أماكن احتجاز يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (ج2 )

أماكن احتجاز يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (ج2 )

أماكن احتجاز يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (ج2 )


كاتب ومترجم جزائري
07/03/2023

ترجمة: مدني قصري

تناول الجزء الأول من هذا المقال/ الدراسة، أوضاع معتقَلين داعشيين بين أيدي القوات الكردية في سوريا. فإلى جانب وصف أوضاع المعسكرات والسجون المختلفة واهتمامه بداعش الذي جعل من إطلاق سراح أتباعه أولوّية عَمَلِيّاتية فإنّ هناك اهتماماً خاصاً سيتم إيلاؤه للتهديد الأمني ​​المتزايد الذي تجسده أماكن الاحتجاز هذه، واستجابة المجتمع الدولي، لا سيما فيما يتعلق بإعادة المقاتلين غير العراقيين وغير السوريين إلى بلدهم الأصلي، كما يوضح الجزء الثاني من المقال. (المحرر)

****

1. أماكن الاعتقال بؤر التلقين العقائدي والتطرف الحقيقي

 تتميّز أماكن احتجاز مقاتلي داعش وعائلاتهم في سوريا بالأوضاع الإنسانية والأمنية الحرجة السائدة فيها، لا سيما في مخيّم الهول الذي كان، بحكم حجمه الديموغرافي الاستثنائي، المتكوّن من النساء والأطفال بشكل أساسي الأكثر توثيقاً من قبل المنظمات غير الحكومية وغيرها من المنظمات أو المؤسسات الدولية. السجون الأخرى التي يقيم فيها مقاتلو داعش أقلّ توثيقاً في الواقع وأقل وصول القوات الكردية إليها. وفي ما يخص حالة سجن الصناعة على سبيل المثال تمّ طرحُ الحجّة الأمنية لصحفيي "بروت إنديا" Brut India  من أجل توضيح السبب الذي جعل هؤلاء الصحفيين من بين المراسلين الأوائل الذين سُمِح لهم بدخول السجن.

أما أماكن الاعتقال التي تحتجزها القوات الكردية فقد اتضح أنها في الحقيقة بؤرٌ عقائدية حقيقية لتنظيم داعش، حيث ينتظم مقاتلوها والمتعاطفون معها من أجل إدامة أيديولوجية الجماعة ونقلها إلى الأطفال وفرضِها على الكبار الرافضين لها. وهكذا يتم بانتظام الإبلاغ عن حالات تعذيب - وحتى قتل سجناء يرتكبها زملاؤهم السجناء لأسباب أيديولوجية: خلال عملية نُفّذت في أيلول (سبتمبر) 2022 في المخيم أطلقت القوات الكردية سراح أربع نساء تم العثور عليهنّ في المخيم مقيّدات بالسلاسل في نفق وفي داحل خيام على يد متعاطفين مع داعش. كما كنّ يحملن آثار الاعتداء الجسدي. خلال العملية الأمنية نفسها، وهي واحدة من أكبر العمليات التي نفذتها القوات الكردية – في إرادة واضحة بأن لا تتكرر حوادث مثل محاولة الهروب من سجن الصناعة في كانون الثاني (يناير) 2022 – حيث أفرجت هذه القوات عن فتاة يزيدية اختطفتها داعش واستعبدتها عام 2014 على جبل سنجار في العراق.

🎞

كان الأطفال - الذين مثلوا نصف سكان مخيّم الهول عام 2022 وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية - من بين الأهداف ذات الأولوية لهذا التلقين العقائدي. في أيار (مايو) 2020 تعرض صحفيون من وكالة أسوشيتد برس لهجوم من قبل قاصرين قذفوهم بالحجارة، وحيث أعلن أحدهم "سنقتلكم لأنكم كفار، أنتم أعداء الله. نحن الدولة الإسلامية، وأنتم الشيطان، وسأقتلكم بالسكين. سوف أفجّركم بقنبلة يدوية!" 

كما أنّ عدداً كبيراً من نساء داعش المقاتلات - اللواتي أنشأتهنّ كتائبُ حقيقية، ولا سيما كتيبة الخنساء- يسعين أيضاً داخل المخيم نفسه، إلى إجبار الأطفال على الزواج ببعضهنّ من أجل تكوين أزواج جدد موالين لداعش، وبالتالي آباء أطفال المستقبل الموالين للتنظيم الإرهابي. في الواقع تُعتبَر نساء المخيم من بين أكثر المدافعات والمروّجات حماسة لداعش، حتى بين أكثرهنّ عنفاً. ولضمان الاحترام المناسب لفكر داعش في المخيم تم تشكيل كتائب "الحسبة" (الشرطة الدينية). علاوة على ذلك لا تُستثنَى النساء على غرار نظرائهن الذكور من حيث الفرار: في تشرين الأول (أكتوبر) 2020 أحبطت قوات الأمن الداخلي الكردية (الآسايش) على سبيل المثال محاولة هروب أكثر من 200 امرأة من مخيم الهول.

2. مركز أمامي لعودة داعش؟

وممّا لا يثير الدهشة أنّ انعدام الأمن يبدو أيضاً منتشراً في أماكن الاحتجاز هذه. في مخيم الهول أثبتت بعثة منظمة الصحة العالمية في كانون الأول (ديسمبر) 2021 أنه إذا كانت 54٪ من وفيات السجناء خلال عام 2021 يمكن أن تُعزى إلى أسباب طبيّة (نوبات قلبية، كوفيد -19، ولادة أجنة أموات...) فإنّ 38٪ منها على صلة بجريمة، و17٪ بالحرائق (حرائق خيام في معظم الوقت، بعضها عن قصد و9٪ بالإصابات (العرضية أو عمداً). وهكذا، من كانون الثاني (يناير) 2021 إلى حزيران (يونيو) 2022، أي خلال عام ونصف العام اغتيل أكثر من مائة شخص في مخيم الهول - أحياناً بقطع الرأس - غالباً على خلفية فرضِ أيديولوجية داعش بالعنف والترهيب من قبل أعداد كبيرة من النساء في المخيم على المعتقلين الآخرين، على الرغم من عمليات التفتيش والعمليات الأمنية المنتظمة التي تقوم بها القوات الكردية. من بين جميع المعتقلين الذين لقوا حتفهم في المخيم من آذار (مارس) 2019 إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 كان 35٪ منهم من الأطفال بحسب المنظمة الفرنسية غير الحكومية "أطباء بلا حدود".

يتم استغلال مقاطع الفيديو من مخيم الهول بشكل منتظم من قبل مختلف أجهزة الدعاية التابعة لداعش، مثل مقطع فيديو نُشر 2019 يُظهر نساء يطلبن من البغدادي تحريرهن

في الواقع لا يكتفي الأسرى الجهاديون بإبقاء أيديولوجية أبو بكر البغدادي حية: إنهم ينظمون ما بعد ذلك، أي إطلاق سراحهم وعودة الدولة الإسلامية إلى العراق وسوريا. كما رأينا أعلاه فإنّ محاولات الهروب عديدة بقدر ما هي منتظمة ومنظمة من خارج أماكن الاحتجاز ومن داخلها. تُظهر اللقطات التي صورتها شركة Brut India في عام 2021، على سبيل المثال، أنّ سجناء الصناعة يضاعفون من براعتهم لإغراء الحراس الأكراد وشن عمليات هروب جماعية. خلال عملية البحث التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية في مخيم الهول في أيلول (سبتمبر) الماضي ألقى مقاتلون أكراد القبض على 300 من مقاتلي داعش بسبب تبشيرهم أو تورطهم في أنشطة سرية مختلفة لصالح التنظيم الإرهابي، وضبط 25 كيلوغراماً من المتفجرات، والعديد من القنابل اليدوية. وخلال هذه العملية قُتِل عضوان من وحدات حماية الشعب (YPG) خلال الاشتباكات المسلحة في المخيم مع مسلحي داعش.

سكان المخيم والقوات الكردية ليسوا الضحايا الوحيدين للعنف المنتشر على يد مسلحي داعش. كما يتزايد استهداف موظفي المنظمات غير الحكومية أو المنظمات الدولية العاملة هناك، كما يتضح من زيادة الهجمات ضدهم بما يقرب من 72٪ منذ عام 2020 أو مقتل طبيب يبلغ من العمر 26 عاماً بالرصاص في16  كانون الثاني (يناير) 2022. وهو دليل على التصعيد الأمني ​​في المخيم، في الربع الثاني من عام 2022 وحده ارتفع عدد الحوادث الأمنية بنسبة 250٪ مقارنة بالربع السابق.

يمثل مخيم الهول معادلة أمنية معقدة للغاية

يمثل مخيم الهول في الواقع معادلة أمنية معقدة للغاية. أجزاء منه تظل خارجة عن السيطرة،  ولا تدخلها القوات الكردية إلا خلال عمليات أمنية واسعة النطاق بدعم من التحالف الدولي. لقد أقامت داعش شكلاً من أشكال السيطرة السياسية والاجتماعية على المقيمين فيها، كما يتضح على سبيل المثال من خلال رفع علم داعش فوق خزان مياه في أيلول (سبتمبر) الماضي. أكدت سجينة أسترالية زعمت أنها تخلت عن ولائها لداعش في 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 أنّ "مخيم الهول دولة إسلامية صغيرة، فأنت فيه مع نفس الأشخاص الذين يحاولون فرض قوانينهم في المخيم". القوانين والأيديولوجيا موجودة بالفعل في المخيم: في آب (أغسطس) 2022 أسفرت عملية بحث بدأتها قوات سوريا الديمقراطية عن تفكيك 33 خيمة كانت تستخدم "كمراكز تلقين ومحاكم خارج نطاق القضاء" ضد سكان المخيم الرافضين التمسك بمبادئ داعش.

في الواقع لا يكتفي الأسرى الجهاديون بإبقاء أيديولوجية أبو بكر البغدادي حية: إنهم ينظمون ما بعد ذلك، أي إطلاق سراحهم وعودة الدولة الإسلامية إلى العراق وسوريا

كما نُشرت أيضاً الدعاية التي رُوّج لها عبر الإنترنت والتي حققت الكثير من نجاح داعش داخل السجون الكردية. يتم استغلال مقاطع الفيديو التي تم التقاطها داخل مخيم الهول بشكل منتظم من قبل مختلف أجهزة الدعاية التابعة لداعش، مثل مقطع فيديو نُشر في عام 2019 يُظهر نساء يهدّدن بتنفيذ هجمات ويطلبن من البغدادي ومقاتليه للمجيء وتحريرهن، أو التي نُشرت في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه عن صبي يؤكد تطلعه إلى أن يصبح إنغماسياً، انتحارياً، من أجل "قتل المرتدين".

لكنّ هذا التصعيد الأمني ​​داخل مخيم الهول ومحاولة الهروب من سجن الصناعة في كانون الثاني (يناير) 2022 دفع إدارة بايدن إلى إعادة النظر في ظاهرة داعش وترحيل المقاتلين الأجانب وعائلاتهم إلى وطنهم، كحل من حلول وقف عودة ظهور الجماعة الإرهابية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lesclesdumoyenorient.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية