قبيل الانتخابات الرئاسية... إخوان الجزائر ومحاولات إعادة التموضع السياسي

قبيل الانتخابات الرئاسية... إخوان الجزائر ومحاولات إعادة التموضع السياسي

قبيل الانتخابات الرئاسية... إخوان الجزائر ومحاولات إعادة التموضع السياسي


12/02/2024

لم تكن جماعة الإخوان في الجزائر بمنأى عن المأزق التنظيمي الذي تعيشه الجماعة الأم منذ العام 2013، بعد السقوط عن الحكم في مصر، وما تبعه من تداعيات على نشاط الإخوان بمختلف الدول العربية، وصولاً إلى خروج حركة (النهضة)، ذراع الإخوان في تونس، الأكثر ارتباطاً بالجزائر، من الحكم، إثر قرارات الرئيس قيس سعيّد الثورية في 25 تموز (يوليو) 2021. واليوم وفي خضم زخم المشهد السياسي بالبلاد، المتزامن مع التحضير للانتخابات الرئاسية المرتقبة العام الجاري، تبدو حركة مجتمع السلم (حمس) مستعدة لبدء مشروع سياسي جديد، ربما لم تضح ملامحه بعد لكن من الممكن التنبؤ به. 

بمقارنة الحالة التنظيمية للإخوان بشمال أفريقيا، وهي منطقة نفوذ لا يُستهان بها بالنسبة إلى جماعة الإخوان، يبدو فرع جماعة الإخوان داخل الجزائر الأقلّ تضرراً جراء الإجراءات الحاسمة ضدّ نشاط التنظيم بمختلف الدول العربية خلال الأعوام الماضية، فرغم فشل التنظيم في حشد الأصوات والأداء الضعيف في الانتخابات البلدية عام 2017، نجحت الحركة في تحسين أدائها في الانتخابات الجزئية 2021، وفازت بنحو (239) مقعداً في الولايات، ثم الفوز بـ (65) مقعداً في مجلس الأمة، في الانتخابات التي جرت في 2022، وعليه فإنّ الذراع الإخوانية ما تزال قادرة وبشكل كبير على ممارسة العمل السياسي، مقارنة بنظائرها في تونس والمغرب. 

خارطة التحرك الراهنة

على النقيض من موقفها السابق في عام 2019 من الانتخابات الرئاسية، أعلنت حركة مجتمع السلم (حمس)، الذراع السياسية لإخوان الجزائر، على لسان رئيسها عبد العالي حساني، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أنّها معنية بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة في البلاد بما فيها الانتخابات الرئاسية، ووصف حساني الحركة بأنّها "حزب سياسي محوري له دوره وموقعه السياسي في الداخل الجزائري". 

وبالتزامن مع التحضيرات للانتخابات الرئاسية، يعكف حساني، وهو الرئيس المنتخب حديثاً لـ (حمس) في آذار (مارس) الماضي، على صياغة خارطة أهداف جديدة للحركة، يسعى من خلالها للعودة التدريجية إلى المعترك السياسي، محاولاً تجاوز أخطاء المرحلة الماضية والاستفادة من تجارب سابقيه، بالاعتماد على قدر عالٍ من المرونة في خطابه إلى السلطة، ومغازلة الشارع السياسي بالحديث الدائم عن الحريات ودعم المشاركة السياسية. 

 حركة مجتمع السلم (حمس)

وقد عبّر حساني منذ الساعات الأولى لتوليه رئاسة الحركة عن نهجه في التعامل مع السلطة داخل البلاد، وقال في أول خطاب له بعد تزكيته: إنّ "حركته مستعدة للعمل مع الجميع من أحزاب وسلطة ومجتمع مدني في إطار مبدأ الحوار الذي تعتمده."

خلال اجتماع مجلس الشورى لحركته، منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، طالب حساني بـ"ضرورة حماية كافة أشكال الحريات الفردية والجماعية التي كفلها الدستور"، مشيراً إلى أنّ "الدعوة مستمرة لفتح المجال السياسي، خاصة ونحن مقبلون على عام انتخابي يقتضي تكريساً واسعاً للحريات وحرية الممارسة السياسية والإعلامية".

 

على النقيض من موقفها السابق عام 2019 بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، أعلنت حركة مجتمع السلم (حمس)، الذراع السياسية لإخوان الجزائر، على لسان رئيسها عبد العالي حساني، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أنّها معنية بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة في البلاد بما فيها الانتخابات الرئاسية

 

وقال: إنّ "حزبه يدعو إلى الالتقاء على رؤية توافقية تجنب البلاد المخاطر الاقتصادية والإكراهات الاجتماعية والتحديات الخارجية، وتسمح بالنقاش المسؤول حول الآفاق والرهانات، وتستهدف حماية البلاد"، معتبراً أنّ حركته قد اختارت "مقاربة سياسية قائمة على أن تبقى قوة تدافع عن الحريات، ولها رأي مخالف من منطلق الاختلاف في تشخيص الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتنموي ووضع الحريات العامة في البلاد."

هل تدفع الحركة بمرشح رئاسي؟ 

عبّر الرئيس السابق للحركة الإخوانية عبد الرزاق مقري (63 عاماً) خلال مقابلة تلفزيونية عن رغبته "في الترشح للانتخابات الرئاسية"، معتبراً ذلك من حقه "نظراً لكونه في العمل السياسي منذ نصف قرن، إلا أنّه لم يعلن عن ترشحه لكون مثل هذا القرار يُتخذ فقط من خلال المجلس الموسع للحزب".

وقال مقري: "أنا لم أعلن ترشحي للانتخابات الرئاسية، وهذا قرار يتخذه الحزب ضمن مجلسه الموسع، بل عبّرت عن رغبتي في الترشح، وهذا حق من حقوقي، وعبّرت عن قدرتي على خدمة البلد إن أتيحت الفرصة لأكون رئيساً للدولة، وهذا عمل مشروع باعتباري في العمل السياسي منذ نصف قرن".

وقد جاءت التصريحات على خلفية حالة الجدل التي أثارها قرار منعه من السفر إلى قطر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي للقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

يقول الباحث المختص بالإسلام السياسي وحركات الإرهاب أحمد سلطان لـ (حفريات): إنّ (حمس) منخرطة بالفعل في العملية السياسية بالداخل الجزائري، وتُعدّ من الحركات الإسلامية المؤثرة، وإن كانت قد تأثرت بالانقسامات البينية بين مختلف تيارات الإخوان، بين المؤيدين للتنظيم الدولي وأنصار النشاط داخل الإطار القومي. 

ويضيف: "النظام السياسي الجزائري للحركة في الوقت الراهن يتسم بالتحرك والمناورة، لكن من غير المتوقع أن تدفع الحركة بمرشح للانتخابات الرئاسية، حتى لا تتصادم مع النظام الحالي، وهي تفضل العمل في الإطار المرسوم لها دون الخروج عليه، وربما تهتم بشكل أكبر  بإعادة هيكلة نفسها من الداخل واستقطاب عناصر جديدة."

بحسب سلطان، ستظل الحركة حريصة على التماهي مع معطيات المشهد السياسي الراهن في الداخل الجزائري، دون الخروج عن الإطار الحالي، ودون رغبة في الصدام مع الشارع أو النظام الراهن، بالعكس ستسعى لاحتواء أخطاء الماضي والبدء بمشاريع سياسية تحت الغطاءات المسموح بها.

فقدان الحاضنة الشعبية

تبدو مهمة حساني في إعادة دمج الحركة الإخوانية بالمشهد السياسي داخل الجزائر صعبة، فهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث القوة السياسية داخل البرلمان الجزائري بـ (65) مقعداً، يتقدمها حزب جبهة التحرير الوطني بـ (98) مقعداً، وكتلة الأحرار بـ (84) مقعداً.

ورغم أنّ توجه الحركة التي أسسها الراحل محفوظ نحناح يقوم بالأساس على المشاركة الواسعة بالانتخابات، على النقيض من الأحزاب الراديكالية التي ترفض ذلك، فقد قاطعت الانتخابات الرئاسية لعام 2019 وامتنعت عن تقديم مرشح عنها، بيد أنّها  دعت أعضاءها إلى المشاركة والتصويت لمن يشاؤون.

 

أحمد سلطان: النظام السياسي الجزائري للحركة في الوقت الراهن يتسم بالتحرك والمناورة، لكن من غير المتوقع أن تدفع الحركة بمرشح للانتخابات الرئاسية، حتى لا تتصادم مع النظام الحالي، وهي تفضل العمل في الإطار المرسوم لها دون الخروج عليه

 

وأبدت الحركة منذ 2019 معارضة معتدلة داخل البرلمان، لكنّها حرصت على حضور كافة اللقاءات التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون، وقد كان محور الخلاف الأبرز معه هو مشروع الدستور الذي طرح عام 2020، وقد رفضت الانضمام إلى الحكومة بعد الانتخابات، واكتفت بالمعارضة من داخل البرلمان. 

تفكك تنظيمي 

مثل كافة أفرع الإخوان، تعاني (حمس) من الانهيارات التنظيمية والتفكك الداخلي، وقد بدا ذلك واضحاً في مؤتمرها العام الأخير في آذار (مارس) الماضي، إبّان ذلك تحدثت تقارير عن انقسامات داخل الحركة بشأن المشاركة السياسية وموقعها من خارطة العمل الحزبي داخل البلاد، وطالبوا بالعودة إلى النهج التنظيمي الذي كان يتبنّاه الرئيس السابق للحركة أبو جرة سلطاني الذي قادها خلال الفترة الممتدة بين 2003 و2012، وهو التوجه ذاته الذي يعمل عبد العالي حساني على صياغته.

وكانت (حمس) قد فكت في حزيران (يونيو) 2022 ارتباطها بالجهاز التنفيذي، بعد (17) عاماً من وجودها ضمنه منذ 1995، كما أنهت العلاقة التي كانت تربطها سياسياً مع التحالف الرئاسي، وحزبي السلطة: (جبهة التحرير الوطني)، و(التجمع الوطني الديمقراطي) المعروف اختصاراً بـ "الأرندي"، تنديداً بما "اعتبرته تزويراً للانتخابات التشريعية التي أجريت في أيار (مايو) 2012"، بحسب تقرير لصحيفة (النهار). 

مواضيع ذات صلة:

كيف وصف الناشطون أداء الإخوان في الجزائر؟

الجزائر: ما تداعيات الرسالة الإخوانية إلى الرئيس تبون؟

الجزائر: كيف رد الناشطون على دعوة الإخوان للتظاهر مجدداً لأجل غزة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية