
رغم أنّ الإخوان المسلمين أعطوا اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية فرصة كي يتمدد على الساحة السياسية، ويتوغل بالمجتمعات بحجة مواجهة الإسلاموية والتيار المتطرف المتصاعد، إلا أنّ فوز المتطرفين في الانتخابات النيابية الأخيرة في فرنسا يهدد الجماعة بشكل جدي.
وقبل (3) أيام من الدورة الثانية للانتخابات التشريعية الفرنسية التي تبدأ اليوم، بدأ اليمين المتطرف، يُعدّ أجندته التي سيعمل عليها حال وصوله إلى رئاسة الحكومة، والمرتبطة بالأجانب بشكل عام، وبالإخوان المسلمين بشكل خاص.
وكشف حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف)، الذي احتل المركز الأول في الدورة الأولى من الاقتراع، بعض الملفات التي سيعمل عليها حال وصوله إلى رئاسة الحكومة؛ منها توغل تنظيم الإخوان المسلمين في فرنسا.
في نقاش تلفزيوني أعلن رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا أنّه يعتزم حظر الإخوان المسلمين في فرنسا في حال وصوله إلى رئاسة الحكومة.
وقال في مقطع فيديو بثته وسائل إعلام محلية: "نحن أكثر ضعفاً من بعض الدول الإسلامية في مواجهة الإخوان، ففي دولة الإمارات مثلاً الإخوان المسلمون مصنفون كتنظيم إرهابي، وأنا سأحظرهم فوق التراب الفرنسي".
وفي السياق، نشرت وسائل إعلام فرنسية عن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بعد زيارتها إلى سجن "بوردوجراديجنان" في أوقات سابقة، نشرت تصريحات أكدت فيها أنّ حكومة بلادها فشلت في القضاء على الإرهاب، وأنّ سجونها فيها عدد كبير من الإرهابيين، وفق ما أورده موقع (حفريات) في تقرير سابق.
وتوعدت لوبان، في أكثر من حساب شخصي لها بمواقع التواصل الاجتماعي، بتعزيز إغلاق الحدود لمنع الهجرة، مع تكريس الجذور اليونانية واللاتينية والمسيحية لأوروبا، مؤكدة أنّ ذلك وفق معاهدات الاتحاد الأوروبي، مع عزل الجذور الإسلامية، من أجل الدفاع عن القيم الأوروبية في مواجهة جماعة الإخوان.
كما أكدت آنذاك أنّها ستقوم أيضاً بجولة في فرنسا وأوروبا للتحدث بشكل علني عن خطر الأسلمة، وبررت عنصريتها تجاة المسلمين بزيادة الخطر الإخواني في جميع أنحاء أوروبا.
بدأ اليمين المتطرف يُعدّ أجندته التي سيعمل عليها، حال وصوله إلى رئاسة الحكومة، والمرتبطة بالأجانب بشكل عام، والإخوان المسلمين بشكل خاص.
وبسبب الإخوان؛ قام حزب الاسترداد اليميني بتوظيف التطرف الإسلاموي، ووصف كل المسلمين بالتطرف، وأكد أنّ الحزب يرغب في فرض حصار عسكري بحري في البحر المتوسط، لوضع حدود عازلة خارج الحدود الرسمية، عن طريق اتفاقيات التعاون مع دول البحر المتوسط، من أجل مكافحة الهجرة من دول شمال أفريقيا إلى فرنسا.
وكانت المتحدثة باسم حزب "الجمهوريين" اليميني المتطرف في فرنسا، ليديا غيرو، قد طالبت الرئيس إيمانويل ماكرون بتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
وطالبت أيضاً، في مقال رأي مطول ورسالة موجهة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نشرته صحيفة (لوجورنال دو ديمانش)، طالبت الرئيس والحكومة الفرنسية بالعمل على ضمان سلامة المجتمع الفرنسي، وتحصينه ضد خطر الإخوان، مُضيفةً: "دحر آباؤنا خطر النازية، وعلينا اليوم دحر خطر الفكر الإخواني، ومنعه من التغلغل أكثر في النسيج المجتمعي الفرنسي".
وكانت تقارير إعلامية أوروبية قد كشفت في أيار (مايو) الماضي عن وجود ما يقارب (100) ألف شخص من جماعة الإخوان في فرنسا، وأكدت أنّهم يشكلون خطراً داهماً على أمنها.
وسلطت الكاتبة والباحثة الفرنسية هيلين دي لوزون، في مقالة نقلها موقع (يوروبيان كونسيرفاتيف)، الضوء على النفوذ المتزايد للإخوان في فرنسا، وقالت: إنّه منذ عام 2019 زاد عدد أعضاء التنظيم في فرنسا من (50) ألفاً إلى (100) ألف عضو، وإنّ لديه نفوذاً قوياً للغاية.
وعن الموقف الرسمي من الإخوان، قالت صحيفة (ذا سبيكتاتور) البريطانية: إنّ وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين أجرى مقابلة في نيسان (أبريل) الماضي حول جماعة الإخوان المسلمين، ووصفها بأنّها "منظمة شريرة".
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد فوّض وزارة الداخلية بإعداد تقرير عن التهديد الذي يشكله الإخوان المسلمون، وفي بيان أعلن عن هذه المهمة ذكرت الوزارة أنّ "الانفصالية الإسلامية هي مشروع سياسي ديني نظري، يهدف إلى بناء مجتمع مضاد، وتلعب جماعة الإخوان المسلمين دوراً رئيسياً في نشر مثل هذا النظام الفكري".
لوبان أعلنت أنّها ستقوم بجولة في فرنسا وأوروبا للتحدث بشكل علني عن خطر الأسلمة، وبررت عنصريتها بزيادة الخطر الإخواني.
ويهدف دارمانين إلى أن يكون التقرير بمثابة "جرس إنذار" لأساليب الإخوان المسلمين، قائلاً: "إنّهم يهاجمون جميع مجالات المجتمع، ويشكلون شبكة الرياضة والتعليم والطب والعدالة والمنظمات الطلابية والنقابية والمنظمات غير الحكومية والسياسية والجمعيات والثقافة، إنّهم يعطون تعليمات التصويت، ويدعمون الشركات المجتمعية، ويستخدمون الخطاب المناهض للفرنسيين، ويطلقون العرائض، ويحاصرون الممثلين المنتخبين المحليين، ويوقعون شراكات اقتصادية مع العلامات التجارية الكبرى".
لكنّ الإنجاز الأكثر نجاحاً الذي حققه الإخوان المسلمون كان إدخال كلمة جديدة إلى الغرب: الإسلاموفوبيا، وعن ذلك يقول دارمانين: "هذه هي كلمتهم، وهي تغطي استراتيجيتهم الأساسية، وهي استراتيجية التضحية بالآخرين".
وبشأن حظر الإخوان، حسم وزير الداخلية الفرنسي الأمر في مقابلته قائلاً: إنّه "لن يكون هناك حظر في فرنسا، لأنّ هذا مستحيل بكل بساطة؛ بسبب الطبيعة السرّية لجماعة الإخوان المسلمين، وافتقارها إلى التسلسل الهرمي المحدد".
وقد لاقت تصريحات دارمانين ترحيباً من جانب المتخصصين في مجال جماعة الإخوان المسلمين، بينهم فلورنس بيرجود-بلاكلر، التي تدرس الحركة منذ (3) عقود، ونتيجة لذلك فهي تحتاج إلى حماية الشرطة، وفي كتابها الصادر عام 2023 عن الإخوان المسلمين كتبت أنّ "هدفهم ليس تكييف الإسلام مع أوروبا، بل تكييف أوروبا مع الإسلام".
وبدلاً من ذلك، فإنّ المطلوب هو "صحوة أوروبية"، وهو ما قاله دارمانين إنّه سعيد برؤيته يحدث في ألمانيا والسويد، وبحسب ما ورد فإنّ أجهزة الاستخبارات الألمانية تراقب نشاط الجالية الإسلامية في ألمانيا، وهي منظمة تشرف على شبكة من المساجد والجمعيات الثقافية.
وكان تقرير صادر عن جهاز الاستخبارات الفرنسي في نيسان (أبريل) الماضي قد سلط الضوء على كيفية نجاح جماعة الإخوان المسلمين في بناء "شبكة واسعة من المحامين الملتزمين بالقضية".
دارمانين: لن يكون هناك حظر للإخوان في فرنسا، لأنّ هذا مستحيل بكل بساطة؛ بسبب الطبيعة السرّية للجماعة وافتقارها إلى التسلسل الهرمي.
هذا، وتشهد فرنسا اليوم الدورة الثانية من انتخابات تشريعية تاريخية قد تكرّس فوز اليمين المتطرف، وسط شكوك بشأن قدرته على تحقيق الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية وتشكيل حكومة، وفق ما نقلت (فرانس برس).
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ اليمين المتطرف فاز في الانتخابات في إيطاليا وهولندا، ويتصدر استطلاعات الرأي في فرنسا والنمسا وبلجيكا، وله حصة في حكومتي فنلندا وسلوفاكيا.