كيف تكسب مؤسسات المجتمع المدني معركتها مع التطرف؟

كيف تكسب مؤسسات المجتمع المدني معركتها مع التطرف؟

كيف تكسب مؤسسات المجتمع المدني معركتها مع التطرف؟


20/09/2023

يمر المجتمع العربي بمرحلة انتقالية شديدة الوعورة، فبعد التخلص من الجماعات المتطرفة عبر المواجهة الأمنية، وتضاؤل تأثيرها المخرب في بنية الدول العربية، ظن البعض أنّ هذه نهاية الرحلة مع هذه المحنة، وتفاءل آخرون بأنّنا في طريقنا لبناء مجتمع مدني يؤمن بالحرية المنضبطة والمساواة والعدالة الاجتماعية، ثم اكتشف الخبراء أنّ ثمة ممانعات أعاقت التحول التام إلى الدولة المدنية، ومنعت نشر قيم التسامح والتعايش الفكري والإنساني مع الآخر، تمثلت هذه الممانعات في بقايا أفكار الإرهابيين المبثوثة في المجتمع، التي وللأسف آمن بها كثيرون، مما يدعونا للبدء فوراً في اجتثاث تلك الأفكار من وعي ووجدان الشعوب العربية الإسلامية في حملة شاملة، حتى لا يسقط شباب المستقبل في براثنها.

اقرأ أيضاً: جنان الجابري: منظمات المجتمع المدني للإسلام السياسي قناع لخدمة الأيديولوجيا

تكمن قوة الجماعات المتطرفة والإرهابية في القدرة على تجنيد الأطفال والمراهقين والشباب والنساء، وغرس أفكارهم في عقولهم، وحسب دراسة تابعة للأمم المتحدة فإنّ أعداد المنتمين للجماعات الإرهابية والمتطرفة من الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 سنة، هذه الأعداد بما تحوزه من طاقة ساعدهم على الانتشار، ومع الانتشار يسهل تزييف الوعي، وتحويل منظومتهم الفكرية المتطرفة إلى نسق وثقافة وفكر ومنظور، تتشكل منه مواقف المؤمنين به وتصوراتهم وممارساتهم السلبية والخطيرة تجاه مجتمعاتهم أو العالم الخارجي، وممارسة العنف لفرض أفكارهم بالقوة، والتحول لأسلوب حياة، فيستخدمهم السياسيون للهروب من واقع مشكلاتهم التي لا يجدون لها حلاً، يستخدمها التيار الديني المتعصب ليحمي تنظيماته من التفكك.

 ويعود بقاء هذه الأفكار حية في عقول الشباب، إلى العشوائية في المواجهة الفكرية، وضمور الفئة المنوط بها القيام بتلك المهمة، والتركيز على الشق الأمني دون الشق الفكري، وعدم الاشتباك الجاد مع بعض قضايا تتماسّ مع الخطاب الديني الرسمي خوفاً من ردة فعل المجتمع غير الملمّ بطبيعة المواجهة ومتطلباتها.

مواجهة خطاب الجماعات المتطرفة وأساليب تجنيدهم ليست سهلة وأحد أهم تحديات المجتمعات العربية في الوقت الراهن

إنّ مواجهة خطاب الجماعات المتطرفة وأساليب تجنيدهم ليست سهلة، بل هي أحد أهم تحديات المجتمعات العربية في الوقت الراهن، ويقع العبء الأكبر على مؤسسات المجتمع في مكافحة كل أشكال التطرف والتشدد، مثل الأسرة والمؤسسة التعليمية والتربوية التي تتضمن رياض الأطفال والمدرسة والجامعة، وكذلك مؤسسات الإعلام من قنوات وصحف ومجلات، وكذلك النقابات والأحزاب والجمعيات الأهلية، بما تملكه من مسارات ثقافية إنسانية، وقدرتها على تفعيل مشاركة عدد أكبر من المواطنين في معركة الوعي ضد التطرف بشكل أعمق، مع خلق علاقة متوازنة بين مكونات المجتمع أساسها التقبل والاحترام المتبادل وعدم الوصاية.

اقرأ أيضاً: منظمات المجتمع المدني في اليمن توجه رسالة إلى المجتمع الدولي.. ما هي؟

لكن يجب أولاً إدراك ديناميكية عمل الأفكار المتطرفة، ثم وضع خطة لتفكيك تلك الأفكار ومكافحتها، فتلك الأفكار تعمل بصورة متدرجة تراكمية، تبدأ وكأنّها متماشية مع الدين الإسلامي، ورويداً رويداً تبدأ تنفصل عن سمت الإسلام الوسطي إلى التزمت ودعوة للتمسك بالدين بقوة ثم تنتشر أفكار التشدد بمنع المباحات بزعم أنها باب للمحرمات.

ثم تأتي مرحلة التطرف وقد تم التمهيد لها بالتشدد والتزمت، وتتمثل في اختيار الآراء الفقهية التي توسعت في التحريم، مما ينتج مواقف حادة وعنيفة غير متسامحة تفتقد الى روح إنسانية، تتسم بازدراء الآخر وعدم تقبله، مع نشر روح الكراهية مقابل التسامح، والعداء مقابل المحبة، والإقصاء مقابل التعايش.

اقرأ أيضاً: تركيا المهددة بقوائم سوداء تخنق المجتمع المدني

حتى مفهوم الآخر ناله تغيير شديد القتامة، فتم تعريفه بأنّه المغاير للعقيدة، ثم توسعوا فضموا غير المتشدد في أمور الدين، ثم توسعوا أكثر وضموا غير المنتمي للجماعة المتطرفة، كل هذا يساهم في تجهيز المجتمع لقبول العنف كوسيلة لحل الخلافات، فتنتشر التفجيرات وأعمال التخريب والعنف ومن ثم وقوع ضحايا، وتدمير البنية التحتية وإعاقة مشاريع التنمية وضياع مستقبل شباب المجتمع المتورطين مع تلك الجماعات، هنا يجني المجتمع ثمرة إهماله في مواجهة المتطرفين.

حاولت مؤسسات المجتمع المدني مواجهة فكر الإرهاب والتطرف لكن النتائج لم تكن على المستوى المطلوب

تعددت وسائل نشر خطاب التطرف وأفكار التعصب ورفض الآخر، فقديماً كانت الجرائد والمجلات والمنابر المسجدية هي المنافذ المتاحة للتواصل مع الجماهير، واليوم ومع تقدم التكنولوجيا سهلت الأمر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ووسائل الاتصال الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات التناظرية بالهواتف الذكية بتلاقي أصحاب الفكر المتعصب والمتطرفين رغم البعد الجغرافي بينهم، ووفرت لهم الحماية والتستر وراء أسماء وهمية، ونفذوا إلى الناشئة مستهدفين وعيهم؛ فبثوا خطاب الكراهية ونشروا ثقافة التعصب والتطرف، وحشدوا وجندوا دون الخوف من الرقابة الحكومية والقانونية، لتأجيج العداوة بين مكونات النسيح الوطني.

حاولت مؤسسات المجتمع المدني في كثير من الأقطار العربية مواجهة فكر الإرهاب والتطرف، لكن النتائج لم تكن على المستوى المطلوب؛ فقد عملت تلك المؤسسات في إطار دورها الوظيفي التقليدي الذي لم يتجاوز أن يكون رد فعل للإسلامويين والمتطرفين، وكي ننجح في معركتنا ضد الإرهاب علينا أن نغير من استراتيجية المواجهة، بامتلاك مؤسسات المجتمعي المدني زمام المبادرة، والبدء بتغيير البيئة الفكرية التي جعلت بعض المجتمعات حاضنة للفكر المتطرف تحميه وتغذيه، وذلك بوقف الخطاب الشعبي الذي لا يقبل الآخر، وتقديم خطاب يحترم قيم التسامح ويحث عليها، وإعلاء قيم الإنسانية، وعلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة الاهتمام بالحوار، والعمل على إزالة الخلاف وتقريب وجهات النظر، وقبول النقد والتوجيه واحترام الكبير، ومراعاة الضعيف والصغير، وضخ المزيد من الرسائل الإيجابية الداعية إلى السلام ونشر قيم الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر.

لننجح في معركتنا ضد الإرهاب علينا تغيير استراتيجية المواجهة بامتلاك مؤسسات المجتمعي المدني زمام المبادرة

أما المدرسة فعلى التربويين تنقية المناهج الدراسية من قصص الانتصار بالقوة والانتصار للقبيلة، إلى قصص الانتصار للإنسان وللخير، والحق في الحياة بحرية، وكذلك الابتعاد عن التوجيهات التربوية التي تتعامل مع التمييز بأريحية وتقدس السلطة وتنزهها عن الأخطاء، مثل سلطة المعلم الذي يملك الحق المطلق وهو المرجع للصواب، أو سلطة المدير الذي لا تناقش تعليماته، ويحتاج المجتمع من التربويين وضع مناهج ترسخ قيم التعايش مع الاختلاف، وتعليم الطلاب التفكير النقدي مع التخلص من أسلوب التلقين في التعليم، فكلما تعلم الطالب في أجواء حرة ولديه مساحة من النقد والتفكير النقدي، كان أبعد من أن يقع فريسة للتنظيمات الإرهابية وأفكارهم، مع توفير المناخ لرفع مستوى الوعي من خلال برامج اجتماعية تثقيفية تكشف أضرار السماح لأفكار التمييز والتعصب بالتوغل في المجتمع، والتأثير في اتجاهات الرأي العام عبر العمل الثقافي والإعلامي.

على المؤسسة الدينية الرسمية تجديد الخطاب الديني لتفكيك خطاب التعصّب والكراهية، وإحلال خطاب ورؤى دينية تحترم قيم التعايش السلمي بين الشعوب والأمم بكل اختلافاتهم الدينية والمذهبية والعرقية والثقافية واللغوية، ودون تمييز، ويمكن للمجتمع المدني هنا أن يكون شريكاً لدعم هذه المبادرات، وتوفير أطر للحوار والنقاش والنشر، تفكيك نموذج المسلم المتزمت، ونشر نموذج المسلم المحافظ، التوقف عن التفسيرات المجحفة، الدعوة إلى التفكير المستقبلي لا التفكير الماضوي، وتجديد التفكير الديني، ورفع الإصر من على المسلمين في المصالح المرسلة، حتى لا يشعروا بالذنب، ويكون التكفير عنه بالالتحاق بالجماعات الإسلاموية المتشددة التي تسحبهم إلى التطرف والإرهاب.

اقرأ أيضاً: منظمات المجتمع المدني وأحصنة طروادة

ضرورة تأهيل المجتمع للتعامل برشد مع مواقع التواصل الإجتماعي، الوطني وترسيخ أهمية التعامل الحذر معها، مع التدريب على الطرائق الصحيحة في استخدامها، فالتجربة النفسية التي يتخللها نزاع وتبادل أحاديث عنيفة دون الوصول الى تسوية وحل لا يمكن أن تكون تجربة مفيدة وصحية.

إن حماية النشء من السقوط في براثن فكر الجماعات مسؤولية كبرى لا تقل عن أهمية معركة التحرير من المستعمر، والتخلص من التنظيمات السرية، هذه الحماية لا تحتاج إلى تمويل بقدر حاجتها إلى إرادة قوية من النخبة المستنيرة لخوض معركتها ضد قوى الظلام مهما كان الثمن.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية