غزيون يتنقلون عبر العربات ويتنفسون هواء "الهدنة"

غزيون يتنقلون عبر العربات ويتنفسون هواء "الهدنة"

غزيون يتنقلون عبر العربات ويتنفسون هواء "الهدنة"


كاتب ومترجم فلسطيني‎
25/11/2023

اضطر السكان المدنيون العزل في قطاع غزة على التنقل لقضاء حاجاتهم من خلال العربات التي تجرها الحيوانات، وقد تجلى ذلك عندما بثت أمس شاشات التلفزة كيفية تنقل الناس بعد سريان الهدنة.
ويقول مواطن غزّي يمتلك عربة يجرها خيل لـ"حفريات" إنّ المواطنين يرغبون في ركوب العربات لانعدام سبل التنقل أمامهم، بعد غياب المركبات من الشوارع على إثر نفاد الوقود.
وقطعت إسرائيل امدادات الوقود واستهدفت الطرق الرئيسية والفرعية بالقصف الجوي والمدفعي المتعمد على مدينة غزة، حيث يواصل الاحتلال الإسرائيلي شن حرب مستعرة ولاسيما على مدينة غزة والمناطق الشمالية من القطاع، التي تتركز فيها المجازر البشعة وعمليات القصف المتواصل لمنازل المواطنين.  
ومنذ بدء الحرب وتفرض إسرائيل حصاراً مشدداً على مدينة غزة، وتمنع إدخال أي مساعدات إنسانية ولا حتى مياه ووقود إلى المدنيين العزل المحاصرين منذ "طوفان الأقصى"، في عقاب جماعي خطير يستهدف الاحتلال من خلاله المدنيين، بعد فشل الجيش في تحقيق إنجازات عسكرية ضد المقاومة، التي تواصل خوض المعركة وتكبيد الجيش خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات. 
وسيلة أساسية
ولم يقتصر استخدام الغزيين لعربات الحيوانات على التنقل والنزوح من خلالها إلى المناطق الجنوبية من قطاع غزة التي تروج إسرائيل على أنها مناطق آمنة فقط، بل أصبحت تلك العربات وسيلة أساسية في نقل الضحايا والمصابين من أماكن الاستهداف داخل مدينة غزة وحتى جنوبها إلى المستشفيات، ويعود ذلك إلى صعوبة وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني لأماكن القصف، نتيجة الانقطاع المتواصل للاتصالات وصعوبة التعرف على المواقع، عدا عن الدمار الهائل في البنية التحتية وصعوبة تحرك المركبات. 

غياب المركبات من الشوارع على إثر نفاد الوقود
وقالت وزارة الداخلية في غزة في تصريحات صحافية، إنّ أطقم الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة في غزة تعاني من شلل كامل في عملها الإنساني، نتيجة تعمد الاحتلال الإسرائيلي قصف المسعفين وقطع الطريق أمام تنقلهم لانتشال الجرحى والضحايا، في ظل استمرار ارتكاب المجازر البشعة بحق المدنيين داخل مراكز الإيواء ومنازل المواطنين، حيث باتت عربات الحيوانات هي الوسيلة الأساسية التي تنقل الجرحى والمواطنين داخل مدينة غزة التي تواجه حصاراً هو الأشد في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد نفاد الوقود الخاص بتشغيل المركبات وقطع شبكات الاتصال والإنترنت عن مناطق واسعة من غزة.

أصبحت العربات وسيلة أساسية في نقل الضحايا والمصابين من أماكن الاستهداف داخل مدينة غزة وحتى جنوبها إلى المستشفيات، بعد تعذّر وصول سيارات الإسعاف 


داخل مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، حيث ينشط عمل أصحاب عربات الحيوانات على نقل المواطنين الراغبين في النزوح إلى مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، نتيجة القصف المتواصل من قبل مدفعية الجيش والطائرات الحربية للأحياء السكنية، ومع الحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل على مجمع الشفاء الطبي أحد أكبر المجمعات الطبية في فلسطين، تصل في كل ساعة عربة محملة بضحايا وجرحى في جهد انساني يخاطر من خلاله أصحاب تلك العربات بأرواحهم، خاصة وأنّ طريق توجههم نحو المستشفى محفوفة بالمخاطر الكبيرة، بعد انتشار الجيش داخل أحياء مدينة غزة، عدا عن رصد الطائرات المسيّرة لكل التحركات داخل المخيم والمناطق المحيطة بمجمع الشفاء، الذي يشهد عمليات تجريف واستجواب للفرق الطبية وفرض حصار على المتواجدين بداخله، ومنعهم من التحرك خارج أقسام المجمع الطبي.
عمل إنساني خطير
يقول المواطن زايد الهندي وهو صاحب عربة يجرها حصان ويسكن بالقرب من مخيم الشاطئ الذي يشهد قصفاً عنيفاً وارتكاب مزيد من المجازر، إنه يقوم بعمل إنساني محفوف بمخاطر كبيرة جداً، من خلال تطوعه في نقل الجرحى الضحايا المنتشرين في الشوارع، خاصة نقل من مضى عليهم أيام وهم ينزفون في الشوارع دون وصول سيارات الإسعاف لإنقاذهم، نتيجة نفاد الوقود من سيارات الإسعاف، ومنع خروج أي من السيارات من داخل المراكز الصحية والتجول داخل شوارع مدينة غزة.
ويشير الهندي في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ هناك عدداً من المواطنين المتطوعين يخوضون عملاً إنسانياً من هذا النوع، "ويعود هذا النشاط نتيجة ما تواجهه مدينة غزة من وضع كارثي وعزلة عن العالم، إلى جانب الإجرام الإسرائيلي المستعر والذي يترافق مع التواطؤ الدولي، دفعنا إلى المخاطرة بأرواحنا من أجل مساندة المحاصرين ونقل الجرحى والضحايا تحت وابل القصف".

عزلة عن العالم، إلى جانب الإجرام الإسرائيلي المستعر
وأضاف: منذ بداية الحرب اتخذت من هذا العمل كفرصة لجلب المال ولو بشكل بسيط، بعد أن بات المواطنون يرغبون في ركوب العربات لانعدام سبل التنقل أمامهم بعد غياب المركبات من الشوارع على إثر نفاد الوقود، حيث عملت على نقل المواطنين الراغبين في التنقل بين المناطق في القطاع ولاسيما نقل المواطنين إلى جنوب قطاع غزة، بعد رغبة الآلاف من السكان الرحيل بعد إلقاء الاحتلال من خلال الطائرات منشورات على مناطق واسعة من شمال وغرب القطاع بضرورة الاخلاء الى جنوب القطاع، وكانت هذه الفكرة التي انخرط بها العشرات من أصحاب العربات، باكورة انطلاق عربات الحيوانات للعمل في نقل العائلات، والتي توسعت إلى أن باتت وسيلة أساسية لمساندة أطقم الإسعاف في نقل الجرحى إلى المستشفيات.

صاحب عربة لـ"حفريات": انخرط العشرات من أصحاب العربات للعمل في نقل العائلات، وباتت هذه المهنة وسيلة أساسية لمساندة المواطنين وأطقم الإسعاف
 

وتشهد سائر مناطق جنوب قطاع غزة هي الأخرى اعتماد السكان والنازحين بشكل أساسي على عربات الحيوانات في التنقل إلى الأسواق والمناطق المحيطة للمدن، بعد أن توقفت أيضاً أغلب المركبات عن العمل داخل المناطق التي تروج إسرائيل على أنها آمنة، وأصبح لهذه العربات مواقف رئيسية على مفترقات المدن والأسواق، ينادي أصحابها على المواطنين الراغبين في التنقل من مكان لأخر وبأجور زهيدة، وسط إقبال كبير جداً على التنقل من خلال تلك العربات.
مصالح شخصية
من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي عصمت منصور في سياق تحليله لمآلات الحرب إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يخوض حرباً لكسب مصالح شخصية مستهدفاً بها المدنيين للتغطية على فشله، حيث إنّ مسلسل المجازر البشعة المتواصلة على القطاع بحق المدنيين يأتي في إطار سياسة الانتقام من هجوم 7 أكتوبر، الذي أدخل نتنياهو في مأزق أمني وسياسي، ومهدد بالمحاكمة والتنحي عن الحكم لفشله الأمني في صد الهجوم، وبالتالي يمارس أبشع صور الانتقام من السكان بغطاء دولي، متجاهلاً الأعراف والقوانين الدولية التي تكفل حماية المدنيين خلال الصراعات والحروب.

مسلسل المجازر البشعة المتواصلة على القطاع بحق المدنيين يأتي في إطار سياسة الانتقام من هجوم 7 أكتوبر
وأوضح منصور لـ"حفريات" أن مدينة غزة على وجه التحديد تشهد كارثة إنسانية حقيقية، نتيجة تعمد الاحتلال ارتكاب أكثر من 650 مجزرة بحق المدنيين داخل مدارس النزوح والمربعات السكنية، وصعوبة المستشفيات تقديم الرعاية الصحية بسبب صعوبة التعامل مع المئات الحالات الحرجة التي بحاجة إلى علاج خارج القطاع، لكن الاحتلال يرفض السماح بنقل الجرحى إلى مستشفيات جمهورية مصر، من أجل قتل أكبر عدد من السكان المدنيين، وهذا بالفعل ما حدث مع ارتقاء العشرات من الجرحى بشكل بطيء على آسرة المستشفيات. 
 وأشار إلى أن الدعم الأمريكي السخي لإسرائيل منذ بدء الحرب، أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر لاستغلال الوقت وتدمير مدينة غزة، وايقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف المدنيين، فمشاهد المجازر المتواصلة باتت أمراً اعتيادياً نتيجة الصمت الدولي، الذي يرفض كبح جماح التغول الإسرائيلي المستمر، واستخدام الأسلحة الفتاكة والمحرمة في قصف بيوت المدنيين ومراكز الإيواء.
مواضيع ذات صلة:

هل بإمكان السلطة الفلسطينية حكم غزة؟

كفانا حرباً.. كفانا شهداء

فايننشال تايمز: حرب إسرائيل انتقامية.. سترتد عليها



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية