
عبد المنعم همت
يمر السودان بمرحلة عصيبة تحمل في طياتها تحديات كبرى تمس أمنه واستقراره، إذ شهدت البلاد مؤخرا تطورات خطيرة تمثلت في ظهور حراك مكثف لكتيبة البراء بن مالك، التي تتبع تنظيم الإخوان المسلمين. هذه الكتيبة، التي تنشط تحت شعار الدين والوطن، تعمل على استقطاب السودانيين في المهجر، خاصة في الدول العربية والخليجية، وتسعى لتكوين قاعدة دعم لوجيستي ومالي يعزز وجودها المسلح داخل السودان. وقد اختارت شبكات التواصل الاجتماعي، والمجموعات الخاصة، وسيلة للترويج لأفكارها واستقطاب العناصر، مما يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع السوداني ولمجتمعات المهجر التي تستضيف أبناءه.
الخطر الذي يطرحه هذا الحراك يتعدى الحدود السودانية، ليصل إلى المجتمعات المستقرة في الخارج، خاصة في دول الخليج. إذ لا يقتصر نشاط الكتيبة على حشد العناصر، بل يتعداه إلى بناء قاعدة مالية وإعلامية قوية تعتمد على مساهمات السودانيين في الخارج، والذين يتم استقطابهم تحت ذرائع عدة. فقد يتم دفعهم إلى دعم الكتيبة ماليا، أو تبني مواقف عاطفية وتوجيههم نحو الانضمام إلى قضايا تتبناها الكتيبة، ما يمهد لاحقا لانخراط البعض فعليا في أنشطتها. هذا الأسلوب في جمع الدعم المالي والعاطفي، من خلال مخاطبة المشاعر الدينية والقومية، يعطي الكتيبة طابعا شرعيا زائفا في أوساط المجتمعات السودانية بالخارج، مما يسهم في تمويل أنشطتها المسلحة.
ومما يزيد من خطورة هذا الحراك أن كتيبة البراء بن مالك قد أسست علاقات قوية مع تنظيمات إرهابية دولية، لتتجاوز أدوارها التقليدية وتصبح جزءا من شبكة ذات امتداد عالمي. وقد تم تدريب كوادرها خارج السودان، في دول تعاني من توترات سياسية وتحمل ضغائن تجاه عدد من الدول العربية. هذه العلاقات توفر للكتيبة دعما نوعيا من حيث التدريب والخبرات، وتجعل منها كيانا أكثر استعدادا لتوظيف عناصرها في تنفيذ أعمال نوعية محتملة في بعض دول الخليج. يمتلك التنظيم قدرة على استغلال جنسيات مختلفة وعناصر مدربة على تنفيذ عمليات نوعية، مما يضاعف من حجم التهديد الذي تشكله على أمن المنطقة.
ولا يتوقف هذا التهديد عند حدود السودان فحسب، بل يمتد ليشكل تهديدا محتملا لدول الخليج التي تستضيف عددا كبيرا من السودانيين، حيث يسعى تنظيم الإخوان المسلمين، عبر شبكاته المتغلغلة، إلى تأسيس نواة تنظيمية داخل هذه الدول. تعتمد هذه النواة على استغلال العناصر التي تستقطبها في الخارج، وتستفيد منها لبناء بنية تحتية تمكن التنظيم من الانتشار والتمدد في بيئات خارجية، ليصبح خطره قائما في أي وقت. هذا التوجه يحمل معه احتمالات خطيرة، إذ قد يُستغل مستقبلا لزعزعة الأمن والاستقرار في تلك الدول، مما يستدعي أن تتخذ هذه الدول موقفا حازما ورادعا تجاه هذه الأنشطة.
ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى أن تتخذ السلطات في دول المهجر، وعلى وجه الخصوص في دول الخليج، خطوات عاجلة لتعزيز الرقابة على الأنشطة المشبوهة التي قد تتسبب في توسيع هذا الحراك الخطير. كما يجب أن تدرك المجتمعات المهاجرة، وخاصة السودانية، طبيعة التهديد الذي يمثله هذا الحراك، وتتخذ موقفا واضحا منه. إن من الضروري أن يتم رصد جميع المحاولات التي تسعى إلى جمع الأموال لشراء الأسلحة أو الاستعداد للقتال في السودان، وهي أنشطة يتم الترويج لها في مجموعات سودانية عبر رسائل صوتية وتسجيلات تُستغل للتأثير على الأفراد وجذبهم إلى هذه الأفكار. يمثل التصدي لهذا الحراك ضرورة قصوى للحد من توسع العنف، ومنع امتداده ليطال مناطق أخرى، بما يحمي أمن وسلامة المجتمعات.
إن مواجهة هذا التهديد تتطلب وعيا مجتمعيا مشتركا ودعما دوليا لضمان الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وحماية المجتمعات من أي محاولات لاستغلالها أو تهديدها من قبل منظمات تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب أمن الآخرين.
العرب