدا، لكنّها لم تحقق أيّ نتائج إيجابية، سواء لتحييد لبنان أو لوضع استراتيجية دفاعية تسمح للدولة باستعادة سيادتها، وتحصر السلاح فقط بالجيش اللبناني والقوات الأمنية.

سلاح حزب الله أحدث خللاً أساسياً في موازين القوى السياسية الداخلية في لبنان، كما شكّل منذ عام 2006 مسألة مستعصية على الحل لبنانياً

وكان الموقف الدائم لحزب الله هو أنّ المقاومة تتمسك بسلاحها إلى حين انتهاء الصراع العربي-الإسرائيلي، وأنّه لن ينتهي دور المقاومة إلا بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وأنّ تحريرها بالطرق الدبلوماسية وفق منطق الدولة لن يؤدي إلى تخلي الحزب عن سلاحه.

وكانت هناك محاولة ثانية من قبل الرئيس ميشال سليمان، حيث انعقدت طاولة حوار للدعوة لحياد لبنان (أو تحييده عن صراعات المنطقة)، وصدر عنها "إعلان بعبدا" الذي وقَّعه جميع المشاركين، بمن فيهم حزب الله، لكنّه عاد وتراجع عنه تمهيداً للتدخل في الصراع السوري، الذي ما يزال غارقاً في وحوله إلى اليوم، بالإضافة إلى تدخله في الحرب اليمنية، وفي العراق.

ووفقاً لدراسة المركز، فقد فشل الحوار الوطني الذي جرى في مجلس النواب عام 2006، والحوار الذي جرى في قصر بعبدا عام 2012، في إقناع حزب الله بأنّه لم يعد هناك مسوِّغ للتمسُّك بسلاحه، وبأنّه بات من الممكن العودة إلى اتفاقية الهدنة مع إسرائيل لعام 1948، ومن ثمّ العمل دبلوماسياً من أجل حلّ كل المسائل العالقة، على غرار ما جرى في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، والتي تم التوافق عليها برعاية أمريكية، وبرضا حزب الله.

فشل الحوار الوطني الذي جرى في مجلس النواب عام 2006، والحوار الذي جرى في قصر بعبدا عام 2012، في إقناع حزب الله بأنّه لم يعد هناك مسوِّغ للتمسُّك بسلاحه

وعلى العكس من كل هذه الجهود، فقد عاد حزب الله مع سلاحه إلى الداخل اللبناني ليمارس كل أنواع الضغوط السياسية والعسكرية، والتي ترجمها باحتلال وسط بيروت التجاري، ثم احتلال مدينة بيروت وجزء من جبل لبنان الجنوبي، وكذلك عبر تأخير تشكيل الحكومات وتعطيل عملها، وإسقاطها، كما ذهب إلى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في (3) استحقاقات متتالية، وسيطر على الحدود لتسهيل تدخله الكثيف والمباشر في الحرب داخل سوريا بوصفه قوة أساسية من قوى التدخل الإيراني للسيطرة والهيمنة على بلاد الشام، بما في ذلك العراق وسوريا ولبنان، وهو مستمر اليوم في أداء هذا الدور، على الرغم من كل المتغيرات التي طرأت على المشهدين الإقليمي والداخلي، وفق الدراسة.

سياسات حزب الله ساهمت في انهيار لبنان، سياسياً واقتصادياً ومالياً، وأدى ذلك إلى ضائقة حياتية شملت البيئة الحاضنة له

 وأكدت الدراسة أنّ الدور الذي مارسه حزب الله وأمينه العام، عسكرياً وإعلامياً، في مسار دعم إيران ومؤازرتها في سياساتها الإقليمية السلبية، وتدخلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيّما في مواجهتها مع المملكة العربية السعودية، تَسبَّب بأضرار كبيرة للبنان، نَتَجَ عنها تضرُّر حركة السياحة والاصطياف للرعايا العرب تضرراً جسيماً، بالإضافة إلى وقف كل المساعدات والاستثمارات الخليجية في لبنان.

حزب الله دعم مسار إيران، وتدخلاتها في المنطقة، وتَسبَّب بأضرار كبيرة للبنان، نَتَجَ عنها تضرُّر حركة السياحة، بالإضافة إلى وقف كل المساعدات والاستثمارات الخليجية

وتابعت الدراسة أنّ حزب الله وحلفاءه (حركة أمل، وقوى 8 آذار) نجح للمرة الثالثة في تعطيل الاستحقاق الرئاسي، من خلال إصرار الحزب على وصول حليفه سليمان فرنجية إلى سدة منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية، وذلك رغم فشله في انتخابات أيار (مايو) 2022 في الحصول على الأكثرية النيابية التي كانت له في المجلس النيابي السابق الذي انتخب عام 2018.

وأوضحت الدراسة أنّ سياسات حزب الله ساهمت في انهيار لبنان، سياسياً واقتصادياً ومالياً، وأدى ذلك إلى ضائقة حياتية شملت البيئة الحاضنة له. ولم ينجح الحزب من خلال استعماله قدراته المالية، التي يحصل عليها من مصادر متنوعة من إيران ومن داخل لبنان وخارجه، في تخفيف مفاعيل الأزمة المعيشية على بيئته.

ويَتعرَّض حزب الله حالياً لمجموعة واسعة من الضغوط المتنوعة، لم يسبق أن واجه مثلها منذ تأسيسه، تتلخص في الضغوط الداخلية عليه؛ بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي أصابت الناس في بيئته، بالتوازي مع تراجع موارد الحزب المالية، هذا إلى جانب الضغوط المالية، والأمنية، والسياسية، التي يتعرض لها الراعي الإقليمي للحزب (إيران)، داخلياً ودولياً، بالإضافة إلى استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، وتأثيرها سلباً في حجم المساعدات والتدفقات المالية باتجاه حزب الله.

 حزب الله يَتعرَّض حالياً لمجموعة واسعة من الضغوط المتنوعة، تتلخص في الضغوط الداخلية عليه بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية وتراجع موارد الحزب المالية

ومن الضغوط أيضاً، وفق ما أكدت دراسة مركز الإمارات للسياسات، إجماع المعارضة اللبنانية بكل أحزابها وتياراتها على إدانة مواقف الحزب، مع المطالبة باستعادة السيادة ونزع سلاحه، وقد أدى هذا إلى فقدان حزب الله الكثير من شعبيته.

وبيّنت الدراسة أنّه من المتوقع أن تستمر المعارضة اللبنانية في حركتها وخطابها من أجل استرجاع السيادة الوطنية اللبنانية، حيث ستعمد إلى توسيع المعارضة الشعبية لحزب الله، والحؤول بكل الوسائل المتاحة لمنع وصول رئيس جمهورية خاضع لنفوذ الحزب وحلفائه.

كما ستكثف اتصالاتها مع الدول العربية، وعواصم القرار الإقليمي والدولي، والمؤسسات الدولية، لممارسة أعلى درجات الضغط على الحزب، وعلى رعاته الإقليميين لإجبارهم على تغيير سلوكهم وسياستهم تجاه لبنان، وخلق "الفرصة الدولية المواتية" لنزع سلاح حزب الله سلمياً، أو عبر إحياء النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية، وإعادة بناء الجيش، بوصفها خياراً سبق طرحه، ويمكن بناء توافق داخلي وخارجي حوله.

من المتوقع أن تستمر المعارضة في حركتها من أجل استرجاع السيادة الوطنية، عبر توسيع المعارضة الشعبية لحزب الله، والحؤول لمنع وصول رئيس جمهورية خاضع لنفوذه

وشددت الدراسة على أنّه لا بدّ أن تتبنّى الدولة اللبنانية سياسة واضحة لاستعمال كامل القدرات الوطنية المتاحة لتأمين الدفاع عن الوطن ومصالحه العليا، وتحقيق السيادة الوطنية كاملة وغير منقوصة. وتتطلب هذه المهمة الوطنية الكبرى امتلاك القدرات العسكرية اللازمة لمواجهة كل أشكال التهديدات الخارجية والداخلية، ومن أبرزها التهديد الإسرائيلي.

واختتم المركز دراسته باستنتاج أنّه تتطلب عملية حل مشكلة حزب الله، وبناء الجيش الوطني، توافقاً داخلياً عريضاً، ودعماً عربياً ودولياً. ومن الضروري العمل بالتوازي على تكثيف الجهود من أجل تأمين "اللحظة الدولية" المواتية لإجبار حزب الله على التخلي عن سلاحه، هذا بالإضافة إلى أنّ تشكّل إرادة اللبنانيين والوفاق فيما بينهم سيظلان دوماً الرافعة الأساسية لاستعادة السيادة الوطنية وبناء الدولة، لكن لا بدّ أن يترافق ذلك مع جهد دولي لإجبار إيران وحزب الله على تغيير سلوكياتهما الضارة.

مواضيع ذات صلة:

حزب الله في مأزق... حملة دولية جادّة تلاحق ممولّيه.. ما الجديد؟

لبنان: تفاهم "مار مخايل" بين حزب الله والتيار الوطني على المحك

هل تطيح الثورة الإيرانية بحزب الله اللبناني؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية