
قدّم 113 قيادياً في حركة النهضة استقالتهم من الحزب، بسبب "إخفاقهم في معركة الإصلاح الداخلي للحزب"، وإقرارهم "بتحمل القيادة الحالية المسؤولية الكاملة في ما وصلت إليه الحركة من العزلة"، بحسب بيان نشره القيادي المستقيل بالحركة عبد اللطيف المكي.
وكانت حركة النهضة قد تعهدت بإجراء إصلاحات داخلية بعد أيام من صدور القرارات الاستثنائية للرئيس التونسي في 25 تموز (يوليو) الماضي.
وقد أرجع استقالتهم، بحسب ما أورده موقع الحرّة، إلى "تحمل القيادة الحالية قدراً مهماً من المسؤولية في ما انتهى إليه الوضع العام بالبلاد، من تردٍّ فسح المجال للانقلاب على الدستور وعلى المؤسسات المنبثقة عنه".
من بين الموقعين على الاستقالة عدد من قيادات الصف الأول وأعضاء في مجلس الشعب المجمد، وفي مقدمتهم عبد اللطيف المكي وزير الصحة بين 2011 و2014
ومن بين الموقعين على الاستقالة عدد من قيادات الصف الأول وأعضاء في مجلس الشعب المجمد، وفي مقدمتهم عبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق بين 2011 و2014 وسمير ديلو عضو مجلس النواب، ومحمد بن سالم وجميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي.
وأضاف البيان أنّ "تعطل الديمقراطية الداخلية لحركة النهضة والمركزية المفرطة داخلها وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار داخلها لم يبق شأناً داخلياً، بل كان رجع صداه قرارات وخيارات خاطئة أدت إلى تحالفات سياسية لا منطق فيها ولا مصلحة، متناقضة مع التعهدات المقدمة للناخبين.
وتابع البيان: "إنّ تقييم حركة النهضة في الحكومات والبرلمانات المتعاقبة بعد الثورة يحتاج قراءة نقدية صريحة وشجاعة دون إعفاء أنفسنا من المسؤولية المترتبة على مساهمة بعضنا في القرار الحزبي والحكومي في فترات محددة".
ولم يصدر عن الحركة أي تصريحات رسمية أو صحفية للإعلام رداً على الاستقالات.
من جانبه، يرى المحلل السياسي والمفكر الإسلامي صلاح الدين الجورشي أنّ موجة الاستقالات الأخيرة في حركة النهضة تعكس مدى وعمق الأزمة الداخلية التي تعاني منها، رغم عراقتها النسبية ووجود خبرات سياسية كبيرة فيها.
وشدد الجورشي على أنّ ما حدث يدل على أنّ الذين قرروا الاستقالة هم من الذين قد يئسوا وفقدوا الأمل في إحداث أي إصلاحات في البنية الهيكلية، ممّا يدل على أنّ المساحة الديمقراطية داخل هذا الحزب آخذة في التضاؤل والتقلص، على حد قوله.
ولفت إلى أنّ هذه الاستقالات سوف تؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى خلق حالة من التساؤلات داخل الحركة، مردفاً: "ما حدث سيؤثر على موازين القوى من حيث إنه أضعف حركة النهضة، وبالتالي أيضاً سوف يضعف الجبهة التي بدأت تتشكل من قوى وأحزاب أخرى" لمواجهة ما سمّاه "الانقلاب على الدستور" الذي قاده الرئيس التونسي قيس سعيد.
واعتبر الجورشي أنّ أكبر المستفيدين ممّا حدث هو تيار قيس سعيد الذي بدأ يواجه معارضة كبيرة من كافة أطياف القوى السياسية والمجتمع المدني، ورفض في الوقت نفسه أن يكون لتلك الاستقالات أي تأثير على مستقبل رئيس الحركة ورئيس البرلمان الحالي راشد الغنوشي.
الجورشي: الذين قرروا الاستقالة يئسوا وفقدوا الأمل في إحداث أي إصلاحات في البنية الهيكلية، ما يشير إلى أنّ المساحة الديمقراطية داخل هذا الحزب آخذة في التضاؤل والتقلص
من جانبه، قال أحمد النفاتي عضو حركة النهضة المستقيل: إنّ قائمة المستقيلين من الحزب قد أقدمت على خطوتها بعد ما استنفدت كافة السبل لإحداث حركة تغيير جذرية وواضحة في حركة النهضة، مؤكداً أنّ القيادات الحالية قد فرضت على الحزب نوعاً من العزلة السياسية بسبب الأخطاء العديدة التي ارتكبتها على مدى مشاركتها في الحكومات والتحالفات الحزبية منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.
وزاد في تصريحات لقناة "الحرة": "حاولنا الإصلاح داخل الحزب، ولكننا وصلنا إلى مرحلة اليأس، والصراعات التي رأيناها في البرلمان أوصلتنا إلى هذا الانحدار السياسي".
وشدد النفاتي على أنّ هذه الاستقالات هي نهائية وليست تكتيكية، مردفاً: "تونس فوق الحسابات السياسية الضيقة، والوطن يمرّ بمنعرج خطير عقب الانقلاب، وبالتالي لا بدّ من إيجاد نوع من التوازنات والتحالفات الوطنية، ولذلك تواصلنا مع بقية القوى بصفتنا الشخصية وليس وفقاً لانتمائنا الحزبي، لأنّ سياسة حركة النهضة قد فرضت علينا العزلة وجعلت الآخرين غير راغبين في التواصل معنا".
ولفت إلى أنهم يريدون "إنهاء عبث ما بعد 25 تموز (يوليو)، ولكن الوقت نفسه لا نريد العودة إلى عبث ما قبله".
تجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الحركة استقالات جماعية على خلفية الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، ففي 23 آب (أغسطس) الماضي أعفى الغنوشي كل أعضاء المكتب التنفيذي عقب قرارات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية بوقف البرلمان وحل الحكومة.
وقد قدم عدد من أعضاء الحزب استقالتهم، في حين أعلنت وقتها القيادية بالحزب وعضوة البرلمان جميلة الكسيكسي انسحابها من دورة الشورى الطارئة التي دعا إليها الغنوشي، قائلة إنّ قرارات الحزب لا تعبّر عنها، قبل أن تعلن استقالتها نهائياً بتوقيعها على البيان الأخير.
وكان من المفترض أن يشهد المؤتمر الـ11 للحزب في العام الماضي انتهاء فترة رئاسة الغنوشي، وأن تنتخب فيه قيادة جديدة، لكن جرى تأجيله إلى العام الحالي بذريعة انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، وقد علل مراقبون السبب المباشر للإرجاء بسعي الغنوشي لإيجاد طريقة تبقيه على رأس الحزب، بحسب وكالة "فرانس برس".