كيف تحول مؤتمر الإفتاء إلى داعم للقضية الفلسطينية؟

كيف تحول مؤتمر الإفتاء إلى داعم للقضية الفلسطينية؟

كيف تحول مؤتمر الإفتاء إلى داعم للقضية الفلسطينية؟


23/10/2023

تحت عنوان: (الفتوى وتحديات الألفية الثالثة)، عُقد المؤتمر العالمي الثامن للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، يومي 18 و19 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، وبحضور كبير من المفتين والعلماء والمفكرين والباحثين والخبراء.

عنوان المؤتمر يُوحي بأنّ تحديات شديدة التعقيد تواجه الحقل الإفتائي، وتحتاج إلى عمل إفتائي جماعي، وعلى رأس هذه التحديات ما يتعلق بالتحديات بالتغير المناخي، وتحدي السيولة الأخلاقية والفكرية، كالإلحاد، وخطابات الكراهية، وتنحية الدين عن الحياة، وتحديات الفضاء الإلكتروني.

دار المؤتمر حول (3) محاور:

 الأوّل: "تحديات الألفية الثالثة... تحديد المناطات وبناء طرائق المواجهة".

 الثاني: "الفتوى والتحديات الفكرية والأخلاقية".

الثالث: "الفتوى والتحديات الاقتصادية وتحديات الفضاء الإلكتروني".

وشهد المؤتمر:

-إطلاق (IFatwa) كأوّل منصة رقمية لعلوم الفتوى، تمثل بوصلة تحدد المعايير الصحيحة في "صنعة" الإفتاء.

-الإعلان عن الفائز بجائزة الإمام القرافي للتميز الإفتائي.

- الإعلان عن منتدى العلماء المختصين بقضايا فقه الأقليات.

- إصدار (40) مجلداً من "المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية"، لتبلغ (90) مجلداً.

عنوان المؤتمر يُوحي بأنّ تحديات شديدة التعقيد تواجه الحقل الإفتائي

التحدي المفاجئ... الحرب في غزة

فجأة ظهر أمام المؤتمر تحدٍّ جديد يتعلق بالإبادة الجماعية التي يقوم به المحتل الإسرائيلي تجاه أهل غزة، فتحولت بوصلة المؤتمر من البداية إلى النهاية لدعم القضية الفلسطينية، وما من محور أو ورشة أو حلقة نقاشية إلّا وكانت قضية فلسطين حاضرة، والتنديد بما يحدث من قتل وتدمير حاضراً.

غزة في الافتتاح

تحولت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر للحديث عن القضية الفلسطينية، وإدانة ما يحدث من إسرائيل، ففي كلمته -التي مثلت دار الإفتاء المصرية، ودور وهيئات الإفتاء في العالم- قال مفتي مصر: تعلن المنصة تأييدها لموقف مصر التي أعلنت بحسم رفضها لتهجير الشعب الفلسطيني، ونهيب بالمجتمع الدولي العمل على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى الأماكن المنكوبة والمتضررة من جراء العدوان الغاشم، وإنّ كل المشاركين يؤكدون أنّ ما يحدث من عدوان على الشعب الفلسطيني الحر، يتعارض مع جميع الأديان والضمير الإنساني والقانون الدولي وكل الأعراف والتقاليد الإنسانية، لأنّه بوضوح تطهير عرقي ممنهج، وقضاء نهائي مبرم على الحق الفلسطيني، وإماتة تامة للقضية الأم، وهي قضية الأقصى.

وفي كلمة رئيس وزراء مصر التي ألقاها نيابة عنه وزير الأوقاف المصري، قال: نحيي الوعي الفلسطيني في رفضه القاطع لأيّ محاولة لتهجيرهم، ونحيي صمود شعبنا الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وعرضه، وتضحياته، وعلى كل عقلاء العالم النظر بعين الإنسانية إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وأطفاله ونساؤه من قتل وحصار وتجويع.

تحولت ورش العمل -بجانب موضوعاتها المعدّة سلفاً- إلى الحديث عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وتداعيات ذلك على نشر التطرف، وتغذية خطابات الكراهية والعنف

وفي كلمة الأزهر التي ألقاها وكيل الأزهر، دعا الشعب الفلسطيني إلى التمسك بأرضه، والوقوف بكل بسالة وبطولة في وجه الآلة الصهيونيّة المتغطرسة، وأكد أنّ استهداف المدنيِّين وقصف المؤسسات جريمة حرب مكتملة الأركان، ووصمة عارٍ يسجِّلها التاريخ بأحرف من خزي على جبين الصّهاينة.

وأمّا الدكتور محمود الهباش، قاضي القضاة في فلسطين، ومستشار الرئيس الفلسطيني، فقد ألقى كلمة ألهبت القلوب والعقول خلال الجلسة الافتتاحية، أشار فيها إلى أنَّ الكلمات والمشاهد لا يمكن أن تعكس حقيقة الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، من تدمير متعمد للبيوت والمنازل والمستشفيات، وقال: لن نرحل، وسنبقى ما بقي التين والزيتون، وشكر مصر على دورها، وأكد أنّ الوقوف بجانب فلسطين ونصرتها يُعَدُّ تجسيداً للقيم الإنسانية والعدالة العالمية.

ورش المؤتمر... لا صوت يعلو فوق صوت فلسطين

شهد المؤتمر (3) ورش عمل:

 الأولى: "خطاب الكراهية وتأثيره على السلم والأمن الدوليين".

الثانية: "تحليل خطاب الجماعات المتطرفة في الألفية الثالثة".

الثالثة: "البوصلة الأخلاقية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي دينيّاً وإفتائيّاً".

تحولت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر للحديث عن القضية الفلسطينية، وإدانة ما يحدث من إسرائيل

وتحولت ورش العمل -بجانب موضوعاتها المعدّة سلفاً- إلى الحديث عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وتداعيات ذلك على نشر التطرف، وتغذية خطابات الكراهية والعنف، فمثلاً ناقشت ورشة "خطاب الكراهية وتأثيره على السلم والأمن الدوليين"، التي نظمها (مركز سلام لدراسات التطرف ومكافحة الإسلاموفوبيا)، تعريف خطاب الكراهية وأشكاله وأنماطه، وبيان أنّ ما تفعله إسرائيل يسهم في تسارع وتيرة نشر الكراهية في العالم، وجاءت مداخلات كاملة وصفت الحرب التي تشنها إسرائيل على الأبرياء في غزة بأنّها بداية حقيقية لنشر الكراهية والعنف والإرهاب في العالم كله، وندد المشاركون في الورش الـ (3) بالعنف والقتل والإرهاب الذي تمارسه إسرائيل على مرأى ومسمع وصمت من المجتمع الدولي والإرهاب.

دور الأمين العام إبراهيم نجم

الدور الكبير للأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، ينقسم إلى قسمين:

الأوّل: تأكيده ـ في تصريحات للصحف والمواقع والقنوات الفضائية- على أنّ القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في أعمال المؤتمر الثامن، وأنّ المؤتمر سيكون داعماً للقضية الفلسطينية وموقف مصر، وأنّ المؤتمر لن يتوقف عن التنديد بجرائم الاحتلال الصهيوني وحرب الإبادة التي تُمارس ضد الأبرياء. وفي مقال نشره بجريدة (الدستور) المصرية قبيل انطلاق المؤتمر بساعات: قال: "إنّ القضية الفلسطينية على رأس الثوابت التي يتمسك بها العلماء المشاركون في المؤتمر باعتبارها قضية أمّة، لا يمكن التفريط فيها، أو إسقاط الحق والتنازل عن القدس، وعلى المجتمع الدولي حمايتها من الإرهاب الغاشم الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني، والذي يسعى  لتفريغ القضية من مضمونها بتهجير الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم".

الثاني: غاص بعمق في كلمته بالمؤتمر في عالم "المحيط الأزرق"، واستعرض المحاور التي تنتهي بالأمّة إلى امتلاك ناصية العلم والقيادة، والاستفادة من التقدم العلمي مع الشركاء المخلصين، وكيفية صناعة دوائر التأثير، حتى يحقق المؤتمر تأثيراً حقيقياً واسعاً.

(7) توصيات عن القضية الفلسطينية تتقدم البيان الختامي

كانت القضية الفلسطينية هي التي غلبت على البيان الختامي الذي ألقاه مفتي مصر رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، فبعد أن أعلن عن إطلاق عدد من المبادرات المهمة والمخرجات المتميزة، جاء في أبرز التوصيات:

أوّلاً: تأكيد المؤتمرعلى أصالة القضية الفلسطينية وتَرسُّخها في وجدان الأمّة الإسلامية شعوباً وحُكّاماً، وأنّها كانت -وما زالت- حية، وتظل حيةً حتى يندحر العدوان الغاشم إلى الأبد.

ثانياً: يُثمِّن المؤتمر الدّور المحوري لمصر، انطلاقاً من مسؤوليتها التاريخية والحضارية، ودفاعها عن حق الشعب الفلسطيني من أجل استرداد أرضه والعيش في أمن وسلام وطمأنينة.

ثالثاً: يؤكد المؤتمر على أهمية دَور العلماء في نشر الوعي الصحيح بالقضية الفلسطينية وشرح أبعادها عند عودتهم إلى أوطانهم.

رابعاً: يثمن المؤتمر دور مصر في الوقوف بكل صرامة أمام مخطط تصفية القضية بتهجير الشعب الفلسطيني خارج أراضيه، مع اعترافنا بأنّ أرض مصر هي الوطن الثاني لكل عربي، إلّا أنّ قضية فلسطين لها وضع خاص كما يُعلم.

كانت القضية الفلسطينية هي التي غلبت على البيان الختامي الذي ألقاه مفتي مصر

خامساً: يهيب المؤتمر أن يتضامن المجتمع الدولي لإيصال المساعدات إلى الأماكن المنكوبة في غزة.

سادساً: يؤكد المؤتمر أنّ ما يحدث مِنْ عدوان يتعارض مع جميع الأديان والضّمير الإنساني والقانون الدّوْلي.

سابعاً: يثمن المؤتمر دعوة مصر إلى قمة السلام التي تنعقد في القاهرة بحضور عدد كبير من الرؤساء والملوك والهيئات الأممية.

نلاحظ أنّ التوصيات الـ (7) جاءت كلها عن القضية الفلسطينية، ممّا يؤكد على الحسّ الإنساني والوطني والإسلامي من المشاركين تجاه ما يحدث.

دلالات وملاحظات

أوّلاً: محاور المؤتمر ومناقشاته تؤكد نجاح دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم في إلغاء الصورة النمطية لعمل الإفتاء، من أنّه ينحصر في مسائل العبادات وقضايا الأسرة من زواج وطلاق، فصار خطابها اليوم يتجاوز هذه الصورة النمطية، ليتحاور حول أثر الذكاء الاصطناعي في الحقل الإفتائي، وقضايا التنمية والمناخ والإلحاد والسيولة الأخلاقية والتطرف الديني والإسلاموفوبيا، ثم التجاوب مع الأحداث الوطنية الكبرى، وعلى رأسها أحداث غزة التي كانت حاضرة بقوة في المؤتمر.

ثانياً: استطاعت الأمانة العامة بمشروعاتها المختلفة إحالة الخطاب الإفتائي ليكون بمثابة مشعل نور وحضارة وتقدّم وخادم للإنسانية ومحافظ على العباد والبلاد، حتى إنّ مؤتمرات الأمانة العامة لتدخل ضمن (الفقه الأكبر) الذي تحتاجه الأمّة، ويدعم  مصالح الإنسانية كلها، وليس المسلمين فقط، ليكون خطاباً جامعاً.

خطاب دور وهيئات الإفتاء اليوم يتجاوز الصورة النمطية، ليتحاور حول أثر الذكاء الاصطناعي في الحقل الإفتائي، وقضايا التنمية والمناخ والإلحاد والسيولة الأخلاقية والتطرف الديني والإسلاموفوبيا، ثم التجاوب مع الأحداث الوطنية الكبرى

ثالثاً: فيما يخص القضية الفلسطينية، نلاحظ الإشادة بالدور المصري تجاه الأحداث الجارية من المتحدثين، من فلسطين وتونس وأوزبكستان ومالي والجزائر والإمارات وغيرهم، وفي هذا إجماع على نجاح الدور المصري.

رابعاً: إنّ مفتي جمهورية مصر، ومن خلفه الأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء، يدعمون الأفكار والمقترحات المختلفة التي تنتجها العقول داخل الدار، بل يتعدى الدعم لخارجها، حتى إنّ أيّ مقترح أو فكرة مهمة تدفع للأمام تأتي للدار والأمانة العامة من خارج الدار، تكون محل تقدير واستجابة، وهذا من أسرار نجاح الدار، ومؤتمرات الأمانة العامة.

خامساً: إنّ المؤتمر لم يكن مقصوراً على الأزهريين أو المشايخ أو المهتمين بالفقه والشريعة فقط، بل تعدى ذلك ليكون الحضور من الخبراء والمفكرين والباحثين من خارج الحقل الديني والإفتائي والأزهري والشرعي، ممّا أدى إلى تفاعل كبير، لا سيّما أنّنا في حاجة ماسة إلى حوار بين المفكرين ورجال الدين.

سادساً: إنّ ما ينشره موقع دار الإفتاء على صفحات التواصل الاجتماعي يحتاج إلى مزيد من الضبط والحكمة والتدقيق وإدراك الواقع، ومعالجة أوجه القصور والسلبيات، حتى يؤدي الموقع دوره على أكمل وجه.

مواضيع ذات صلة:

المؤسسات الدينية والمنعطف الرقمي

النظام التركي يستخدم مرة أخرى المؤسسات الدينية... ما الجديد؟

هل تستطيع المؤسسات الدينية التقليدية أن تقدم جديداً ؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية