قمة بغداد: هل أصبح مشروع "الشام الجديد" ممكناً؟

قمة بغداد: هل أصبح مشروع "الشام الجديد" ممكناً؟


30/06/2021

يسود اعتقاد عام بأنّ القمة الثلاثية، التي جمعت القاهرة وبغداد وعمّان، الأحد الماضي، في بغداد، تؤسس لشراكة جديدة وحيوية بين العواصم العربية الثلاث في الاقتصاد والسياسة والأمن، وتعرف بـ "الشام الجديد"، بينما تهدف إلى بناء شراكة إقليمية مؤثرة، قادرة على مواجهة التحديات المختلفة، في ظلّ المتغيرات العنيفة التي شهدتها المنطقة، خلال العقد الماضي. وتبعث زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى العراق، والتي وصفت بـ "التاريخية"، بدلالات مهمة على عدة مستويات، تتصل بالاعتبارات الجيوسياسية، ومفاهيم الأمن القومي العربي.

نحو اصطفاف إقليمي عربي

وفي الجلسة الافتتاحية للقمة الثلاثية بالعاصمة العراقية، بغداد، قال السيسي أثناء زيارته، والتي تعدّ الأولى لرئيس مصري، منذ ثلاثة عقود: "هذه القمة التاريخية التي يحتضنها العراق، والتي تأتي استكمالاً لما تحقق خلال قمتي القاهرة وعمّان، نأمل أن تكون بحقّ تدشيناً لمرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية والتعاون الوثيق بين بلداننا، سعياً نحو الانطلاق، خلال السنوات القادمة، إلى مرحلة التنمية المستدامة والرخاء لشعوبنا، فضلاً عن المساهمة في دعم العمل العربي المشترك، والعمل على صيانة الأمن القومي العربي؛ فمصر تسعى لخير المنطقة وشعوبها وتمدّ دائماً جسور التعاون والإخاء لمحيطها العربي".

 القمة الثلاثية جمعت القاهرة وبغداد وعمّان

وأضاف: "أعيد التأكيد على قوة التزامنا بالتعاون الثلاثي بين دولنا، وما يحظى به هذا الأمر من أولوية متقدمة لدينا، وما نوليه له من أهمية قصوى، ولذلك فإنّنا نسعى، وكلنا ثقة بأنّ هذا الأمر يشكل هدفاً مشتركاً للجميع، إلى تجسيد التعاون الثلاثي بيننا ووضعه موضع التنفيذ على أرض الواقع من خلال الشروع في تنفيذ حزمة المشروعات الإستراتيجية التي تم الاتفاق عليها، وذلك مع إدراكنا للظروف الراهنة المرتبطة بتفشي جائحة كورونا وما صاحبها من إجراءات احترازية وتداعيات اقتصادية".

اقرأ أيضاً: هل أغفلت القمة الثلاثية في بغداد انتقاد تركيا وإيران؟

في الفترة بين آذار (مارس) 2019 وآب (أغسطس) العام الماضي، تعددت اللقاءات الرسمية بين وزراء خارجية وقادة الدول الثلاث لجهة مناقشة مشروع "المشرق الجديد"، أو "الشام الجديد"، والذي سبق أن تحدّث عنه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قبل نحو عامين، ويهدف من خلاله إلى تدشين تحالف إقليمي عربي، بمقدوره تحقيق توازن في المنطقة أمام التدخلات الخارجية، إضافة إلى تحقيق التنمية والأمن.

مشروع الشام الجديد

وأوضح الكاظمي في أعقاب القمة الثلاثية التي انعقدت في العاصمة الأردنية، عمّان، عام 2019، أنّ "مشروع الشام الجديد سيقوم على أساس التفاهمات الاقتصادية والسياسية بين العراق ومصر والأردن، فالمشروع يتبنى رؤية تنطلق وفق ثلاثة مرتكزات ومحددات، تتمثل في أنّ مصر تمثل كتلة بشرية، والكتلة النفطية في العراق، بينما الأردن هو نقطة التواصل المشترك بينهما. وسيتم مدّ خطّ أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، مروراً بميناء العقبة في الأردن، وينتهي في مصر"، بالتالي؛ سيعتمد المشروع على "الربط بين مصر التي تمثل كتلة سكانية كبيرة، ولديها خبرات في العديد من المجالات، فضلاً عن موقعها على البحر المتوسط، والعراق الذي يمتلك موارد نفطية كبيرة، والأردن الذي يملك مزايا اقتصادية جيدة".

التحالف الثلاثي يرتكز على عناصر تكاملية، هي؛ النفط والطاقة والنقل وتجارة السلع والعمالة، حيث سيمدّ خطّ أنبوب نفطي من ميناء البصرة، وصولاً إلى العقبة، ومن ثم إلى مصر

وفي ختام الاجتماع الذي جمع رئيس الوزراء العراقي بالرئيس المصري والعاهل الأردني، عبد الله الثاني، قال الكاظمي إنّه تمت الموافقة على "مواصلة التنسيق حول عدد من الملفات الإقليمية؛ كالملف السوري والليبي، وكذلك اليمني والفلسطيني، وعلى صياغة رؤية مشتركة حول هذه القضايا من خلال التعاون والتنسيق من أجل مساعدة أشقائنا في هذه الدول على مواجهة هذه التحديات".

وتابع الكاظمي: "ركزنا على الاستثمار والتعاون الاقتصادي، واتفقنا على رؤية مشتركة، ونجحنا في الوصول إلى تصورات محددة، ونحن، الآن، في مرحلة الوصول إلى تنفيذ هذه المشروعات، في مجالات الربط الكهربائي والزراعة والنقل، إضافة إلى مسألة الأمن الغذائي التي طرحها الملك عبدا لله الثاني في لقاء القمة السابق".

اقرأ أيضاً: ما حقيقة المباحثات السرية بين الرياض وطهران في بغداد؟

وبحسب البيان الختامي لقمّة بغداد، فإنّه تمّ الاتفاق على "التنسيق الاستخباراتي بين الدول الثلاث لمكافحة الإرهاب، وبحث جهود التوصل لحلّ سياسي لأزمة اليمن، والبدء بتنفيذ مشروع المدينة الاقتصادية العراقية المصرية الأردنية".

مصر العراق الأردن.. وحدة سياسية

وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير الدكتور أيمن سلامة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أنّ التحالف المصري العراقي الأردني إنّما يعكس عدة حقائق، سياسية وميدانية، تبرزها المشتركات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بين الدول الثلاث، الأمر الذي يعزز قدراتهم على تجسير العلاقات والتعاون المتبادل.

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة

ويردف سلامة: " أصبح محور الأردن العراق مصر شاهداً ومعلماً متميزاً في مسيرة العمل العربي المشترك؛ إذ تعدّ القمة الثلاثية في بغداد، التي انعقدت الأحد الماضي، بمثابة صورة نهائية للقاءات المكثفة التي بدأت قبل عامين؛ أولها بمصر في آذار (مارس) 2019، والثانية في أيلول (سبتمبر) من العام ذاته، والثالثة في عمّان آب (أغسطس) 2020؛ وتستهدف التعاون في مختلف المشروعات، والتي لا تقتصر على الطاقة والربط الكهربائي، بل يمتدّ التعاون إلي مناطق وميادين أخرى، منها مثلاً؛ مكافحة  الإرهاب والزراعة والري والطاقة والغاز والأمن".

اقرأ أيضاً: الكاظمي يوبّخ طهران عشية الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن

ويرى مركز الإمارات للسياسات؛ أنّ مشروع "الشام الجديد" "يركز على التعاون الاقتصادي وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة، في خطة ستكون تدفقات رأس المال والتكنولوجيا فيها أكثر حرية، ويتوقع أن يشجع الدول الأخرى على ضخّ استثمارات جديدة في المنطقة"، لافتاً إلى أنّه سوف يجري "بناء التحالف على تفاهمات اقتصادية بين الدول الثلاث، التي يبلغ الناتج المحلي لها معاً نحو 570 مليار دولار، بحسب بيانات البنك الدولي".

التنمية والأمن الإقليمي

ووفق مركز الإمارات، فإنّ "التحالف يرتكز على عناصر تكاملية، هي؛ النفط والطاقة والنقل وتجارة السلع والعمالة، حيث سيمدّ خطّ أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن، ومن ثم إلى مصر. وبينما يحصل الأردن على النفط العراقي بسعر أقل من سعر السوق الدولي، فضلاً عن رسوم العبور، تستفيد مصر من عملية تكرير جزء من النفط العراقي على أراضيها، في حين يستورد العراق الكهرباء من مصر، كما يمكنه الاستفادة من الخبرات المصرية في عملية إعادة الإعمار، وستتم الاستفادة من إمكانيات الأردن في مجال النقل، نظراً لامتلاكه قدرات كبيرة في هذا المجال، إضافة إلى تصدير السلع من الأردن ومصر إلى العراق".

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية الدكتور أيمن سلامة لـ"حفريات": عمق العلاقات التاريخية بين البلدان الثلاثة التي وصلت إلى حدّ الوحدة السياسية يساهم في تمتين العلاقات وتقويتها

الدكتور أيمن سلامة يعتقد أنّ عمق العلاقات التاريخية بين البلدان الثلاثة والتي وصلت في عقود سابقة إلى حدّ الوحدة السياسية يساهم بالضرورة في تمتين العلاقات وتقويتها، ويتابع: "عزلت عوامل عديدة العراق عن التفاعل ومحيطه الإقليمي العربي والدولي، ومن بين هذه العوامل انشغال العراق بالحرب ضدّ تنظيم داعش الإرهابي، ثم سيطرة مجموعة من الحكومات الطائفية في العراق، والتي خضعت لهيمنة طهران، السياسية والإقليمية، ومن ثم، سلمت قراراتها المصيرية إلى النظام الإيراني، ولذلك تعدّ المبادرات الأردنية والمصرية لتجسير أطر التعاون الإستراتيجي مع العراق عاملاً مهماً ورئيساً في إنهاء عزلة بغداد التي استمرت لعقود".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية