غزالة فلسطين ريم بنا تخلع ثوب المرض وترحل

غزالة فلسطين ريم بنا تخلع ثوب المرض وترحل


24/03/2018

"رحلت غزالتي البيضاء، خلعت عنها ثوب السقام ورحلت، لكنها تركت لنا ابتسامتها تضيء وجهها الجميل، تبدد حلكة الفراق" بهذه الكلمات الموجعة رثت الأديبة الفلسطينية زهيرة صباغ ابنتها ريم بنّا التي توفيت في برلين صباح اليوم بعد صراع مع مرض السرطان.
بنّا، المولودة في الناصرة عام 1966، اشتهرت بغنائها الملتزم، واعتبرت صوت فلسطين ورمز النضال والمقاومة، وحملت على عاتقها، منذ بدء مسيرتها الفنية، التعبير عن أفكار الشعب الفلسطيني وتطلعاته وهواجسه ونقلها إلى جميع أرجاء العالم.
مع إعلان عائلة بنّا رحيل "أيقونة فلسطين" فجر اليوم، خيم الحزن على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تصدر هاشتاغ #ريم_بنا أعلى "ترند" على موقع تويتر، كما غص فيسبوك بكتابات تبكي الراحلة التي ستبقى صوت فلسطين الحر.

صوت فلسطين لن يغيب

القاصة الفلسطينية أنوار الأنوار كتبت على صفتحها: "ريم بنّا.. حين خذلَنا القلبُ عن الغناء لفرط ما سكنته الخيبات، كان صوتكِ ملاذنا كيلا تغيبَ الأغاني والتهاليل الصافيات. وبذات القلب صلّينا لأجلكِ؛ إذ رأيناكِ تقاومين المرض ببسالة المحاربة، وها بنفس القلب ندعو الآن لوالدتك العزيزة بالصبر والصمود، ونعلم أنّ صوتكِ لن يغيب، وفيه صوت فلسطين، وأغاني الأمهات وحكايا الراحلين والباقين وبراءة الأطفال وإرادة الواعين، كنتِ أيقونة تحدٍّ لن تغيب، وداعاً للجسد الذي خذلكِ وسلامًا على الروح الباقية".
ابنة الدلعونا وحورية الشجن
عبّر الكاتب الصحافي الفلسطيني أنور حامد عن حزنه لفقد بنّا؛ حيث كتب على صفحته: "يا ريم! وطن بأكمله كان يصحو كل صباح، يفتح عينيه ليطمئن أنّك كسبت الجولة مرة أخرى. كنا ندرك أنّ الرحلة الطويلة، المشوار القاسي أنهكك، ولكننا نستمع إلى كلمات منك ترسم ملامح أيام وأغنيات وفرح آت فنكذب قوانين الأزل ونتزود بجرعة أخرى من إيمانك العنيد".

أنوار الأنوار: صوت ريم لن يغيب وفيه صوت فلسطين وأغاني الأمهات وحكايا الراحلين والباقين وبراءة الأطفال وإرادة الواعين

وتابع متأثراً "لم يفاجئني الخبر، مع ذلك طوحتني الصدمة يا ريم، يا ابنة الدلعونا، يا حورية الشجن، كم هي الدروس الجميلة التي تعلمناها من شموخك، وقوتك وإصرارك على أن تنتصر الأغنية في هذه المعركة غير المتكافئة، كم هي المعاني التي استقيناها من إيمانك أنّ اللحن أبقى والإيمان أقوى، وطن بأكمله يودعك اليوم يا غزالة ويترنم بأغنية هي الأعذب والأبقى: أغنية كفاحك العنيد، أغنية عنادنا جميعاً وشموخنا وإصرارنا على أن نحيا، أن نبقى، في مواجهة المستحيل".

حاربت ريم بنا السرطان بشجاعة وأمل وتحدٍّ

معركتان: الهوية والسرطان
الكاتبة والناشطة الثقافية الأردنية سمر دودين نعت الراحلة عبر صفحتها على فيسبوك قائلة: "يا ريم، مسار صوتك وكلمات سميح القاسم حفرت نهراً من الصحوة والضمير والالتزام بتحرير الأرض والإنسان، تحيا فلسطين بك، رحلت محاطة بنور وسلام وسكينه، سنفتقدك ..والله بكير يا ريم".
أما المغني الفلسطيني محمد عساف فكتب على حسابه على تويتر: "‏رحلت ريم بنا، رحلت بعد أن ملأت دنيانا حباً، فناً، أغاني وأهازيج، كانت من فلسطين ولفلسطين تغني وتطرز الوسادات وتزرع الزهور على شرفتها في الناصرة، كانت معركتها ليست فقط معركة الهوية والثقافة والفن الفلسطيني؛ بل حاربت السرطان بشجاعة وأمل وتحدٍّ".

بنّا: هذه الحياة جميلة والموت كالتاريخ فصل مزيّف
عانت ريم من مشاكل صحية كثيرة أثرت على مسيرتها الفنية تأثيراً كبيراً؛ فقد أصيبت بسرطان الثدي للمرة الأولى العام 2009، وبعدها بستة أعوام أصيبت به لمرة ثانية. وأصيبت بشلل في الوتر الصوتي الأيسر ما اضطرها إلى التوقف عن الغناء العام 2016.
تمتعت ريم بحالة كبيرة من الأمل، تدعم من خلالها جميع مرضى السرطان وتمدهم بطاقة إيجابية لمواصلة رحلة صمودهم.

سمر دودين: مسار صوتك وكلمات سميح القاسم حفرت نهراً من الصحوة والضمير والالتزام بتحرير الأرض والإنسان، تحيا فلسطين بك

حالة ريم الصحية تدهورت في الأعوام الأخيرة؛ حيث أصيبت بالتهاب حاد في الأحبال الصوتية، مما أفقدها قدرتها على الغناء، وخضعت نتيجة الالتهاب إلى عملية جراحية في أحد مشافي ألمانيا، ونجحت العملية آنذاك، وأمرها الأطباء بممارسة بعض التمرينات الصوتية لعودة صوتها تدريجياً، إلا أنّ جسدها لم يسعفها لمواصلة التمرينات؛ حيث غزت المياه رئتيها في الأشهر الأخيرة، ما جعلها تتنقل بين مشافي فلسطين، ومن ثم اضطرت للسفر للعلاج بالخارج مرة أخرى ليخطفها الموت في برلين.
كتبت ريم بداية الشهر الجاري على صفحتها على فيسبوك متألمة، لكنها رافضة شعور الشفقة ممن حولها، قائلة:
بالأمس.. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي
فكان علي أن أخترع سيناريو ..
فقلت ...
لا تخافوا .. هذا الجسد كقميص رثّ .. لا يدوم ..
حين أخلعه ..
سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق ..
وأترك الجنازة "وخراريف العزاء" عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام ... مراقبة الأخريات الداخلات .. والروائح المحتقنة...
وسأجري كغزالة إلى بيتي ...
سأطهو وجبة عشاء طيبة ..
سأرتب البيت وأشعل الشموع ...
وانتظر عودتكم في الشرفة كالعادة ..
أجلس مع فنجان الميرمية ..
أرقب مرج ابن عامر ..
وأقول .. هذه الحياة جميلة ..
والموت كالتاريخ ..
فصل مزيّف ..

حكاية ابنة الناصرة

كانت ابنة مدينة الناصرة الفسطينية محبة للغناء منذ حداثة سنها وازداد شغفها بالموسيقى مع مرور الأعوام، لتحترف الغناء؛ حيث سافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى، وفي عام 1991 تخرجت في المعهد بعد 6 سنوات من الدراسة الأكاديمية.
تميزت أغاني بنّا بطابع خاص؛ إذ عملت على تقديم الأغاني الفلسطينية التراثية بموسيقى عصرية وحظيت باهتمام الجمهور منذ بدايتها، وكانت تستقي كلمات أغانيها من التراث الفلسطيني وثقافته.
أطلقت بنا ألبومها الغنائي الأول "جفرا" عام 1985، وفي العام 1986 أطلقت الثاني "دموعك يا أمي"، ليحمل ألبومها الثالث في عام 1993 عنوان "الحلم".
أصدرت الراحلة ألبومين غنائيين للأطفال هما: "قمر أبو ليلى" عام 1995، و"مكاغاة" عام 1996، لتعود بعدها إلى خط الغناء الملتزم؛ فأصدرت ألبوماً وطنياً "وحدها بتبقى القدس" العام 2001، وفي العام نفسه "مرايا الروح" الذي أهدته إلى الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية.

حامد: وطن بأكمله يودعك اليوم يا غزالة ويترنم بأغنية هي الأعذب والأبقى: أغنية كفاحك العنيد

وفي العام التالي، أطلقت ألبوم "مواسم البنفسج: أغاني حب من فلسطين"، ليليه ألبوم آخر بعنوان "نوار نيسان"، لتصدر ألبومين جديدين هما: "صرخة من القدس" عام 2010 ، وأوبريت "بكرة" عام 2012.
اختارت وزارة المرأة في تونس ريم بنا شخصية العام 1997. وفازت بنا بجائزة فلسطين للغناء عام 2000 وجائزة ابن رشد للتفكير الحر 2013. كما
أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية ريم بنا شخصية العام الثقافية لعام 2016.
في الآونة الأخيرة، سجلت ريم، قبل تدهور حالتها، ألبوماً موسيقياً جديداً، إلا أنه لم ير النور بعد، ورغم أنّ الألبوم لا يحمل غناءها، إلا أنه يحمل هواجسها وبعض كلماتها، حسب ما أعلنت.
بقيت ريم حتى آخر يوم تقاوم المرض بصوتها وحلمها وغنائها، غاب جسدها لكن صوتها المقاوم سيبقى يتردد في فضاء فلسطين وفي أذن كل من أحبها.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية