فرنسا تعاقب أردوغان بالسلاح الاقتصادي: العين بالعين

فرنسا تعاقب أردوغان بالسلاح الاقتصادي: العين بالعين


24/11/2020

هدّد وزير التجارة الفرنسيّ، فرانك ريستر، النظام التركيّ بأنّ المجلس الأوروبيّ المقبل سينظر في مسألة تركيا، وقد يفرض قيوداً عليها، بسبب سلوكها "غير المقبول" في ناغورني قره باغ.

الدعوات الفرنسية لعقوبات على تركيا متوقّعة ومنطقيّة، بعد عدد لا حصر له من الشجارات والتصعيدات والتهديد المستمرّ من قبل الاتّحاد الأوروبي

 واستمراراً لحلقات مسلسل التوتّر المستمر بين فرنسا وتركيا، والذي اندلعت شرارته في الأزمة الليبية، يبدو أنّ حالة العداء ستستمرّ بين البلدين، خاصّة بعد دعوات أطلقها الرئيس التركي لمقاطعة المنتجات الفرنسية، عقب مقتل المدرس الفرنسي، صمويل باتي، على يد إرهابيّ شيشاني، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

فتيل الأزمة.. ليبيا وحروب المنطقة

يؤرّخ الساسة والمحلّلون الأزمة المندلعة بين فرنسا وتركيا حالياً، من عمر الصراع في ليبيا، لكنّ الأمر أبعد من ذلك بكثير؛ إذ تعود هذه العلاقات المتوترة إلى القرن السادس عشر، تتغيّر فيها العلاقات بين الحرب والسلام، التبادل التجاري والتحالفات تارة، والقتال العلنيّ تارة أخرى، لكن ما بقي من هذا التوتر حتى الآن، هو ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ إذ إنّ تركيا، التي لطالما تطلعت إلى عضوية الاتّحاد الأوروبيّ، تأبى الاعتراف بالإبادة الجماعية التي ارتكبها العثمانيون في حقّ الأرمن؛ لذلك فإنّ فرنسا على رأس الدول الرافضة لعضوية تركيا في الاتّحاد، وهي مقدّمة ستشعل التوتر أكثر، بعد انتقال الصراع إلى الأراضي الليبية.

كان الانقسام في ليبيا المحطة الأولى للصراع الحديث والمعلن، بين فرنسا وتركيا، حيث دعمت فرنسا المشير خليفة حفتر، بينما دعمت تركيا حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، وميليشياته، التي تمّ جلبها من سوريا، والتي ارتكبت أبشع الجرائم في حقّ الشعب الليبيّ.

اقرأ أيضاً: هل لدى أردوغان من يخلفه في مشروعه الطوراني الكبير؟

 وبحسب مقال نشره الصحفي الفرنسي، فيكتور ماليت، عبر صحيفة "فايننشال تايمز"؛ فإنّ فرنسا أدركت مبكراً ما تخطط إليه تركيا، من استحواذ على منابع الطاقة في ليبيا، ومحاولات أردوغان، المستمرة منذ 2011، لنشر الإرهاب من سوريا إلى دول المنطقة، لذا كان تدخّلها في ليبيا من أجل حماية مصالحها التجارية، ومحاربة الإرهاب الإسلاموي، الذي انتشر من سوريا وليبيا بدعم تركي، إلى دول الساحل والصحراء.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة حاول صهر أردوغان إخفاء الأزمة الاقتصادية

في العاشر من حزيران (يونيو)؛ قامت سفن تركيّة بمضايقة فرقاطة فرنسيّة أثناء أدائها مهمّتها في الإشراف على منع تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وبينما أنكرت تركيا هذا الأمر، أصرّت فرنسا على توجيه الاتهام، ما أشغل الأزمة أكثر.

اقرأ أيضاَ: هل تنطلي إصلاحات أردوغان المتأخّرة على بايدن؟

 وفي تموز (يوليو) الماضي؛ وصلت الحرب الكلامية بين تركيا وفرنسا ذروتها، بعد الحديث عن وقف لإطلاق النار، في أعقاب الهزيمة التي تلقاها الجيش الوطني الليبي، بقيادة حفتر، من قبل ميليشيات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، لكنّ أردوغان سرعان ما قوّض هذه الجهود، وحاول إشعال الرأي العام العالميّ بشجاراته مع فرنسا، والتي وصفتها صحيفة "لوموند" الفرنسية بالتصريحات "غير المتزنة".

صراع الطّاقة ومستقبل شرق المتوسّط

على خطّ أزمة شرق المتوسط؛ دخلت مصر واليونان وقبرص في تحالف واحد، تدعمه فرنسا وبشدّة، في مواجهة الجانب التركيّ، الذي يقف حائراً في شرق المتوسط، حيث يجري تدافع بين دول المنطقة للوصول إلى حقول الغاز المكتشفة حديثاً، وتندمج المطالبات القانونية المتضاربة في الحقول مع الصراعات القديمة والمستحدثة، كما أدّت إلى إنشاء جبهة جيوسياسية جديدة في شرق البحر المتوسط، ​​من شأنها أن تسبّب قلقاً كبيراً للأوروبيين، وفي قلب هذه التوترات هناك الخلاف، الذي لم يتم حلّه، في قبرص، والعداء طويل الأمد بين تركيا واليونان، والذي تصطفّ حوله جبهة أوسع من القوات المناهضة لتركيا؛ إذ تشكّلت هذه الخلافات والتحالفات، على أنقاض الحرب في سوريا، ثمّ ليبيا، لتستقطب دولاً أكثر، مثلما حدث مع روسيا، على سبيل المثال.

وتجلّى التصعيد الحتميّ في شرق المتوسط، خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، عندما نشرت فرنسا حاملة الطائرات، شارل ديغول، لمطاردة الفرقاطات التركية، التي تنتشر في الجوار، بالقرب من حقول الغاز المتنازع عليها في قبرص، كانت هذه الواقعة البداية الفعلية لأحدث صراعات المتوسط؛ إذ إنّ سلوك تركيا دفع الاتّحاد الأوروبيّ وحلف شمال الأطلسي، إلى إيلاء ما يحدث في المنطقة اهتماماً؛ إذ لم يعد ما يحدث في المتوسط قضيّة هامشية بالنسبة إلى أوروبا.

اقرأ أيضاً: أردوغان يرغب في مكانة جيدة لتركيا في العالم بعد كورونا.. تفاصيل

وعلى خلفية دعوته لعقوبات فرنسيّة على تركيا؛ أوضح وزير التجارة الفرنسي، في حديثه مع إذاعة "فرانس انتر"؛ أنّ هذه العقوبات "تأتي في إطار موقف تركيا المشين، ودعواتها لمقاطعة البضائع الفرنسيّة، بدعوى أنّ ذلك انتصار ديني، كلّ هذا بعد تعدّياتها غير المقبولة في شرق المتوسط، ومحاولاتها المستمرّة الاعتداء على الحدود البحريّة اليونانية، واستخفافها باتفاقيات ترسيم الحدود التي وقعتها اليونان مع مصر مؤخراً".

أستاذة العلوم السياسية آسلي كراكا لـ"حفريات": فرنسا تحاول حماية مواردها الاقتصادية في المتوسط، خاصّة بعد دعوات أردوغان إلى مقاطعة المنتجات وإضرار الاقتصاد الفرنسي

 وترى أستاذة العلوم السياسية بجامعة بودابست، الدكتورة آسلي كراكا؛ أنّ "الدعوات الفرنسية لعقوبات على تركيا متوقّعة ومنطقيّة، بعد عدد لا حصر له من الشجارات والتصعيدات والتهديد المستمرّ من قبل الاتّحاد الأوروبي، والذي لم يؤثّر في السلوك المتهور لتركيا؛ لذا فإنّ فرنسا تحاول حماية مواردها الاقتصادية في المتوسط، خاصّة بعد دعوات أردوغان إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، والإصرار على الإضرار الاقتصادي بباريس".

الدّين.. تجارة أردوغان التي لا تنضب

دعا الرئيس التركيّ، أواخر الشهر الماضي، البلاد العربية والإٍسلامية إلى مقاطعة المنتجات الفرنسيّة، بحجّة الرسوم المسيئة التي نشرها المعلم، صمويل باتي، والذي تمّ ذبحه على يد مراهق شيشاني، وكما هو متوقع أشعلت هذه  التصريحات فتيل الأزمة، التي لم تهدأ بعد، وهو ما دفع الرئيس الفرنسيّ إلى التمسّك بموقفه، الذي أعلنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال خطابات جماهيريّة، انتقد فيها التطرف الإسلامي، ودعا إلى محاربة النزعات الانفصاليّة الإسلاميّة.

 تضيف كراكا، في تصريح لـ "حفريات": "من الطبيعيّ أن يثور النظام الحاكم في تركيا ضدّ محاربة التطرف التي تتزعمها فرنسا؛ إذ إنّ تركيا هي إحدى أكبر الدول التي تدعم هذه الحركات، لكنّ استخدام الدين في حرب تجارية بالأساس، كان من الأخطاء الكبرى التي وقع فيها النظام، الذي دعا إلى مقاطعة المنتجات الفرنسيّة، بعد أيام من دعوات سعوديّة لمقاطعة المنتجات التركيّة، وبالحديث عن عقوبات من فرنسا أو الاتحاد الأوروبيّ، فهو أمر لا يسهل تنفيذه، كما يتوقع البعض، لكنّها خطوة تصعيديّة، من المفترض أن تؤتي أكلها مع النظام التركيّ، الذي صار عبئاً على أوروبا بأكلمها، وفرنسا بشكل خاص".

اقرأ أيضاً: ما وراء القنابل الدخانية الإعلامية عن زيارة أردوغان إلى ليبيا 

هدّد الاتّحاد الأوروبيّ تركيا، أكثر من مرّة، بتوقيع عقوبات اقتصاديّة، في حال لم تتراجع عن انتهاكاتها التي بدأت بشمال سوريا، ثمّ ليبيا وشرق المتوسط، وها هي تصعّد الأزمة في ناغورني قرة باغ، وشمال قبرص، التي نادى أردوغان مؤخراً بضرورة حلّ الدولتين، ومع كلّ هذه الخطوات التصعيدية، والتي انقسم الاتحاد الأوروبيّ بشأنها أحياناً، واتّفق على موقف موحّد أحياناً أخرى، تبقى الأزمة بين الاتحاد وتركيا تتعلق بالثقة؛ إذ يملك أردوغان بين يديه ورقة اللاجئين التي لوّح بها أكثر من مرة، وقام بتنفيذ تهديداته بالفعل حين فتح الحدود بين بلاده واليونان، وهناك أزمة المرتزقة الذين صاروا الجيش الوفيّ للرئيس، فأصبحوا الجيش الحامي لأطماعه في ليبيا، ثم انتقل إلى أذربيجان حين تغيّر موقع الحرب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية