كيف ترسم الانتخابات الموريتانية خارطة سياسية جديدة بالبلاد؟

كيف ترسم الانتخابات الموريتانية خارطة سياسية جديدة بالبلاد؟

كيف ترسم الانتخابات الموريتانية خارطة سياسية جديدة بالبلاد؟


30/05/2023

سجلت جولة الإعادة في الانتخابات التشريعية الموريتانية التي عقدت السبت الماضي، استكمالاً للجولة الأولى في 13 أيار (مايو) الجاري، تقدماً ملحوظاً لحزب "الإنصاف الحاكم" بالبلاد، الذي نجح باقتناص الأغلبية البرلمانية بعد منافسة قوية مع قوى المعارضة، وتشير التوقعات إلى تحولات كبيرة في الخارطة السياسية، ستترتب على الانتخابات التي تُجرى للمرة الأولى بولاية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

وأظهرت نتائج أولية أعلنتها اللجنة المشرفة على الانتخابات بالبلاد مساء الأحد، عقب جولة ثانية جرت في (22) دائرة، لاختيار (36) مقعداً، تأجل حسمها في الجولة الأولى، أظهرت استمرار تقدم حزب الإنصاف، بعد حصوله على (27) مقعداً جديداً، لترتفع حصيلة مقاعده بالبرلمان إلى (107) مقاعد، من (176) هي إجمالي عدد مقاعد البرلمان.

وفي المرتبة الثانية جاء حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" المعارض بعد حصوله على مقعدين ليرتفع إجمالي ما حصل عليه بالجولتين إلى (11) مقعداً بالبرلمان، وحصل حزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم" الموالي للحزب الحاكم على (4) مقاعد، ليرتفع عدد مقاعده إلى (10)، ويحتل المرتبة الثالثة من حيث التمثيل البرلماني، أمّا حزب "الجبهة الجمهورية" المعارض، فقد حصل في هذه الجولة على مقعد واحد، ليرتفع تمثيله إلى (7) مقاعد، ويحتل المركز الرابع.

لماذا تمثل الانتخابات مركز تحوّلٍ سياسي؟

يصف الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني بون ولد باهي المشهد السياسي بالبلاد قبيل إجراء الانتخابات بأنّه كان "ضبابياً"، ويعبّر عن أزمة قائمة منذ انتخابات 2009، ومن قبلها الانقلاب العسكري الذي وقع في عام 2008، في ظل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي تُجرى محاكمته اليوم أمام القضاء الموريتاني لاتهامه بقضايا فساد.

استمرار تقدم حزب الإنصاف، بعد حصوله على (27) مقعداً جديداً، لترتفع حصيلة مقاعده بالبرلمان إلى (107) مقاعد

وفي حديث لـ "حفريات" يقول باهي: إنّ الانتخابات اكتسبت أهمية خاصة، في ضوء رغبة القوى السياسية في ترميم كافة الأخطاء والمساوئ السياسية التي شهدتها البلاد إبّان فترة حكم الرئيس السابق وحلفائه، خاصة أنّ البلاد قد دخلت بالفعل إلى مرحلة سياسية جديدة منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2019، وأفرزت تغيراً في رأس السلطة، والقوى السياسية الحاكمة في البلاد.

خارطة سياسية جديدة... ما أبرز ملامحها؟

ويوضح باهي أنّ الرئيس الحالي أراد أن يبدأ مرحلة جديدة للإصلاح السياسي، بإجراء حوار شامل مع كافة القوى السياسية في الدولة، للتوصل إلى اتفاق سياسي، ومنح فرص متساوية للجميع من أجل ضمان منافسة متكافئة.

ويشير إلى أنّ الانتخابات جرت قبل موعدها المحدد، ولكن وفق اتفاق سياسي أجمعت عليه كافة القوى السياسية والحكومة، وبموجب هذا الاتفاق السياسي الذي عقد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تم تحديد عدد من النقاط لخارطة سياسية جديدة بالبلاد.

ولد باهي: الانتخابات اكتسبت أهمية خاصة، في ضوء رغبة القوى السياسية في ترميم كافة الأخطاء والمساوئ السياسية التي شهدتها البلاد إبّان فترة حكم الرئيس السابق وحلفائه

أبرز هذه النقاط، بحسب المحلل الموريتاني، إجراء انتخابات تشريعية وجهوية قبل موعدها المقرر، رغم أنّ مدة البرلمان لم تنتهِ بعد، والإجراء الثاني هو تشكيل لجنة لإدارة العملية الانتخابية، والإشراف عليها، مشكّلة من مختلف أطياف الاتفاق السياسي، أيضاً تم الاتفاق على إجراء بعض التعديلات على قانون الانتخابات بما يتناسب مع خطوات الإصلاح الجديدة، وبالفعل تم حل البرلمان بقرار من رئيس الجمهورية، وتنظيم الانتخابات في 13 أيار (مايو).   

قراءة في نتائج الانتخابات

في قراءته لنتائج الانتخابات، باعتبارها المحدد الرئيسي لمسار المشهد السياسي في البلاد، يشير باهي بداية إلى عدم حصول بعض الأحزاب العريقة، مثل حزبي (التكتل) و(الاتحاد الشعبي)، على تمثيل يذكر داخل البرلمان، تلك النتائج تسببت في حدوث نوع من التصدع في حالة التوافق السياسي التي سبقت العملية الانتخابية.

الانتخابات جرت قبل موعدها المحدد، ولكن وفق اتفاق سياسي أجمعت عليه كافة القوى السياسية والحكومة

وردّاً على النتائج، دعت بعض القوى السياسية، ممثلة في أحزاب المعارضة، إلى تنظيم مسيرات وتظاهرات احتجاجية، نددت خلالها بالنتائج، واتهمت الحكومة بتزوير الانتخابات، وطالبت بإعادتها.

عودة إلى الأزمة

يرى باهي أنّ المشهد السياسي في البلاد بعد الانتخابات يتجه نحو مربع "الأزمة" مجدداً، في ضوء المطالب المتصاعدة من جانب أحزاب المعارضة وبعض القوى السياسية الأخرى بإعادة الانتخابات، لكنّ هذا الطرح يبقى أمراً أقرب إلى المستحيل في الوقت الراهن، لأنّ الانتخابات جرت وفق اتفاق مسبق من جانب الجميع، ولم يثبت حتى الآن وقوع تزوير.

وفيما يتعلق بالحزب الحاكم، يرى باهي أنّه قد خرج بأغلبية مريحة في الانتخابات، ولن يحتاج إلى مزيد من الإجراءات، كالفترة السابقة التي كان حزب الإنصاف يحتاج فيها دائماً إلى إبرام تحالفات مع أحزاب الأغلبية في البرلمان للحكم.

تحاول أحزاب المعارضة تصعيد المشهد في الشارع والتركيز على فكرة تزوير الانتخابات، الأمر الذي ترفضه اللجنة المشرفة على الانتخابات، وهذا التشاحن يفتح الباب واسعاً أمام سيناريوهات تصعيد أخرى محتملة ستدور كلها في نطاق الأزمة السياسية

وفي المقابل، تحاول أحزاب المعارضة تصعيد المشهد في الشارع، والتركيز على فكرة تزوير الانتخابات، الأمر الذي ترفضه اللجنة المشرفة على الانتخابات، وهذا التشاحن يفتح الباب واسعاً أمام سيناريوهات تصعيد أخرى محتملة ستدور كلها في نطاق الأزمة السياسية.

وكانت أحزاب المعارضة قد عقدت يوم السبت 27 أيار (مايو) مؤتمراً صحفياً دعت فيه إلى إعادة الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، وجاء تنظيم هذا المؤتمر بعد يوم واحد من مهرجان نظمته أحزاب المعارضة أكدت فيه مضيها في رفض الانتخابات ودعوتها لإعادة الشوط الأول في عدد من الدوائر من بينها نواكشوط.

المشهد السياسي في البلاد بعد الانتخابات يتجه نحو مربع "الأزمة" مجدداً

واعتبرت أحزاب المعارضة، بحسب "روسيا اليوم" أنّ "اللجنة المستقلة للانتخابات وطواقمها بمختلف مستوياتها فشلت في مهمتها الوطنية فشلاً كاملاً"، معلنة تشكيل لجنة أزمة رفيعة المستوى ستبقى في حالة اجتماع دائم لمتابعة التطورات واتخاذ ما يلزم من قرارات.

وحمّلت الأحزاب المعارضة السلطات واللجنة الوطنية للانتخابات ما حصل من خروقات وتلاعب، مؤكدة أنّه سيكون لها الأثر البالغ على مسار الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد، وما قد يترتب عليها من تداعيات.

وذكرت أنّه من بين الخروقات التي تم تسجيلها "تأخر العديد من المكاتب في فتح أبوابها حتى منتصف النهار وما بعده، وعدم حصول مكاتب أخرى على أوراق التصويت لساعات، وفتح مكاتب التصويت بعد نهاية الوقت القانوني، بتوجيهات عبر (الواتساب) من بعض السياسيين القياديين في حملة حزب الإنصاف، وبإشراف وأوامر مباشرة من ولاة الولايات الذين لا يُتصور قيامهم بذلك دون توجيه من وزارة الداخلية".

مواضيع ذات صلة:

هل تصبح موريتانيا بوابة أوروبا الجديدة إلى غرب أفريقيا؟

هكذا استثمر إخوان موريتانيا سياسياً في كارثة السيول




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية