
لا يزال التقرير الاستخباري الفرنسي الذي كشف عن حجم تغلغل جماعة الإخوان في المجتمع الفرنسي يُثير جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية، إذ تشير تقارير إخبارية إلى تتسارع وتيرة القلق داخل الأوساط الفرنسية الرسمية حيال ما تصفه التقارير الاستخباراتية بـ"الاختراق الإخواني المنهجي" للمجتمع الفرنسي، عبر أدوات ناعمة، ومؤسسات تعليمية ودينية تسير ضمن أجندة واضحة تهدد قيم الجمهورية.
وبحسب معطيات رسمية، تضم فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا، تُقدّر بنحو 6 ملايين شخص، ما جعلها هدفًا مفضلًا لاستراتيجية التنظيم القائمة على بناء نفوذ داخل نسيج المجتمع من الطفولة حتى النضج.
بحسب معطيات رسمية، تضم فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا تُقدّر بنحو 6 ملايين شخص
وعلى عكس التنظيمات العنيفة التي تصطدم مباشرة بالدولة، يعتمد الإخوان في فرنسا على تكتيك "الانتشار الهادئ"، من خلال واجهات قانونية تشمل جمعيات ثقافية، ومراكز تعليمية، ومساجد، تروّج لخطاب مزدوج: معتدل علنًا، ومتطرف في الدوائر المغلقة. وكشف تقرير استخباراتي عن وجود 139 مسجدًا و280 جمعية و21 مؤسسة تعليمية تابعة أو قريبة من التنظيم، تُستخدم لتشكيل "حاضنة فكرية موازية" تتعارض مع مبادئ العلمانية والاندماج.
وقد حذّر مراقبون من خطورة ما يجري، مؤكدين أن الإخوان لا يسعون فقط إلى التأثير الديني، بل إلى إعادة تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع عبر مسار طويل الأمد. ومن بين أبرز المؤسسات التي ذُكرت في التقرير: المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ومدرسة ابن رشد الثانوية، ومعهد ابن سينا لتخريج الأئمة، وهي كيانات يعتقد أنها تلعب دورًا محوريًا في بث أفكار التنظيم داخل الطبقة الشابة من المسلمين الفرنسيين.
يعتمد الإخوان في فرنسا على تكتيك "الانتشار الهادئ" من خلال واجهات قانونية تشمل جمعيات ثقافية ومراكز تعليمية ومساجد
في هذا السياق، دعا سياسيون من تيارات اليمين والوسط إلى تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي، في خطوة تعكس تحوّلًا نوعيًا في تعاطي الدولة مع الملف. وأعلن وزير الداخلية برونو ريتايو عن خطة جديدة تستند إلى تعطيل التمويلات الأجنبية، ومراقبة الجمعيات، وإغلاق المنشآت المتأثرة بالفكر الإخواني، ضمن مقاربة توصف بـ"الردع المدني".
ويرى متابعون أن فرنسا، وإن تأخرت في التصدي للاختراق الإخواني، إلا أن يقظتها الحالية قد تكون حاسمة في كبح المشروع المتشدد قبل تحوله إلى أزمة وجودية. وفي هذا الإطار، يعود إلى الأذهان تصريح وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد عام 2017، حين نبّه إلى أن "التساهل مع جماعة الإخوان اليوم، سيكون ثمنه باهظًا في الغد".