في الذكرى 104 لوعد بلفور.. هل تعتذر بريطانيا عن خطأها التاريخي؟

في الذكرى 104 لوعد بلفور.. هل تعتذر بريطانيا عن خطأها التاريخي؟


02/11/2021

يُصادف اليوم، 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، الذكرى 104 لوعد بلفور المشؤوم، أول فصول المعاناة والمأساة الفلسطينية التي تتجدد كل عام، حين منحت بريطانيا الاستعمارية، اليهود "وطناً قوميّاً" على أرض فلسطين التي يتجذر فيهاً شعب عربي منذ آلاف السنين.

وتأتي الذكرى 104، وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للشعب الفلسطيني على كافة مستوياته، فالنهب والسلب والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وانتهاكات المقدسات الإسلامية والمسيحية مستمرة، ناهيك عن استمرار معاناة الأسرى في السجون.

حصلت الحكومة البريطانية قبل إصدارها الوعد المشؤوم، على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، إذ عُرضت الرسالة على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواها قبل نشرها

ومعاناة الفلسطينيين مستمرة باستمرار الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة المحاصر، والذي لا يزال يعيش آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة، واستمرار الهجمات الاستيطانية الشرسة ضد أراضي الضفة الغربية، ومخططات بـ "الترحيل القسري" التي تهدد سكان القدس المحتلة، وعمليات الإعدام الميداني على الحواجز العسكرية، والهجمات الممنهجة ضد الأسرى، فضلاً عن معاناة المخيمات واللاجئين الفلسطينيين الموزعين على شتى بقاع الأرض.

الذكرى 104 لوعد بلفور

وتشهد مختلف المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة والداخل المحتل، مسيرات وفعاليات للتأكيد على حق الفلسطينيين بأرضهم التاريخية، والتذكير بأنّ "وعد بلفور" تسبب بنكبات متتالية لعدة أجيال.

كما تشهد العديد من الدول الأوروبية خروج مسيرات منددة بهذا "الوعد" أمام السفارات البريطانية، لتحميلها المسؤولية عن مآسي الفلسطينيين، وإسقاط ما أسموه "تزوير التاريخ وتداعياته، وإنكار حقهم في تقرير مصيرهم على أرضهم".

لم يستسلم الشعب الفلسطيني للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929

وتم تنكيس العلم الفلسطيني، اليوم، على كافة المؤسسات الفلسطينية والسفارات والمُمثليات في العالم تنديداً بإعلان بلفور، وما تمخض عنه من تشريد للشعب الفلسطيني وسلب حقوقه المشروعة، وتذكير العالم أجمع، وبالذات المملكة المتحدة، بضرورة تحمل المسؤولية لتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة المتمثلة في الاستقلال والحرية والعودة.

مهزلة تاريخية

هذه المهزلة التاريخية بدأت برسالة بعثها وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بلفور، إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية، ومنح بموجبها ما لا يملك (فلسطين) لمن لا يستحق (الحركة الصهيونية)، لتبدأ فصول معاناة لم تنته حتى اليوم.

وجاء في نص الرسالة "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".

تُظهر الصورة التي التقطت عام 1925 في يافا، آرثر بلفور "وسط" وحاييم وايزمان "ثالث اليمين" الذي أصبح أول رئيس لإسرائيل

وذلك بعد مفاوضات استمرت 3 أعوام بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين و(المنظمة الصهيونية العالمية) من جهة أخرى. واستطاع من خلالها "الصهاينة" إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.

الحكومة البريطانية حصلت قبل إصدارها الوعد المشؤوم، على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة؛ إذ عُرضت الرسالة على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواها قبل نشرها، كما وافقت عليه كل من فرنسا وإيطاليا رسمياً عام 1918.

وعلى أثر ذلك اتخذت الحركة الصهيونية الوعد، بمثابة مستند لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على وطن، رغم أنّ هذا الوعد أعطى وطناً لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين.

اتخذت الحركة الصهيونية الوعد، بمثابة مستند لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على وطن

ووقت إعلان الوعد، الذي أعطى وطناً لليهود، كان عددهم في فلسطين نحو 5 بالمائة من عدد السكان الأصليين، حيث كان عددهم فقط نحو 50 ألفاً، من أصل 12 مليوناً منتشرين في دول العالم، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفاً من المواطنين، فعمل الوعد على شطب حقوق الأغلبية المتجذرة في الأرض، مقابل أقلية قدمت من الخارج عبر هجرات غير شرعية.

دعم بريطاني

ومثل وقتها الوعد أولى عمليات الدعم السياسي البريطاني الرسمي لليهود، وشجعت على هجرتهم من كافة أنحاء دول العالم إلى أرض فلسطين، حيث اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد المشؤوم، مستنداً لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، حيث قامت العصابات الصهيونية في العام 1948، وبمساعدة بريطانيا، بعد إنهاء انتدابها لفلسطين، بشن حرب على الفلسطينيين العزل، وارتكاب العشرات من المجازر.

هذا الوعد المشؤوم، أسس فيما بعد وتحديداً في العام 1948 لـ "نكبة فلسطين" التي قامت خلالها العصابات الصهيونية، بالهجوم على المدن والقرى الفلسطينية، لتهجر نحو 950 ألف فلسطيني من منازلهم بقوة السلاح والمجازر، بارتكاب مجازر "تطهير عرقي" وبمساعدة دول عظمى في مقدمتها بريطانيا.

ولم يستسلم الشعب الفلسطيني للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936، والعديد من المعارك والانتفاضات.

وبقيت الحكومات البريطانية المتعاقبة تفتخر بمساهمتها في قيام إسرائيل، وتصرُّ على الاحتفاء بوعد بلفور الذي فرضته على عصبة الأمم وثبَّتته ضمن صك الانتداب على فلسطين.

هل تعتذر بريطانيا؟

واليوم، ثمة حراك فلسطيني مهم، يتصاعد تدريجياً منذ أعوام، ويُشكل إجماعاً مرده الشعور بالحاجة إلى نقض الرواية الإسرائيلية، وبيان حقيقة القضية الفلسطينية للرأي العام في العالم، وهذه حاجة ملحَّة وبالغة الأهمية في الصراع مع الاحتلال..

الحراك الفلسطيني يُطالب بريطانيا بالتراجع عن هذا الوعد، ولعب دور في إنهاء الاحتلال، كما لعبت دوراً في إيجاده، كما أنه يُطالب بريطانيا بالاعتذار عن هذا الوعد، بما سيعني للعالم أنّ الفلسطينيين تعرضوا لعقود من الظلم والاضطهاد بسبب احتلال لم يكن له أي مبرر، سوى أنه كان بقرار من قوة احتلال أخرى سابقة وهي بريطانيا؛ أي إنّ ما حدث أنّ احتلالاً سلّم فلسطين لآخر قبل أن يغادر، وأن الشعبَ الأصلي لا يزالُ يدفع الثمن.

وفي هذا السياق، طالبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أمس، بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن إعلان بلفور المشؤوم، كجزء لا يتجزأ من إقرارها بتحمل مسؤوليتها عن الإعلان، وما نتج عنه من تشريد وويلات حلت بالشعب الفلسطيني. 

طالبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أمس، بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن إعلان بلفور المشؤوم، كجزء لا يتجزأ من إقرارها بتحمل مسؤوليتها عن الإعلان

ودعا السفير أحمد الديك، المستشار السياسي لوزير الخارجية الفلسطيني، المملكة المتحدة إلى المبادرة بالاعتراف بدولة فلسطين كجزء آخر من تكفيرها عن هذا الإثم والعدوان الذي ارتكبته بحق شعبها وما لحق به من عذابات وظلم تاريخي ما زال قائماً ومتواصلاً، وبداية لتصحيح مسار إعلان بلفور الظالم، ولمساعدة الشعب الفلسطيني وتمكينه من نيل حقوقه الوطنية العادلة والمشروعة، وحقه في العودة وتقرير المصير، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة.

كما طالبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، اليوم، بريطانيا بتصحيح هذا الخطأ التاريخي وتَحمُّل مسؤوليتها التاريخية والقانونية والأخلاقية عبر تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني عمّا تسببت به من مُعاناة وآلام له لأكثر من قرنٍ من الزمن والاعتراف بالدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية دعماً لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل وفق رؤية حل الدولتين.

كما طالبتها بالضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، لوقف جرائمها وانتهاكاتها المُـتواصلة ووقف آلة الحرب والعدوان وإنهاء احتلالها لأرض الدولة الفلسطينية، مطالبة المُجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته في إنفاذ قراراته ووقف جرائم الاحتلال الاسرائيلي وفرض العقوبات على منظومته الاستعمارية الاستيطانية وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.

وترفض لندن الاعتذار عن وعد بلفور وعن آثاره، في حين يستحضره الفلسطينيون كحافز للنضال والدفاع عن الهوية والأرض.

أما الخلاصة الأهم، فهي أنّ الفلسطينيين ماضون في نضالهم ضد الاحتلال على مختلف المنصات، وبمختلف الوسائل، بما فيها الملاحقات القضائية والتحركات القانونية، كما أنّ ملاحقة الاحتلال في الخارج لا تقل أهمية عن مقاومته في الداخل، والفلسطينيون ماضون في هذا وذاك على أي حال.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية