فيلما" محبس" و"في سوريا": وجع الحروب وآلام الكراهية

فيلما" محبس" و"في سوريا": وجع الحروب وآلام الكراهية


23/04/2018

في وقت اختار فيه كل من  الفيلمين "محبس" و"في سوريا" طريقاً مختلفاً لمناقشة أزمة سياسية وكارثة إنسانية على درجة فادحة مثل واقع سوريا الآن، فإن المناقشتين جاءتا على القدر ذاته من البراعة والألم، رغم الكوميديا الطاغية في "محبس" والدراما الخانقة في الفيلم الثاني.

ليس التصنيف الأدبي والسينمائي للفيلمين هو الفارق بينهما فحسب؛ بل طريقة العرض برمّتها؛ إذ جاء "محبس"، لمخرجته صوفي بطرس، من خلال حكاية طريفة لشابة لبنانية ترغب بالارتباط بشاب سوري، رغم عنصرية والدتها؛ لأسباب تاريخية تتعلق بمقتل شقيقها جراء قذيفة سورية إبان الحرب الأهلية اللبنانية، لتأتي الأحداث الراهنة في سوريا في ذيل الاهتمام، في مقابل تناول مكثف للعنصرية كظاهرة في المجتمعات العربية.

في "محبس" خففت الكوميديا من وقع العنصرية المقيتة التي كاشف القائمون على العمل المجتمع اللبناني بها

فيما أدخل فيلم "في سوريا"، للمخرج فيليب فان ليو، المتلقي في دوامة رعب تعيشها أسرة سورية عالقة في أحد المباني المعرضة للقذائف والقناصة، بعد أن لم يتبق غيرهم فيها، وبعد احتماء عائلة الجيران المكونة من شاب وصبية ورضيع بهم أيضا.

النساء كنّ بطلات المشهد في كلا الفيلمين؛ إذ كنّ رأس الحربة في ظاهرة العنصرية وترويج الصور النمطية عن الآخر والتلاعب بالعواطف والاحتكام لها في أخذ القرارات في "محبس"، فيما كانت المرأة هي المسيطر على العائلة وظروفها وأوضاعها ومراقبة أفرادها في أحلك الظروف، في فيلم "في سوريا".

في "محبس"، خففت الكوميديا من وقع العنصرية المقيتة التي كاشف القائمون على العمل المجتمع اللبناني بها، وهو ما ينسحب على بعض الأقطار العربية، كما كان أداء الممثلين على درجة عالية من الإتقان والعفوية وتحديداً نادين وبسام كوسا وجوليا قصار، ما وضع العمل في خانة الأفلام اللبنانية التي تركت بصمة جيدة في الأعوام الأخيرة.

المرأة هي المسيطر على العائلة وظروفها وأوضاعها ومراقبة أفرادها في أحلك الظروف في فيلم "في سوريا"

كذلك الحال في فيلم "في سوريا"، الذي انحاز لوجع المدنيين والعزّل، بعيداً عن أي اصطفافات سياسية أو تمرير أجندات ما، لتجيء مشاهد الاعتداء على الجارة الشابة من قِبل مجرمي الحروب من أكثر المشاهد قسوة على نفس المتلقي، لا سيما حين تعرف في اليوم نفسه أنّ رصاص القناصة أصاب زوجها، ولتكون الممثلة الفلسطينية هيام عباس عنصر القوة الأبرز في العمل، الذي كانت قدرات فريقه على درجة عالية من الكفاءة أيضا وتحديداً دايموند بو عبود.

بالوسع اعتبار أنّ كلا الفيلمين رسالة واضحة وصاخبة ضد الحروب وتبعاتها وما يتمخض عنها من كوارث نفسية وإنسانية لا يمكن لكل البيانات الدولية التي تشجب وتدين ترقيعها؛ إذ في "محبس" يكون مقتل الشقيق على يد السوريين إبان تواجدهم العسكري في لبنان هو مربط الفرس بكل ما لحق بأسرة شقيقته من أوجاع، لتكون الحرب الحالية في سوريا هي حجر الرحى في فيلم "في سوريا"، بكل ما تسببه من رعب واضطرابات نفسية ووجدانية ومتاعب صحية وغيرها.

كلا الفيلمين رسالة واضحة وصاخبة ضد الحروب وما يتمخض عنها من كوارث نفسية وإنسانية

ولعلّ الفرادة تكمن في أنّ التناول، في كلا الفيلمين، لم يعتلِ منبر الوعظية ولا هو وزّع الشعارات المجانية ولا حاول في المقابل تجميل الصورة وتخفيف ظلامها؛ بل نقل الواقع كما هو، من دون الحاجة لمؤثرات بصرية وحيل تكنولوجية ضخمة لإيصال فداحة ما ألحقته الحروب في البنى التحتية والخدمات الإنسانية؛ بل كان التركيز على الدواخل النفسية وحجم الخراب الذي أصابها.

في كل مرة يتعرض فيها العالم العربي لكوارث سياسية وحروب، يتمنى النقاد على المبدعين، عموماً، التأني حتى اختمار التجربة ونضجها وفهم أبعادها؛ ليصار لمناقشتها بشكل أقرب ما يكون للصواب والموضوعية، لكن حين يكون الحديث عن الجانب الإنساني المتدهور بتسارع، فالوقت دوماً متاح لإيصال أصوات العالقين تحت القصف والقذائف والاعتداءات الجسدية والنفسية والابتزاز والتهجير؛ لمجرد كونهم مسلوبي القوة بين جبابرة السياسة وتجار الحروب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية