احتفل العالم، أو من قُيّض له ذلك، في العشرين من الشهر الجاري، باليوم الدولي للسعادة، وجرى إطلاق فعاليات مختلفة رسمت، بلا ريب، ابتسامة، وأيقظت فرحاً في نفوس أطفال وشيوخ ونساء، فلمعت منائر من بعيد تلوّح بالضياء.
وسبق هذا اليومَ، الإعلان عن إطلاق "التحالف العالمي للسعادة" في دبي على هامش القمة العالمية للحكومات منتصف الشهر الماضي، ما مثّل واحداً من وجوه التصادم والتنافر والتآلف في بيئة مضطربة تموج بالكوارث والحروب، وبالأحلام.
فعلى هذه الأرض التي انعقدت فوقها القمة، مرّت الصحراء وطاف العطش، واشرأبت أعناق الخيل إلى السماء نشداناً لقطرة مطر. كانت الآمال أكبر من الوقائع الخشنة، فاخضرّت الصحراء، وشقّ الماءُ قلبَ اليباس. فلا بأس، إذاً، أن تنبثق السعادة وأن تكون لها وزارة، وأن يكون الرجاء الإنساني بوصلة نحو حماية قلب الكائن من التمزّق والانشطار.
السعادة عدو الكراهية والتطرف
لم يكن من ضمن الموقعين على إطلاق التحالف الذي رعاه نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أية دولة من الدول العشر الأكثر سعادة في العالم، بحسب تقرير السعادة الأخير، ومع ذلك، فقد تضمّن التحالف عدداً من الأهداف للمساهمة الفعالة في تعزيز الحوار حول السعادة على المستوى العالمي، ونشر المعرفة، وتبادل المعلومات والخبرات بشأن تطبيق سياسات السعادة على نطاق أوسع بين الدول الأعضاء في التحالف، وهي بالإضافة إلى الإمارات: البرتغال، وكوستاريكا، والمكسيك، وكازاخستان، وسلوفينيا. وجرى التعهد بتنفيذ المشاريع المشتركة التي تعزز جهود تلك الدول في مضمار السعادة، باعتبارها، كما قال حاكم دبي "عدو الكراهية والتطرف".
كانت الآمال أكبر من الوقائع الخشنة، فاخضرّت الصحراء، وشقّ الماءُ قلبَ اليباس. فلا بأس، إذاً، أن تنبثق السعادة
الشيخ محمد بن راشد، رأى، في سعادة الناس "مقياساً لكفاءة الأداء الحكومي، وركيزة لتقييم السياسات والبرامج، وقاسماً مشتركاً لعمل القطاعين الحكومي والخاص"، فضلاً عن أنّ الاستثمار في السعادة، وهذا هو الأهم، "استثمار في الأمن والسلام والتعايش بين شعوب الأرض".
لقد قيل الكثير عن أهمية الثقافة والفنون بمختلف منصاتها في ترويض التطرف ومحاصرة التزمت ومكافحة الإرهاب، لكنّ الإمارات أضافت إلى هذه الأقانيم السعادة، وقدّرت أنّ من يستثمر في السعادة، وينشر ثقافتها ويؤسس لبنيتها الحقيقية الراسخة، فإنه يحمي المستقبل من العثرات. الكائنات السعيدة تنتج الأمل، والتعيسة تفرّخ اليأس، وتقذف إلى العالم أفواجاً من الانتحاريين المفخّخين الذين يرون في نسف العالم وتقويض الحضارة عملاً بطولياً يرقى صانعه المتفتّت إلى مصاف الشهداء!
عالم تعوي فيه رياح الحروب
وما يجعل الإمارات جديرة بإطلاق هذا التحالف أنها احتلت المركز الأول عربياً في سلم السعادة، وفي المركز الحادي والعشرين عالمياً، وتطمح أن تكون، بعد عقود، الدولة الأولى في معيار السعادة على المستوى العالمي. لكنّ الدولة الخليجية التي جعلت للسعادة وزارة، وللتسامح أخرى، محاطة بعالم تعوي فيه رياح الحروب وتعربد الآلام، ما يجعل السعادة ترفاً بعيد المنال عند شعوب تحلم بلقمة خبز، وبفسحة أمن، وبنهار لا تخترقه القذائف والبراميل المتفجرة والمصائب والهموم. وتلك، بلا ريب، المعادلة الصعبة التي لا تتحقق إلا إذا أضحت السعادة كالهواء الذي لا يمكن احتكاره باعتباره حقاً لاستدامة الحياة.
يتعين تنمية العوامل الرئيسية للسعادة، التي يعتمدها التقرير العالمي، مثل الحرية والصحة والرخاء والسخاء والتكافل الاجتماعي
تعميم السعادة مطلب أساسي، وهدف عالمي، وهذا ما يمكن أن يكون على أجندة التحالف العالمي للسعادة الذي ينشد "الارتقاء بالسياسات والبرامج وأطر العمل الرامية إلى تحقيق السعادة المستدامة للمجتمعات"، عبر تنمية العوامل الرئيسية للسعادة، التي يعتمدها التقرير العالمي، مثل الحرية والصحة والرخاء والسخاء والتكافل الاجتماعي.
ولأنّ غالبية العوامل الخمسة المذكورة، تُصنف في خانة "الأحلام" فإنّ الجهد يتعيّن أن ينصبّ عليها، لاستصلاحها تارة، واستنباتها أطوراً؛ لتغدو السعادة فعلاً تشاركياً تعاضدياً تكافلياً يتحقق ويكتمل في اللحظة التي أشعر فيها أنّ سعادتي لا تستوي ما دام ثمة حزن تأتيني أصداؤه أنّى أصختُ السمع!
كلّ عام وأنت بسعادة يا قلبَ الكوكب الحزين..