كيف تساعد وسائل التواصل الاجتماعي الجماعات الإرهابية والمتطرفة؟

كيف تساعد وسائل التواصل الاجتماعي الجماعات الإرهابية والمتطرفة؟

كيف تساعد وسائل التواصل الاجتماعي الجماعات الإرهابية والمتطرفة؟


19/03/2023

أفاد تقرير حديث أن موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يقوم تلقائياً بإنشاء صفحات للمنظمات الإرهابية؛ بما في ذلك “داعش” و”القاعدة”. ووفقاً للتقرير الصادر عن مشروع الشفافية التقنية (TTP)، فإن الموقع يقوم -دون قصد في ما يشبه الخلل البرمجي (الشذوذ البرمجي)- بإنشاء مثل تلك الصفحات عندما يقوم المستخدمون بإدراج أسماء الجماعات الإرهابية في ملفاتهم الشخصية؛ مثل المهنة أو الاهتمامات أو الأماكن.

لطالما وفرت منصات التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و”تويتر”، طُرقاً غير مسبوقة للجماعات الإرهابية للتواصل مع المجندين والداعمين المُحتملين. ولسنوات، تمكَّنت الجماعات الإرهابية من استغلال منصات التواصل الاجتماعي تلك لنشر أيديولوجيتها، والتواصل مع الأعضاء والمتعاطفين معها؛ بل وحتى التخطيط للهجمات وجمع الأموال. على سبيل المثال، في عام 2014، قال أحد كبار المجندين في “داعش” لموقع “VICE News”: “ما فائدة وسائل التواصل الاجتماعي إذا لم أستخدمها للتجنيد؟”. 

إن تحميل شركات التكنولوجيا العملاقة، التي تملك تلك المنصات، مسؤولية مساعدة المنظمات الإرهابية؛ هو أمر مثير للجدل. فمن ناحية، يُحمِّل البعض شركات التواصل الاجتماعي مسؤولية مراقبة المحتوى الذي يتم نشره على منصاتها، وفلترته بما يجعله آمناً. لكن، من ناحية أخرى، يجادل آخرون، بأن تلك الشركات لا تتحمل -عادةً- المسؤولية القانونية عن إساءة استخدام الجماعات الإرهابية لها. وبغض النظر عن الجدل القانوني، يعتقد البعض أن الدول نفسها تتحمل مسؤولية حماية سكانها بشكل عام، وهو ما يحتِّم عليها مراقبة المحتوى الذي يُحتمل أن يكون إرهابياً، والتعامل معه بالطريقة المناسبة عند الضرورة.

إنشاء الصفحات بطريقة آلية

وفقاً لتحقيقات مشروع الشفافية التقنية، المعني بدراسة مسؤولية شركات التكنولوجيا عن مراقبة الإرهاب عبر الإنترنت، فقد عمل “فيسبوك” على إنشاء صفحات لجماعات إرهابية عن غير قصد. ووفقاً للتحقيقات، عندما يقوم مستخدم ما بإدراج اسم جماعة إرهابية في ملفه الشخصي، وكانت تلك الجماعة لا تمتلك صفحة على “فيسبوك”، فإن المنصة تقوم تلقائياً بإنشاء صفحة لها. على سبيل المثال، إذا قام أحد المستخدمين بتحديد مجال عمله كـ”تنظيم الدولة الإسلامية”، فإن “فيسبوك” يقوم تلقائياً بإنشاء صفحة لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”.

أدى الإنشاء التلقائي للصفحات إلى وجود العديد من الصفحات على “فيسبوك” التي تنشر محتوى ذا صلة بالجماعات الإرهابية؛ مثل صور أشخاص ملثمين ومسلحين، أو أعلام تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية؛ بل تم حتى إنشاء بعض الصفحات التي تُظهر “تنظيم الدولة الإسلامية” على أنه دولة. وحسب التحقيقات التي أجراها المشروع، فإن معظم الصفحات باللغة العربية، ولكن العديد منها باللغة الإنجليزية أيضاً.

ووفقاً لمتحدث رسمي عن “فيسبوك”؛ فإن مثل تلك الصفحات عموماً ذات نشاط محدود، ومع ذلك تمت معالجة المشكلة، وهناك جهود مستمرة لمراجعة المحتوى. في المقابل، حسب تحقيق مشروع الشفافية التقنية، فإن المشكلة لا تزال موجودة، على الأقل حتى أكتوبر من العام الماضي. ومع ذلك، في كل الأحوال، بدأت الجماعات الإرهابية في الاستبدال بنشاطها على “فيسبوك” النشاطَ على المنصات المشفرة مثل “تلغرام”؛ مما يعقِّد إمكانات المراقبة أكثر.

جدل قانوني

لفتت المحكمة الأمريكية العُليا -في فبراير الماضي- النظر إلى الجدل القانوني الكبير في ما يتعلق بالمسؤولية القانونية التي تتحملها شركات التكنولوجيا العملاقة التي تمتلك منصات التواصل الاجتماعي؛ وذلك على إثر دعوى قضائية تحاول تحميل تلك الشركات المسؤولية عن هجوم إرهابي في ملهى ليلي تركي أسفر عن مقتل 39 شخصاً في عام 2017.

ووفقاً لأسرة أحد ضحايا الهجوم الإرهابي، فإن منصات التواصل الاجتماعي “ساعدت وحرضت على الهجوم”؛ لأنها تسهم في نمو تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم. لكن القُضاة، حسب وكالة الأنباء الأمريكية “أسوشييتد برس”، أكدوا خلال المرافعات أنه لا يوجد دليل يربط “تويتر” و”فيسبوك” و”جوجل” مباشرةً بالهجوم.

جادل أحد القضاة بأن الدعوى تحتاج إلى المزيد من الأدلة؛ مثل الرسائل المباشرة والواضحة التي تدل على استخدام المنصة لتنسيق هجوم إرهابي، و”ليس مجرد التجنيد العام أو جعل الأشخاص متطرفين”. إن الحجة الأساسية هي أن العمل التجاري المشروع الذي تقوم به تلك المنصات لا يحملها مسؤولية قانونية عند استغلال أحد المستخدمين الخدمة لأغراض شريرة. على سبيل المثال، وفقاً لأحد القضاة، لا يمكن تحميل شركة الهاتف المسؤولية إذا قام مجرم ما بالاتصال مع مجرمين آخرين من خلالها، ونفذ جريمة ما.

لا شك أن أهم الطرق التي ساعدت بها وسائل التواصل الاجتماعي الجماعات الإرهابية هو توفير إمكانات لزيادة الانتشار والإلهام والتحريض. تسمح تلك المنصات للمجموعات بالتواصل مع الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين قد يتعاطفون مع قضيتها، وتسهل عليها نشر رسالتها بسرعة وسهولة. إن سهولة مشاركة المعلومات تعني -ببساطة- تعرض المزيد من الناس إلى الدعاية الإرهابية أو المتطرفة؛ مما قد يؤدي إلى زيادة التجنيد والدعم المعنوي والمادي لهذه الجماعات. وفي حين أن معظم مواقع التواصل الاجتماعي تعمل فعلاً على الحد من تلك المخاطر؛ إلا أنها لا تزال بحاجة إلى فعل الكثير.

هل يمكن للدول القيام بشيء ما؟

إن مخاطر تسلل الرسائل الإرهابية والمتطرفة إلى المجتمعات باقية ما دام أولئك الأفراد والجماعات قادرين على التواصل باستخدام أحدث التقنيات ووسائل النشر والتواصل. وفي حين أن منعهم من الناحية اللوجستية والتقنية والقانونية قد يتعذر أحياناً، إلا أن لدى الدول بعض الخيارات لحماية شعوبها.

يوجد عدد من الخطوات التي يمكن للبلدان القيام بها لحماية سكانها من نشاط الجماعات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي؛ من أبرزها مراقبة المحتوى وتحديد التهديدات المحتملة والتدخل المدروس والقانوني عند الضرورة. طريقة أخرى هي بث الرسائل المضادة التي تضخِّم الأصوات المعتدلة وترسخ التسامح والاحترام. إضافة إلى ذلك، من المهم تمكين الأفراد من المعارف وبناء المهارات التي يمكن أن تساعدهم على التعامل بشكل نقدي مع المحتوى الذي يطالعونه على الإنترنت بشكل عام، وليس وسائل التواصل الاجتماعي فقط.

من جانب آخر، يمكن للأشخاص العاديين أن يؤدوا دوراً أيضاً من خلال الإبلاغ عن المحتوى الذي يُحتمل أن يكون خطيراً. وهذا يعني أن المجتمع يمكنه أن يكون شريكاً فعَّالاً في حماية نفسه من خطر التطرف. ومن خلال مثل تلك الجهود، يمكن أن تساعد الدول والشركات والمجتمعات على ضمان بقاء وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الإنترنت آمنة، وفي نفس الوقت لا تنتهك الحق في التعبير ومشاركة المعلومات. 

وعلى الرغم من أهمية كل تلك الاستراتيجيات للحفاظ على أمن المجتمع المحلي، ومجتمعنا العالمي بشكل عام؛ فإن الوقاية، كما يُقال دائماً، خيرٌ من العلاج. إذ يجب أن تعمل الدول على تقديم ونشر الروايات البديلة والرسائل المضادة الإيجابية التي تقوض جاذبية الجماعات الإرهابية والأفكار المتطرفة، وأن تتبنى نشاطاً تثقيفياً وتعليمياً مستمراً بأهمية ومهارات النقد البنَّاء، وإعمال العقل، واكتشاف الأخبار المزيفة والدعاية.

عن "كيوبوست"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية