قصة 5 مشاريع لتوطين اليهود خارج فلسطين.. لماذا لم تنجَز؟

قصة 5 مشاريع لتوطين اليهود خارج فلسطين.. لماذا لم تنجَز؟

قصة 5 مشاريع لتوطين اليهود خارج فلسطين.. لماذا لم تنجَز؟


18/10/2023

مع تزايد الاضطهاد والاعتداءات على اليهود في روسيا، أواخر القرن التاسع عشر، اندفعت أعداد كبيرة منهم للهجرة باتجاه مناطق وسط وغرب أوروبا، وفي حين حاول البعض الاندماج في المجتمعات الأوروبية، رأى آخرون أنّ اندماج اليهود بأعدادهم الكبيرة في المجتمعات الأوروبية مستحيل، خصوصاً مع ازدياد مستوى معاداة الساميّة، وسعوا بذلك للبحث عن خيار خارج أوروبا، وتأملوا أن يكون لهم بالإمكان تأسيس وطن قومي خاص بهم، ورغم حصر المشروع نهايةً بها، لم تكن فلسطين هي الخيار الوحيد، وإنما تكاثرت الخيارات والاقتراحات، وامتدت من اليابان حتى البرازيل، ونذكر هنا قصة خمسة مشروعات منها:
الأرجنتين.. قصة مشروع "غير صهيوني"
أدرك القادة اليهود من الاتجاه المؤمن بضرورة تأسيس دولة يهودية خارج حدود القارة الأوروبية، أنّ المهمة لن تكون سهلة، ولن تأتي دفعة واحدة، وإنما سيكون عليهم قطع الطريق عبر اتباع نموذج الاستعمار بما يتضمنه من هجرة تدريجية منظمة مقترنة بممارسة أنشطة اقتصادية في الأرض الجديدة، وخصوصاً النشاط الزراعي، وبالتالي بات نموذج "الاستعمار الزراعي" هو المعتمد لدى المؤمنين بخيار الدولة اليهوديّة.

كان اليهود يصلون إلى الأرجنتين في الفترة بين 1906 و1912 بمعدل 13 ألفاً كلّ عام

وهنا برزت جهود رجل الأعمال اليهودي الألماني، موريس دي هيرش، الذي قام بتأسيس جمعية مخصصة لتلك الغاية باسم "الجمعية اليهودية للاستيطان"، عام 1891، ولم تكن هذه الجمعية صهيونية؛ بمعنى أنّها لم تكن تسعى لهجرة اليهود إلى فلسطين تحديداً، وإنما كانت تسعى لهجرتهم إلى أيّ مكان يتاح لهم استعماره زراعياً عبر إقامة المستوطنات الزراعية.
تبنّت الجمعية مشاريع عديدة لتوطين اليهود، بما في ذلك مشاريع لإنشاء مستوطنات زراعيّة يهودية في كندا، والولايات المتحدة، وكان من بين أهم المشاريع التي عملت عليها؛ مشروع توطين اليهود في الأرجنتين، وجاء المشروع وفق خطة عمل شملت مفاوضة الحكومة الأرجنتينية، لاستعمار ما يقارب (3.75) مليون هكتار، وكانت الحكومة آنذاك تتبنى سياسة الباب المفتوح لغايات جذب المهاجرين وإعمار البلاد، كما تضمّنت مفاوضة روسيا القيصريّة للسماح بهجرة ثلاثة ملايين يهودي، على امتداد خمسة وعشرين عاماً.
أُنشئت مستوطنة "موزيز فيل" في إقليم "سانتا في" الزراعي الخصب، شمال البلاد، كأول مستعمرة زراعية يهودية في الأرجنتين، ومن ثم بدأت تتوالى المستوطنات، وعام 1896؛ نشر ثيودور هرتزل كتابه الأشهر "دولة اليهود" واختار الأرجنتين في كتابه لتكون أحد المواقع المقترحة لإقامة الدولة اليهودية، ومع حلول عام 1914 امتدت المستوطنات إلى مقاطعات أخرى بما فيها "بيونس آيرس"، وبحسب موسوعة "المسافر اليهودي" (تحرير المؤرخ آلان تيجاي)؛ فقد كان اليهود يصلون إلى الأرجنتين في الفترة ما بين 1906 و1912، بمعدّل ثلاثة عشر ألفاً في العام، وفي عام 1920 تجاوز عدد اليهود المقيمين في الأرجنتين مئة وخمسين ألفاً.

اقرأ أيضاً: هذه أبرز محطات الاستيطان قبل "الدولة اليهودية"
ورغم أنّ منظمة غير صهيونيّة هي التي أسّست الاستيطان اليهودي بالأرجنتين إلا أنّ يهود الأرجنتين مالوا تدريجياً بولائهم السياسي والأيديولوجي، منذ العشرينيات، نحو الصهيونيّة، وبالتالي بدؤوا بتقبّل فكرة الهجرة إلى أرض فلسطين، وفي حين بلغ التعداد اليهودي بالأرجنتين ذروته، مع نهاية الأربعينيات، في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ حين وصل لحدود الأربعمئة ألف، بدأ العدد بالتراجع منذ الخمسينيات مع بدء أعداد منهم بالمغادرة باتجاه "دولة إسرائيل" بعد إعلان قيامها، عام 1948، وأثناء فترة حكم الطغمة العسكرية بالأرجنتين، خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تراجعت الأوضاع والاقتصادية بالأرجنتين، وازدادت معدّلات الهجرة بين اليهود من الأرجنتين باتجاه "إسرائيل"، وفي أعقاب الأزمة السياسية والاقتصادية الأرجنتينية خلال الفترة بين 1999–2002، هاجرت أعداد كبيرة من اليهود الأرجنتينيين إلى "إسرائيل"، وتولّت الوكالة اليهودية تنظيم حملة لتشجيع هذه الهجرة، ورغم ذلك؛ تضمّ الأرجنتين، اليوم، أكبر تجمّع من اليهود على مستوى أمريكا اللاتينية، ويبلغ تعدادهم نحو ثلاثمئة ألف.

منشور يروّج لاستيطان اليهود الزراعي في الأرجنتين

مشروع سيناء.. قبله تشمبرلين ورفضه كرومر
أثناء عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية، عام 1897، والذي عقد على أساس تبني مشروع إيجاد دولة يهودية، طُرحت "سيناء" كأحد المواقع المقترحة لإنشاء الدولة اليهودية المنتظرة، وذلك باعتبار قربها الجغرافي من أرض فلسطين، فيكون الاستقرار بها بمثابة مقدمة للوثوب لها، والتوسّع باتجاهها، خصوصاً مع الصعوبات التي كانت تواجه مسار الاستيطان داخل أراضي الدولة العثمانية آنذاك، وما زاد من اقتناع الصهاينة بالمشروع؛ أنّ مصر كانت واقعة آنذاك تحت الاحتلال الإنجليزي، وكان المنظّر الصهيوني "ديفيز تريتش" قد أعدّ دراسة لهذا المشروع، باعتبار أنّ تصوّره لـ "فلسطين الكبرى" اليهوديّة كان يشمل سيناء وقبرص أيضاً.

اقرأ أيضاً: مملكة الخزر.. هل هي أصل اليهود الأشكناز؟
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1902؛ التقى ثيودور هرتزل، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، بوزير المستعمرات البريطاني آنذاك، جوزيف تشمبرلين، وعرض عليه مقترح توطين اليهود في إحدى المستعمرات البريطانية، وبالتحديد في سيناء بمصر، مبيناً له الفائدة التي تعود على المصالح البريطانية إذا تحققت مثل هذه الدولة؛ عبر كسب بريطانيا ولاء عشرة ملايين يهودي، سيكونون رهن إشارة منها، وكانت النتيجة أن اقتنع تشمبرلين بالمشروع؛ وذلك لأنّه يحقق لبريطانيا أهدافاً إستراتيجية، منها: ضمان حماية شرق قناة السويس، وعزل مصر عن الولايات العربية في غرب آسيا، وإضعاف الدولة العثمانية.
وفي كانون الثاني (يناير) 1903، تمّ تأليف لجنة من الخبراء تكون مهمتها دراسة إمكانيّة استيطان القسم الشمالي من شبه جزيرة سيناء، والبحث في الوسائل والإمكانيات التي تسمح باستعمار ذلك الجزء، بما في ذلك البحث في أفضل الوسائل لريّ الصحراء ودراسة إمكانية ضخّ مياه النيل، وخرجت اللجنة بعد الدراسة بنتائج إيجابية.

اقرأ أيضاً: ترامب يتعرض لــ "ولاء" اليهود.. "ويهزم سردية إسرائيل"
رغم ذلك؛ تعثّرت المفاوضات النهائية مع الحكومة البريطانية في مصر، بقيادة اللورد كرومر، بعد رفضها تقديم الإمدادات المائية من نهر النيل، وذلك بسبب التخوّف من قيام ثورة عارمة في مصر؛ إذ إنّ المشروع في حاجة إلى كميات كبيرة من مياه النيل التي هي بمثابة عصب الحياة للفلاح المصري، إضافة إلى شعور كرومر بأنّ المشروع قد يؤدي إلى خلق متاعب للحكم البريطاني في مصر مع الدولة العثمانية، التي كانت معارضة للمشروع، باعتباره يشكّل تهديداً مباشراً لممتلكاتها في فلسطين والحجاز.

بلدة العريش في شمال سيناء عام 1916

مشروع أوغندا.. لماذا أحدث شرخاً في المنظمة الصهيونية؟
وفي إطار السعي لتطبيق برنامج مؤتمر بازل، القاضي بإيجاد دولة لليهود، وبعد فشل مشروع الاستيطان اليهودي في شمال سيناء، أراد وزير المستعمرات البريطاني تشمبرلين، تعويض الحركة الصهيونية، وتقديم مقترح بديل لهم، وعام 1903؛ عرض على هرتزل مقترح استيطان اليهود في بعض أجزاء الإمبراطورية البريطانيّة في شرق أفريقيا، وبالتحديد في منطقتَي؛ كينيا وأوغندا، وكان لبريطانيا مصالح متعددة من وراء مثل هذا المشروع؛ فقد كان هناك تزايد في النشاط الاستعماري، الألماني والإيطالي، في منطقة شرق أفريقيا، فسعى البريطانيون إلى تعزيز مستعمراتهم عبر استقطاب المزارعين اليهود ورأس المال اليهودي إليها.

لم يتقبل تيار صهاينة صهيون مشروع أوغندا ووجهوا إنذاراً نهائياً إلى هرتزل بالتخلي عنه

وعندما انتقل المشروع إلى النقاش في أروقة المنظمة الصهيونية، وعُرض على المجتمعين، في المؤتمر الصهيوني السادس، حدث انقسام حادّ إزاءه، بين أنصار هرتزل والمشروع من جهة، والصهاينة المتمسكين باستيطان فلسطين من جهة أخرى، إلى أن طُرح حلّ وسط يقضي باعتماد مشروع أوغندا كمشروع مؤقت إلى حين الانتقال إلى المشروع النهائي في فلسطين، لكن حتى هذا الحلّ لم يتقبله التيار المعارض فخرجوا من قاعة المؤتمر ووجهوا إنذاراً نهائياً إلى هرتزل بالتخلي عن مشروع أوغندا، بل أطلق أحد الشباب المعارضين النار داخل المؤتمر باتجاه الزعيم الصهيوني، ماكس نوردو، الذي كان مؤيداً للمشروع، لكنّه أخطأه، بعد ذلك بعام واحد سحبت الحكومة البريطانية عرضها، ومات تيودور هرتزل، فانتهى أمر المشروع.

اقرأ أيضاً: كيف أقام الانتداب البريطاني وطناً قومياً لليهود في فلسطين؟
وإثر الانقسام حول هذا المشروع حصل الانقسام والتباين إلى تيارين داخل المنظمة الصهيونية: الأول الداعم للمشروع، والذي ستنشأ عنه لاحقاً "المنظمة الإقليمية اليهودية"، التي سعت لإيجاد وطن قومي لليهود في أيّة بقعة على الأرض، وعدم حصر الخيارات في فلسطين، والثاني الذي عرف بـ "صهاينة صهيون"، وهم المتمسكون بالخيار الفلسطيني حصراً.

المؤتمر الصهيوني السادس (1903) شهد انقساماً حاداً عندما طرحت خطة مشروع أوغندا

خطة للاستيطان في ليبيا.. رفضها الطليان وقبل بها العثمانيون
وفي الفترة ذاتها تقريباً، وفي إطار المساعي الدؤوبة لإقامة دولة يهودية، قدم هرتزل مقترحاً إلى فيكتور إيمانويل الثالث، ملك إيطاليا، لتوطين اليهود في طرابلس الغرب، وتأسيس حكم ذاتي يهودي بإشراف إيطالي، وكان هرتزل على علم بما لدى إيطاليا من طموحات استعمارية فأراد أن يوظّفها، لكن الملك تحفّظ على المشروع خوفاً من معارضة فرنسا وبريطانيا صاحبتا الأطماع الواسعة في البحر الأبيض المتوسط.
وفي عام 1906، وبعد وفاة هرتزل بعامَين؛ جدّدت الحركة الصهيونية طلبها لاستيطان ليبيا، ولكنّها هذه المرة اتجهت به إلى السلطات العثمانية، والتي كانت آنذاك مرحّبة مبدئياً بفكرة إنشاء وطن يهودي في ولاية بُرقة (شرق ليبيا)، وذلك بغرض منع إيطاليا من التدخل في ليبيا، ولاقت الخطة تشجيعاً من بريطانيا، التي وجدت فيها فرصة كذلك لتحقيق الغرض ذاته.

اقرأ أيضاً: هل يكرّر يهود إثيوبيا في إسرائيل تجربة جنوب إفريقيا للتخلّص من العنصرية؟
وبهدف دراسة المشروع والتحقق من مدى إمكانية تحقيقه على الأرض، توجه ناحوم سلاوش، أستاذ الأدب العبري في جامعة السوربون، والخبير في شؤون يهود شمال أفريقيا، إلى ليبيا، وأمضى فيها مدة عامَين، وخلص إلى تقديم تقرير إيجابي تلقّفته "المنظمة الإقليمية اليهودية"، وأرسلت إثره بعثة تضمّ خبراء في الزراعة والهندسة لتقديم دراسة أخرى، لكنّ التقرير الذي أصدرته البعثة تضمّن نتائج جاءت مخيبة للآمال، وبالتحديد فيما يتعلق بعدم توافر مياه جوفية في بُرقة، رغم ذلك لم تيأس المنظمة من المشروع تماماً، لكنّ وفاة رجب باشا، والي برقة المرحِّب بالمشروع، ومن ثم غزو إيطاليا لليبيا، عام 1911، أدّى إلى وأد المشروع.

أعضاء المنظمة الإقليمية اليهودية التي سعت لإيجاد وطن لليهود خارج فلسطين

مدغشقر.. خطة نازيّة للخلاص من اليهود!
خلال الثلاثينيات، ومع تصاعد الاضطهاد النازي لليهود في ألمانيا؛ برز التفكير لدى الحكومتين؛ الفرنسية والبولندية، بضرورة تعجيل إيجاد حلّ لليهود في أوروبا، وعام 1937؛ فوّضت الحكومة الفرنسية فريق عمل لدراسة إمكانية توطين يهود بولنديين في جزيرة مدغشقر التي كانت خاضعة منذ عام 1896 للاستعمار الفرنسي.
وفي عام 1940 احتلّ النازيون الألمان فرنسا، وبالتالي أصبحت مستعمراتها خاضعة لهم، وفي ذلك الوقت كان فرانز راديماخر، رئيس القسم اليهودي بوزارة الخارجية الألمانية، قد أعلن أنّ الحلّ الوحيد البديل عن إبادة اليهود هو إبعادهم خارج أوروبا، وبعد استسلام فرنسا أوصى مباشرة بأن تكون مدغشقر هي وجهة اليهود،  بدلاً من فلسطين، التي كانت آنذاك تحت السيطرة البريطانية، وقدّم راديماخر تصوّرات تفصيليّة للخطة، شملت مقترح تأسيس بنك أوروبي، يتم تمويله عبر تصفية جميع الأصول اليهودية، ويتولى دفع تكاليف الخطة، ثم يقوم بدور وسيط بين مدغشقر اليهودية وبقية العالم.

اقرأ أيضاً: طريق الحجاج: محاولة إسرائيلية بائسة لخلق تاريخ مزيف لليهود
أما عن عملية الإخلاء والترحيل التي تتطلب أعداداً كبيرة من السفن، فكان المتوقع أن تتم عبر السفن البريطانية بعد نجاح غزو بريطانيا في عملية "أسد البحر"، لكنّ اندلاع عملية "بارباروسا"، في حزيران (يونيو) عام 1941، وبدء غزو دول المحور للاتحاد السوفييتي، أدّى إلى التوقف عن غزو بريطانيا وتأجيله، وبالتالي تمّ إيقاف خطة مدغشقر، واستؤنفت إقامة الجيتوهات في وارسو ومدن أخرى، وتمّت أرشفة الخطة رسمياً في وزارة الخارجية، في شباط (فبراير) 1942، وفي العام ذاته تمكّنت القوات البريطانية من السيطرة على الجزيرة وانتزاعها من حكم النازيين، وبالتالي كان مصير الخطة الانتهاء بشكل تام.

المواقع المقترحة (باللون الأحمر) للاستيطان اليهودي في مدغشقر



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية