عن تشابكات حماس وداعش وجماعات التطرف

عن تشابكات حماس وداعش وجماعات التطرف

عن تشابكات حماس وداعش وجماعات التطرف


10/03/2024

في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي وقع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من غزة على جنوب إسرائيل، والذي قادته حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، إلى جانب جماعات مسلحة أخرى أصغر في غزة، كانت هناك حملة رسائل منسقة مدعومة من إسرائيل ومؤيديها لربط حماس بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). تتضمن هذه الحملة حملة إعلانية واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب و اكس (المعروف سابقاً باسم تويتر) باستخدام الهاشتاج “حماس = داعش” الذي روج له مسؤولون حكوميون إسرائيليون، وكذلك نشطاء مؤيدون لإسرائيل. ويزعم أنصار شعار “حماس = داعش” أن المنظمتين تتقاسمان “نفس التكتيكات”، وترتكبان “نفس الجرائم الهمجية”، ولذلك يجب أن تتقاسما “نفس الإيديولوجية”، على الرغم من أنها أصبحت أكثر تكراراً في أعقاب هجوم 7 أكتوبر / تشرين الأول، إلا أن الادعاءات بأن حماس هي “داعش الفلسطينية”، وأنه لا يمكن تمييزها عن تنظيم الدولة الإسلامية ليست جديدة؛ لقد تم استخدامها منذ ما يقرب من عقد من الزمان. بالإضافة إلى كونها فرضية غير صحيحة من الناحية الواقعية، فإن الخلط بين حماس وداعش، كتنظيمات وحركات اجتماعية أوسع، من شأنه أن يؤثر سلباً على التفكير الاستراتيجي ونتائج السياسة الخارجية المستقبلية.

تاريخ (طويل) من العنف: حماس والمسلحون العابرون للحدود الوطنية في غزة

في يناير/ كانون الثاني 2018، أصدر فرع تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، والذي يطلق على نفسه اسم “ولاية سيناء”، مقطع فيديو دعائياً مروعاً يظهر مجموعة من أعضائه يعدمون رجلاً راكعاً اتهموه بتهريب أسلحة من مصر إلى غزة لحركة حماس الإسلامية الوطنية الفلسطينية. وكان على رأس منفذي الإعدام حمزة الزاملي البالغ من العمر 25 عاماً، والذي غادر غزة مع اثنين من أشقائه في عام 2015 تقريباً للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء باستخدام الأنفاق تحت الأرض. وزعم الزاملي أن حماس تنظيم “مرتد” خرج أعضاؤه عن الإسلام. وتركزت حجته على قبول حماس لنظام الدولة القومية العالمية وتأييدها للقومية الفلسطينية بدلاً من دعم نسخة تنظيم الدولة الإسلامية من التشدد العالمي. وحث أنصار تنظيم الدولة الإسلامية في الضفة الغربية وغزة على استخدام كل الوسائل اللازمة لاستهداف محاكم حماس ومكاتبها وقواتها الأمنية، وأدان حكومة حماس في غزة بسبب حملتها القمعية على أنصار تنظيم الدولة الإسلامية هناك، والتي شنتها جزئياً لقمع المعارضين المسلحين لها. وتتمتع حماس بسلطة خاصة، وتحاول أيضاً تحسين علاقاتها المتوترة مع مصر بسبب الحدود التي يسهل اختراقها بين سيناء وغزة. ودعا تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء إلى شن هجمات على “الكفار” المسيحيين الفلسطينيين والمسلمين الشيعة في غزة. ونفذ عملية الإعدام فعلياً المقاتل السابق في الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب الشهيد عز الدين القسام، محمد الدجاني، الذي انشق وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء. وتراوحت ردود مسؤولي حماس على فيديو تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء بين الادعاء بأنه إنتاج “صهيوني” والادعاء بأن تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء كان يحاول منع حماس من الحصول على الأسلحة، حتى لا تتمكن من “مقاومة الاحتلال الإسرائيلي”.

كانت عملية الإعدام في يناير/ كانون الثاني 2018 جزءاً من تاريخ أطول بكثير من العداء بين حماس والمسلحين في غزة الذين لهم صلات بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. وقد سعت قوات الأمن التابعة لحماس وكتائب القسام منذ فترة طويلة إلى قمع الجماعات المسلحة المستقلة ذات التركيز العالمي، والتي انجذبت إلى كل من تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. في غشت / آب 2009، أعلنت جماعة جند أنصار الله المسلحة المتمركزة في غزة عن تشكيل “إمارة إسلامية في أكناف بيت المقدس”. وتزعم هذه المجموعة الداعية السلفي الغزاوي عبد اللطيف موسى، المعروف باسم “أبو النور المقدسي”، إمام مسجد ابن تيمية في مدينة رفح جنوب غزة، والقائد العسكري خالد بنات، الذي ادعى أن لديه خبرة مقاتل أجنبي. وأدى هذا الإعلان، إلى جانب تخزين جند أنصار الله للسلاح، إلى اشتباكات استمرت ساعات بينها وبين شرطة حماس وقوات كتائب القسام، قُتل خلالها 26 شخصاً، من بينهم موسى وبنات إلى جانب 14 آخرين من جند أنصار الله. وقد تضمن إعلان جند أنصار الله الاستفزازي عن “إمارة إسلامية” في غزة دعوة لجميع الجماعات الفلسطينية المسلحة للانضمام إليها، وأدى إلى استعراض هائل للقوة من قبل حكومة حماس، التي نشرت شرطتها وقواتها الأمنية الأخرى، ومن بينها كتائب القسام.

المتشددون العالميون يدينون حماس

أدى قمع حماس لجماعة جند أنصار الله وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة المتعاطفة مع الجهادية العابرة للحدود الوطنية إلى إدانتها على نطاق واسع من قبل القاعدة وفروعها الإقليمية، بما في ذلك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة الشباب الصومالية، وما كان يُعرف آنذاك بدولة العراق الإسلامية، التي غيرت اسمها أولاً ما بين عامي 2013 و2014 إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ثم إلى الدولة الإسلامية فقط. وأصدرت هذه المجموعات كلمات تأبين لموسى وأعضاء جند أنصار الله الآخرين الذين قتلوا في رفح. وكانت حماس قد تعرضت في السابق لإدانة شديدة من قبل الزعيمين المؤسسين لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، لمشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006. ومن خلال المشاركة في العملية الانتخابية الديمقراطية، اعتبرت حماس مذنبة بتأييد “دين” الديمقراطية على الإسلام؛ لأنه من الناحية النظرية، في النظام الديمقراطي يمكن للأغلبية أن تختار مخالفة “حكم الله وشريعته”.

في عام 2014، تم تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء من قبل أعضاء من الجماعات الإسلامية المسلحة الصغيرة نسبياً في غزة وسيناء، وعلى رأسها أنصار بيت المقدس، في أعقاب دعوات من زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي لجميع الجماعات الإسلامية السنية المسلحة بالانضمام إلى “الخلافة” التي أعلنها. في يونيو/ حزيران 2015، أصدر القسم الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية مقطع فيديو يظهر مقاتلين فلسطينيين متمركزين في سوريا ينتقدون حماس لعدم حكمها بشكل كافٍ بـ “الشريعة الإسلامية” ويتعهدون بتدمير ليس إسرائيل فحسب، بل وأيضاً فتح وحماس و”كل الفلسطينيين العلمانيين”. في أعقاب هجوم 7 أكتوبر / تشرين الأول، ظل تنظيم الدولة الإسلامية معادياً لحماس، على الرغم من الضجة التي قوبل بها الهجوم.

اتهام تنظيم الدولة الإسلامية لحماس

الأمر الأكثر إثارة للغضب بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجهاديين العالميين هو قبول حماس للقومية والأنظمة والعمليات السياسية الحديثة، بما في ذلك الانتخابات، واستعدادها لمنح جميع الفلسطينيين، على الأقل من الناحية النظرية، حقوقاً متساوية كمواطنين في الدولة الفلسطينية، واعترافها بأن الشريعة الإسلامية في حد ذاتها غير كافية للحكم وتحتاج إلى استكمالها بمجموعات أخرى من القواعد واللوائح والعمليات التشريعية والإدارية؛ لأنها مجموعة من المبادئ وليست مدونة قانونية مكتملة. هناك خلافات ونقاشات داخلية داخل حماس حول السياسة وشكل الدولة المستقلة المستقبلية، وقد تأثر قادة المنظمة، في الماضي والحاضر، بشكل عميق بالفكر والفلسفة السياسية الغربية، بالإضافة إلى النصوص الدينية والقانونية الإسلامية. ولا يخجل قادة حماس من الاعتراف بهذه التأثيرات، التي يزعم الجهاديون العالميون أنها تثبت الهوية “غير الإسلامية” للجماعة الفلسطينية.

ومن خلال الاستشهاد بشكل انتقائي بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص الفقهية الإسلامية، يوجه تنظيم الدولة الإسلامية عدة اتهامات رئيسة ضد حماس، والتي يزعم أنها تبطل الهوية “الإسلامية” للجماعة الفلسطينية بالكامل. مثل تنظيم القاعدة، يؤكد تنظيم الدولة الإسلامية أن “دين ومذهب” حماس هو الديمقراطية، وهو ما يتناقض مع جوهر الإسلام؛ لأن الديمقراطية، وفقاً لداعش، هي نظام يمكن من خلاله تقييد أوامر الله أو حتى إلغاؤها بالكامل من خلال التصويت الشعبي. ويرى تنظيم الدولة الإسلامية أن حماس، من خلال تبني العمليات والمؤسسات الديمقراطية، بما في ذلك الانتخابات – حتى لو تم ذلك من منطلق المصلحة الذاتية – تحكم من خلال “قوانين دولية ومحلية /عرفية [غير إسلامية] كافرة” تتعارض مع “شريعة الله”. تتم كتابة هذه القوانين “الكافرة” وتعديلها وتنفيذها من قبل “برلمان مشرك”، وتتعارض مع اعتقاد تنظيم الدولة الإسلامية بأن التشريعات وأنظمة الحكم التي وضعها الإنسان “غير إسلامية”. وبدلاً من الاسترشاد بالقرآن، باعتباره وحي الله وهدىً للبشرية، وبالتقاليد التي أرساها النبي محمد، فإن حماس تعرقل تطبيق الشريعة “الحقيقية”، وتمنع الآخرين من الالتزام بأوامرها، والتي تشمل، وفقاً لداعش، فرض الجزية على غير المسلمين وقتل الكفار.

كما يسلط تنظيم الدولة الإسلامية، مثل تنظيم القاعدة وأنصاره من قبله، الضوء على تحالف حماس مع إيران وغيرها من الحكومات “المرتدة والطاغوتية (غير الإسلامية)”. وفي ذروة معارك تنظيم الدولة الإسلامية مع تنظيم القاعدة المركزي وفروعه الإقليمية، اتهم أبو محمد العدناني، المتحدث باسم داعش آنذاك، الظواهري وغيره من قادة تنظيم القاعدة في مرحلة ما بعد بن لادن بمنع الهجمات على إيران وجماعتها الشيعية. وبعيداً عن التحالف السياسي بين حماس وإيران، فإن تنظيم الدولة الإسلامية يدين الجماعة الفلسطينية لمساعدتها على إضفاء الشرعية على النظام الإيراني، والأهم من ذلك، الإسلام الشيعي على نطاق أوسع. منذ تأسيس تنظيمها السابق، جماعة التوحيد والجهاد، الذي أصبح لاحقاً تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين/ العراق، على يد أبي مصعب الزرقاوي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح لدى تنظيم الدولة الإسلامية تاريخ طويل من الطائفية العنيفة ورفض المذهب الشيعي. إن تعاون حماس مع الحكومة المصرية في قمع تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء (المشار إليه باسم “الموحدين”) يقدمه تنظيم داعش أيضاً كدليل على خيانة الجماعة الفلسطينية.

جوهر الخلاف

إن الاختلافات بين حماس وتنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك بين حماس وتنظيم القاعدة، واضحة في مجالات اللاهوت والسياسة والتطبيق العملي؛ فالأيديولوجيا تتطور باستمرار على المستويين التنظيمي والفردي، ودورها في التأثير على السلوك معقد وليس مباشراً، ويعد السياق السياسي والاجتماعي أمراً حيوياً لفهم كيفية تشكيل وتطور الأيديولوجية التنظيمية والفردية والدوافع الأيديولوجية، وكذلك سبب وجود الاختلافات في كثير من الأحيان بين التصريحات الأيديولوجية، بما في ذلك الإنتاج النصي لأنواع مختلفة من الجماعات الإسلامية، والسلوك التنظيمي/ الفردي.

يميل أنصار الرأي القائل إن حماس والدولة الإسلامية هما “شيء واحد” إلى الإشارة إلى استخدام الجماعتين للعنف؛ وخاصة الهجوم العنيف الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول. ومع ذلك، حتى في نهجهما واستخدامهما للعنف السياسي، تختلف المجموعتان بشكل ملحوظ في كيفية سعيهما لتبريره وتأطيره. يصور تنظيم داعش استخدامه للعنف، باعتباره جزءاً من حملة سياسية وعسكرية عالمية لفرض “دولة إسلامية” عابرة للحدود الوطنية، والتي يزعم قادة الجماعة ومنظروها أنها “خلافة” جديدة، بينما تربط حماس عنفها بالقومية وترى أن استخدامه ضروري لتحقيق الاستقلال السياسي وإقامة الدولة الفلسطينية. تختلف المجموعتان أيضاً في كيفية تصويرهما للعنف في عملياتهما وخطابهما الإعلامي. وبعيداً عن التنصل من المسؤولية، يتبنى تنظيم الدولة الإسلامية عملياته بشكل كامل وينشر علناً تشريعاته لأشكال العنف البشعة في كثير من الأحيان، بما في ذلك قطع الرؤوس، والإغراق، والتعذيب. في المقابل، وعلى الرغم من تنفيذ تفجيرات انتحارية وأنواع أخرى من الهجمات الإرهابية ضد المدنيين في 7 أكتوبر/ تشرين الأول وقبله، فقد تراوحت ردود فعل حماس بين الإنكار الصريح والتعتيم فيما يتعلق بالانتهاكات التي ارتكبها أعضاؤها في ذلك اليوم. وقد يكون هذا بسبب فهم قادة حماس للتكاليف السياسية والعلاقات العامة الناجمة عن الانتهاكات ضد المدنيين التي ترتكبها كتائب القسام أثناء مناوراتها على المسرح العالمي. ويختلف هذا أيضاً بشكل ملحوظ عن التبجح الصارخ الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية بشأن العنف الذي يرتكبه ضد المدنيين وجرائم الحرب الأخرى.

وعلى الرغم من أن كلاً من حماس وتنظيم الدولة الإسلامية يعتمدان بشكل انتقائي على النصوص الإسلامية والنصوص التاريخية والقانونية والسياسية والفلسفية، فإنهما ينظران إلى دور الدين في بناء الدولة والحكم بطرق مختلفة تماماً. إن إدراك هذه الاختلافات أمر مهم لفهم هذه المنظمات والحركات الاجتماعية الأوسع والدوائر الشعبية التي تدعمها. وهذا بدوره يمكن أن يساعد على تطوير وصقل مناهج السياسة الخارجية تجاهها، بما في ذلك التقييمات الدبلوماسية والأمنية فيما يتعلق بالتحديات المختلفة والتهديدات المحتملة التي تشكلها.

عن "المركز العربي لدراسات التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية