في الذكرى 61 للجمهورية: التونسيون يقفون على قدم واحدة مرتعشة

تونس

في الذكرى 61 للجمهورية: التونسيون يقفون على قدم واحدة مرتعشة


25/07/2018

واحد وستون عاماً على إعلان الجمهورية في تونس، وهي تحبو أولى دروسها لترسيخها وسط حالة من الإحساس بالضياع والعدم واللاجدوى تسيطر على نسبة كبيرة من أبنائها، أبناء الجمهورية الذين ثاروا على ما اصطلحوا عليه بـ"الجمهورية الأولى" ليدشنوا حقبة جديدة أرادوها "جمهورية ثانية" تعدل عن الانحرافات التي شهدتها البلاد غداة الاستقلال، غير أنّ حالة من الإحباط سرت في القلوب بعد أن أسفرت أول انتخابات، في أعقاب الثورة، عن فوز الإسلام السياسي بأغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي. حينها بدا لقطاع واسع من التونسيين أنّ ذلك كان مجرد خطوة ضد الجمهورية ذاتها.

بعد الثورة، عمّت حالة من الإحباط بعد فوز الإسلام السياسي بأغلبية المقاعد في الانتخابات

من الملكية إلى الجمهورية

يحتفل التونسيون في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) بعيد الجمهورية، إحياءً لذكرى إعلان الجمهورية العام 1957. فمنذ إعلان الاستقلال في 20 آذار (مارس) 1956 كانت بوصلة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة واضحة وكان المسار جلياً، سرعان ما شرع في تمهيد الطريق نحو خطوة من أهم الخطوات في طريق التحديث: إعلان الجمهورية نظاماً للبلاد.

السبسي أصدر عفواً عن مساجين بمناسبة الذكرى 61 على إعلان الجمهورية

فاز "الحزب الدستوري الجديد" برئاسة الحبيب بورقيبة بمقاعد المجلس القومي التأسيسي في شهر نيسان (أبريل) العام 1956، ثم استبدل قوات من الجيش التونسي المُنشأ حديثاً بالحرس الملكي في الخامس عشر من شهر تموز (يوليو) العام 1957، واجتمع الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد في الثاني والعشرين من الشهر نفسه، ليسفر الاجتماع عن قرار تغيير نظام الحكم.

إنهاء الملكية

في الخامس والعشرين من شهر تموز (يوليو) العام 1957 أصدر المجلس التأسيسي قراراً أعلن فيه إنهاء النظام الملكي، وأعلن الجمهورية نظاماً جديداً للبلاد، لأول مرة في تاريخها منهياً بذلك حقبة البايات التي امتدت على أكثر من قرنين ونصف القرن. وفي اليوم نفسه أرسل وفد إلى الباي محمد الأمين لإعلامه بقرار المجلس التأسيسي، وأقيل من منصبه ونقل إلى ضاحية سكرة (محافظة أريانة / شمال) التي بقي فيها تحت الإقامة الجبرية حتى العام 1960، تاريخ رفع الإقامة الجبرية عنه. وتوفي في الثلاثين من شهر أيلول (سبتمبر) العام 1962.

غداة الاستقلال شرع بورقيبة في تمهيد الطريق نحو أهم الخطوات في طريق التحديث: إعلان الجمهورية

وضم الوفد كلاً من علي بلهوان (الكاتب العام للمجلس القومي التأسيسي)، والطيب المهيري (وزير الداخلية)، وأحمد المستيري (وزير العدل)، وإدريس قيقة (مدير الأمن الوطني)، وعبد المجيد شاكر (عضو الديوان السياسي للحزب)، وأحمد الزاوش (والي تونس)، وتيجاني القطاري (آمر الحرس الوطني).

الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة

نصّ الإعلان كاملاً

وجاء في نص إعلان الجمهورية الذي صدر في اليوم التالي (26 تموز (يوليو) 1957) في الرائد الرسمي:

"نحن نواب الأمة التونسية أعضاء المجلس القومي التأسيسي، بمقتضى ما لنا من نفوذ كامل مستمد من الشعب، وتدعيماً لأركان استقلال الدولة وسيادة الشعب، وسيراً في طريق النظام الديمقراطي الذي هو وجهة المجلس في تسطير الدستور، نتخذ باسم الشعب القرار التالي النافذ المفعول حالاً:

أولاً: نلغي النظام الملكي إلغاء تاماً.

ثانياً: نعلن أنّ تونس دولة جمهورية.

ثالثاً: نكلف رئيس الحكومة السيد الحبيب بورقيبة بمهام رئاسة الدولة على حالها الحاضر ريثما يدخل الدستور حيز التطبيق ونطلق عليه لقب رئيس الجمهورية التونسية.

رابعاً: نكلف الحكومة بتنفيذ هذا القرار وباتخاذ التدابير اللازمة لصيانة النظام الجمهوري كما نكلف كلاً من رئيس المجلس، والأمين العام لمكتب المجلس والحكومة بإبلاغ هذا القرار إلى الخاص والعام".

إعلان الجمهورية منشوراً في "الرائد" الرسمي

زمن الأسئلة الحارقة!

وبما أنّ إحياء ذكرى إعلان الجمهورية يمثل عيداً وطنياً دأبت الأنظمة الحاكمة على تضخيمه منذ ولد، وجندت له التظاهرات والإعلام لترسيخه، فإنه مازال يطرح الأسئلة الحارقة أكثر من ذي قبل: ما حقيقة النظام الجمهوري؟ هل عاشت تونس نظاماً جمهورياً فعلياً، أم إنه كان مجرد شعر لا صلة له بالواقع؟ وهل تسير تونس نحو ترسيخه بعد الثورة؟ أم أنّ الهوة بينه وبين الواقع قد ابتعدت أكثر؟

أول حكومة تونسية بعد إعلان الجمهورية

النقابي والسياسي والأكاديمي الدكتور عبد السلام حيدوري يعود إلى الجمهورية مفهومياً لتأصيل المسألة، فيرى، في تصريح لـ "حفريات"، أنّ "الحديث عن ذكرى عيد الجمهورية في تونس يطرح من جديد على الأذهان المنشغلة بالشأن السياسي عامة وبعلوم السياسة تحديداً دلالة الجمهورية كنظام حكم وصلاتها الإشكالية بمفاهيم أساسية مكونة للمعجم السياسي كالمواطنة والديمقراطية والحق".

الحيدوري: الحديث عن جمهورية أولى وثانية ليس إلا تغليفاً لواقع سيادة المافيات وإضفاءَ شرعية زائفة على واقع التبعية

فـ "إذا كانت الجمهورية تفيد كنظام حكم مبدأ سيادة المواطنين وحقهم في اختيار رئيس الجمهورية عبر آلية الانتخاب، ووفقاً لما ينص عليه نص الدستور، وما يستلزمه ذلك من مناخ ديمقراطي يسمح للمواطنين بإدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية للبلاد، فإنّ نظام الحكم الجمهوري هو شكل النظام الذي يضمن سيادة المواطنين في الداخل وسيادة الجمهورية في الخارج، أو ما يعرف بمبدأ السيادة الوطنية"، وفق تعبيره.

شكل دون مضمون حقيقي

ويرى الحيدوري، بناء على الأساس النظري الذي طرحه، أنّ الجمهورية ظلت فكرة غائمة وشعاراً لا أكثر، حيث "إننا في عيد الجمهورية نفتقر إلى المضمون الحقيقي للجمهورية في تونس، فما يوجد في الأذهان ليس هو ما نتحدث عنه في الأعيان. فواقع تونس منذ النظام البورقيبي، مروراً بنظام الديكتاتور، وصولاً إلى المرحلة الراهنة أبعد ما يكون في الأعيان عن نظام حكم جمهوري".

البونابارتية

يؤكد الحيدوري أنّ تونس "لم تعرف نظاماً جمهورياً حقيقياً"، بل كانت "الجمهورية تُرفع شعاراً لتوصيف نمط حكم أبعد ما يكون عن الجمهورية في طابعها الكلاسيكي" ويجري الأكاديمي التونسي مقارنة بين نظام الحكم في تونس وبعض أنظمة الحكم المعروفة في العالم، فيؤكد أنّ "ما عرفته تونس منذ بورقيبة يمكن توصيفه بنظام الحكم البونابارتي الذي يكون فيه الرئيس زعيماً كاريزماتياً، أي كلاعب الدمى المتحركة، ويكون شعبه تابعاً ومحكوماً فيه وتكون الدولة تابعة للخارج ولقوى السيطرة العالمية".

الحيدوري: عايشت تونس إبان حكم "بن علي" نظاما ديكتاتورياً مافيوزياً

الديكتاتورية المافيوزية

أما نظام الحكم في فترة بن علي (1987-2011) فقد عاشت تونس فيما يصفه الحيدوري بـ"النظام الديكتاتوري المافيوزي حيث حكم العائلة هو الذي يطغى، وتسود العصابات النهابة لثروات البلاد في الداخل والخارج" وفق تعبيره.

أما راهناً فيرى الحيدوري أنّ "الحديث عن جمهورية أولى وثانية ليس سوى تغليف لواقع سيادة المافيات، وإضفاء شرعية زائفة على واقع التبعية، وانتهاك السيادة الوطنية، وضرب الحقوق، وعودة الاستبداد بشكليه الديني الفاشي واليميني الحداثي".

اقرأ أيضاً: تونس: من أزمة الدولة إلى أزمة الحزب الحاكم

الجمهورية، في نظر الحيدوري، تظل "شعاراً ويظل عيدها زيفاً، ويبقى الرهان هو مواصلة المعركة السياسية والمواطنية والاجتماعية؛ لتكريس حرية حقيقية وعدالة اجتماعية وسيادة وطنية، وهي دعامات أساسية لجمهورية مرتقبة اجتماعية في عمقها".

واقفون على قدم.. والثانية؟

يظل الإسلام السياسي الممسك بمقاليد الحكم مع اليمين الحداثوي تحت شعار "التوافق" الهاجسَ الأبرز لأغلب التونسيين والتونسيات وهم "يحتفلون" بالذكرى الحادية والستين لإعلان جمهورية لم تتحقق على أرض الواقع بعد، رغم كثرة هواجسهم الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وإذا جرى التحديق في رغبة ظهرت جلية للعيان مؤخراً تخصّ توريث كرسي الرئاسة بعد تحقق توريث كرسي زعامة الحزب الفائز بانتخابات 2014، فذلك يزيد من مخاوف التونسيين والتونسيات في حال تمّ ذلك، ما يمثل تراجعاً عن أبرز دعامات الجمهورية: الديمقراطية والتداول السلمي المدني على الحكم بآلية الاقتراع.

اقرأ أيضاً: وزيرة تونسية سابقة: الاستبداد مشكلة العالم العربي

وفي ظلّ دوامة الهواجس هذه يقف التونسيون راهناً على قدم واحدة مرتعشة يعتقد المتفائلون أن تالِيَتَهَا ستكون مضياً حثيثاً نحو ترسيخ الجمهورية، غير أنّ لا أحد يضمن تراجعها إلى ما قبل 2011 أو حتى إلى ما قبل 1987!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية