في مواجهة التطرف... شراكة استراتيجية بين بيبيور إنترناشيونال والمجلس العالمي للتسامح والسلام

في مواجهة التطرف... شراكة استراتيجية بين بيبيور إنترناشيونال والمجلس العالمي للتسامح والسلام

في مواجهة التطرف... شراكة استراتيجية بين بيبيور إنترناشيونال والمجلس العالمي للتسامح والسلام


01/06/2025

في خطوة تاريخية تؤكد الالتزام بمواجهة التحديات العالمية المرتبطة بالصراعات الدينية، أعلنت منظمة (بيبيور إنترناشيونال) عن توقيع شراكة استراتيجية مع المجلس العالمي للتسامح والسلام GCTP)) يوم الأربعاء 28 أيّار (مايو) الماضي، في مقر مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بمدينة جنيف. 

تأتي هذه الشراكة لتكريس جهود مشتركة تهدف إلى معالجة الجذور العميقة للصراعات الناتجة عن الاستغلال السياسي للأديان، وتعزيز ثقافة السلام والعدالة على المستوى العالمي، في سياق يشهد تصاعدًا مقلقًا في خطابات الكراهية والتطرف.

نحو عهد جديد للتسامح

شهدت قاعات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لحظة مهمّة تمثلت في توقيع مذكرة تفاهم بين رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام، معالي السيد أحمد الجروان، ومؤسس وأمين عام منظمة (بيبيور إنترناشيونال) السيد سلام سرحان. هذا الحدث، الذي تزامن مع ندوة رفيعة المستوى نظمها المجلس بالتعاون مع المفوضية لدعم قضايا اللاجئين، يعكس رؤية مشتركة للطرفين تهدف إلى بناء عالم أكثر عدلًا وتسامحًا. ويأتي هذا التعاون في وقت تشهد فيه مجتمعات عديدة تفاقمًا في التوترات الناتجة عن استغلال الأديان لأغراض سياسية، ممّا يجعل هذه الشراكة خطوة استباقية لمواجهة هذه التحديات.

خلال كلمته في المراسم، أكد السيد الجروان على أهمية تشكيل "شراكة عالمية تجمع المسؤولين والمشرّعين وممثلي المجتمع الدولي لمكافحة استخدام الدين كسلاح لخدمة الأغراض السياسية". وأشار إلى أنّ هذا التعاون يمثل نقطة انطلاق لإقرار تشريعات دولية تحظر استغلال الأديان، مؤكدًا أنّ هذه التشريعات ضرورة ملحّة لحماية ضحايا الاضطهاد الديني الذين يعانون من ويلات النزاعات والنزوح في أنحاء العالم. وأضاف أنّ المجلس يسعى من خلال هذه الشراكة إلى تعزيز دوره كمنصة دولية للحوار بين الأديان والثقافات.

رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام: معالي السيد أحمد الجروان

من جانبه، شدد السيد سلام سرحان على الحاجة إلى "تطوير أدوات قانونية عالمية من خلال تشريع معاهدة دولية جديدة تركز على حظر كل أشكال الاستغلال السياسي للأديان". وأوضح أنّ هذه المعاهدة يجب أن تكون "أكثر فاعلية" في التصدي للتحديات التي تواجه المجتمعات المتضررة من الصراعات الدينية، مشيرًا إلى أنّ هذا الهدف يشكّل جوهر رؤية منظمة (بيبيور إنترناشيونال). وأضاف أنّ المنظمة ملتزمة بتطوير برامج عملية تهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية لمواجهة التطرف الديني، مع التركيز على تعزيز قيم التسامح والتعايش.

التسامح في مواجهة التطرف

تتقاطع أهداف المجلس العالمي للتسامح والسلام مع رؤية منظمة (بيبيور إنترناشيونال) في السعي إلى تعزيز ثقافة التسامح ونبذ العنف المرتبط بالاستغلال السياسي للأديان. فقد أكد الطرفان خلال مراسم التوقيع التزامهما بالعمل مع صانعي القرار والمشرّعين والمنظمات الدولية لتحقيق هذه الأهداف. وتتضمن مذكرة التفاهم إطارًا شاملًا للتعاون يشمل تنظيم فعاليات دولية، وتطوير مبادرات مشتركة تهدف إلى حماية ضحايا الاضطهاد الديني، وتعزيز قيم العدالة والمساواة.

ويرى مراقبون أنّ هذه الشراكة تمثل نموذجًا مبتكرًا للتعاون بين المنظمات الدولية التي تسعى إلى معالجة قضايا معقدة مثل الصراعات الدينية. فالاستغلال السياسي للأديان ليس مجرد تحدٍّ محلي، بل هو ظاهرة عالمية تؤثر على استقرار المجتمعات وتُسهم في تفاقم الأزمات الإنسانية. فعلى سبيل المثال، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ ملايين الأشخاص حول العالم يُجبرون على النزوح بسبب الاضطهاد الديني والعرقي، ممّا يجعل هذه الشراكة خطوة ضرورية لمعالجة هذه الأزمات من جذورها.

 ربط التسامح بقضايا اللجوء

جاء توقيع مذكرة التفاهم على هامش ندوة رفيعة المستوى نظمها المجلس العالمي للتسامح والسلام بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. وقد ركزت الندوة على قضايا اللاجئين التي تُعتبر إحدى القضايا المتشابكة مع أهداف الشراكة الجديدة. وأشار المشاركون إلى أنّ العديد من أزمات اللجوء حول العالم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراعات الدينية والسياسية، ممّا يجعل تعزيز التسامح خطوة أساسية لتخفيف معاناة اللاجئين.

خلال الندوة تم استعراض تجارب عدد من الدول والمنظمات في التعامل مع قضايا اللجوء، مع التركيز على الحاجة إلى حلول مستدامة تعالج الأسباب الجذرية للنزوح. وفي هذا السياق أكد الموقعون على مذكرة التفاهم أنّ التعاون بين المجلس و(بيبيور إنترناشيونال) سيشمل مبادرات تهدف إلى دعم اللاجئين من خلال تعزيز بيئات التسامح والتعايش في المجتمعات المضيفة. وأشاروا إلى أنّ تعزيز التسامح ليس مجرد هدف أخلاقي، بل هو ضرورة إنسانية لتقليل التوترات الاجتماعية وتعزيز الاندماج في المجتمعات التي تستقبل اللاجئين.

 خطوات مستقبلية: تشريعات عالمية ومبادرات عملية

تتضمن خطط الشراكة تنظيم فعاليات دولية تهدف إلى الترويج لتشريع قواعد عالمية تحظر استغلال الأديان سياسيًا. وتشير التصريحات الصادرة عن الطرفين إلى أنّ هذه الفعاليات ستستهدف جمع المسؤولين والمشرّعين من مختلف أنحاء العالم لوضع إطار قانوني يحمي الأفراد والمجتمعات من الاضطهاد الديني. ويسعى الطرفان إلى تعزيز الوعي العام بمخاطر استغلال الأديان من خلال حملات توعوية ومبادرات تعليمية تستهدف مختلف شرائح المجتمع.

وفي هذا الصدد أشار السيد سرحان إلى أنّ منظمة (بيبيور إنترناشيونال) تعمل على تطوير برامج تدريبية تهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من مواجهة التطرف الديني. وأوضح أنّ هذه البرامج ستُنفذ بالتعاون مع المجلس العالمي للتسامح والسلام، مع التركيز على بناء قدرات المشرّعين والمسؤولين لتطوير سياسات تدعم التسامح والتعايش. وأضاف أنّ المنظمة تخطط لإطلاق مبادرات توعوية تستهدف الشباب، الذين يُعتبرون الفئة الأكثر تأثرًا بخطابات التطرف.

مؤسس وأمين عام منظمة (بيبيور إنترناشيونال): السيد سلام سرحان

من جانبه، دعا السيد الجروان إلى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات كجزء لا يتجزأ من الجهود المشتركة لمواجهة الصراعات. وأكد أنّ المجلس سيعمل على تعزيز دوره كمنصة دولية تجمع القادة والمفكرين لمناقشة القضايا الملحّة المتعلقة بالتسامح والسلام. وأشار إلى أنّ هذه الشراكة ستمكن المجلس من توسيع نطاق تأثيره، من خلال التعاون مع منظمات دولية أخرى لتطوير حلول مبتكرة للتحديات المعاصرة.

نحو عالم أكثر استقرارًا

تُعدّ هذه الشراكة خطوة نوعية في ظل التحديات العالمية المتزايدة المرتبطة بالصراعات الدينية. ففي وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا في خطابات الكراهية والتطرف، تأتي هذه المبادرة لتقدم نموذجًا للتعاون البنّاء بين المنظمات الدولية. ويرى المحللون أنّ نجاح هذه الشراكة قد يمهد الطريق لإقرار تشريعات دولية تحدّ من استغلال الأديان، ممّا يُسهم في تقليل الصراعات وتعزيز الاستقرار العالمي.

كما أنّ اختيار جنيف، المدينة التي تُعتبر مركزًا للدبلوماسية الدولية، كموقع لتوقيع مذكرة التفاهم، يعكس الطابع العالمي لهذه المبادرة. فقد أصبحت جنيف رمزًا للحوار والتعاون الدولي، ممّا يعزز من أهمية هذا الحدث ويمنحه زخمًا إضافيًا. وتشير التوقعات إلى أنّ هذه الشراكة ستفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين المنظمات الدولية، ممّا قد يؤدي إلى إنشاء شبكة عالمية لتعزيز التسامح والسلام.

تحديات وآفاق المستقبل

على الرغم من التفاؤل الذي يحيط بهذه الشراكة، إلا أنّها تواجه تحديات كبيرة تتمثل في تعقيدات الصراعات الدينية والسياسية. فالاستغلال السياسي للأديان غالبًا ما يكون متجذرًا في ديناميكيات محلية معقدة، وهو ما يتطلب حلولًا مرنةً تأخذ في الاعتبار السياقات الثقافية والاجتماعية المختلفة. ومع ذلك فإنّ التزام الطرفين بالعمل مع المجتمع الدولي يمنح هذه الشراكة فرصة حقيقية لتحقيق تأثير ملموس.

ومن المتوقع أن تشمل المرحلة القادمة من الشراكة إطلاق مشاريع تجريبية في مناطق تشهد توترات دينية، بهدف اختبار فعالية البرامج التدريبية والتوعوية. كما يُخطط الطرفان للتعاون مع منظمات إقليمية ودولية أخرى لتوسيع نطاق هذه المبادرات، ممّا يعزز من إمكانية تحقيق تغيير مستدام.

وتُمثل الشراكة بين منظمة (بيبيور إنترناشيونال) والمجلس العالمي للتسامح والسلام خطوة طموحة نحو تحقيق عالم أكثر عدلًا وتسامحًا. ومن خلال التركيز على معالجة الجذور العميقة للصراعات الدينية، وتعزيز التشريعات الدولية، تسعى هذه الشراكة إلى بناء مستقبل يسوده السلام والتعايش. ومع التزام الطرفين بالعمل مع صانعي القرار والمجتمع الدولي، تبدو هذه المبادرة واعدة بتحقيق تأثير إيجابي على المستوى العالمي، لتكون نموذجًا يُحتذى في مواجهة التحديات المعاصرة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية