ترجمة هروب الجهاديين المسجونين من أولويّات داعش (ج1)

ترجمة هروب الجهاديين المسجونين من أولويّات داعش (ج1)

ترجمة هروب الجهاديين المسجونين من أولويّات داعش (ج1)


كاتب ومترجم جزائري
21/02/2023

ترجمة: مدني قصري

بعد أربع سنوات تقريباً من هزيمة داعش على الأرض، ما مصير أكثر من 12 ألف مقاتل وأقاربهم المحتجزين في شمال شرق سوريا؟

"كانت هذه العملية من أهمّ العمليات التي نفّذتها داعش. بحسب أقوال الأسرى الذين تمّت مقابلتهم خلال الساعات الأولى من العملية فقد كانت هذه العملية مخطّطة منذ أكثر من ستة أشهر". هذا ما أكّده في 26 كانون الثاني (يناير) 2022 رئيس العلاقات الخارجية في قوات سوريا الديمقراطية صيامند علِي، فيما كانت المعارك لا تزال مستعرة في سجن الصناعة في الحسكة الذي هاجمه حوالي 200 من مقاتلي الدولة الإسلامية قبل ذلك بستة أيام من أجل الإفراج عن ما يقرب من 5000 رفاق محتجزين هناك على يد الأكراد.

إذا كان الأكراد قد تمكنوا من استعادة السيطرة على السجن بعد عشرة أيام من القتال العنيف، وبمساعدة التحالف الدولي فإنّ محاولة الهروب الجريئة جاءت لتُذكّر ليس فقط بقدرة داعش على الصمود، داعش القادرة دائماً على تنظيم عمليات معقدة وواسعة النطاق، ولكن لتذكّر على الخصوص بالدور المركزي إن لم يكن الدور الذي لا مفر منه الذي تلعبه أماكن الاحتجاز (السجون ومعسكرات الاعتقال) لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم ضمن الاستراتيجية العسكرية والسياسية والأيديولوجية للتنظيم الإرهابي في الوقت الحالي. إنّ هجوم مسلحي داعش على سجن الرقة في 2 شباط (فبراير) من أجل تحرير رفاقهم - عبثاً - وفرار حوالي عشرين منهم من "سجن راجو الأسود" خلال الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في يوم 6 شباط (فبراير) قد يُثبِتان هذا الواقع بمزيد من القوّة في الوقت الراهن.

في الواقع تؤكد إدارة شمال شرق سوريا (AANES) والمنظمات غير الحكومية ومختلف المنظمات الدولية، وحتى بعض الإدارات الوطنية أنّ وجود سجناء داعشيين بين أيدي القوات الكردية السورية يشكل "قنبلة موقوتة" حقيقية: بعد أربع سنوات تقريباً من هزيمتهم الإقليمية في سوريا لا يزال حوالي 12000 مقاتل و70000 امرأة وطفل من مقاتلي داعش - من بينهم 10000 مقاتل غير عراقيين وغير سوريين – سجناء، ويُحَوِّلون أماكن احتجازهم إلى فضاءات هائجة حقيقية للتلقين العقائدي وإلى مُوجِّه محتمل لعودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى بلاد الشام.

🎞

على هذا النحو يهدف هذا المقال إلى حصر أوضاع معتقَلين داعشيين بين أيدي القوات الكردية في سوريا. إلى جانب وصف أوضاع المعسكرات والسجون المختلفة واهتمامه بداعش الذي جعل من إطلاق سراح أتباعه أولوّية عَمَلِيّاتية (الجزء الأول من المقال) فإنّ اهتماماً خاصاً سيتم إيلاؤه للتهديد الأمني ​​المتزايد الذي تجسده أماكن الاحتجاز هذه، واستجابة المجتمع الدولي، لا سيما فيما يتعلق بإعادة المقاتلين غير العراقيين وغير السوريين إلى بلدهم الأصلي (الجزء الثاني من المقال).

عشرون مكان احتجاز

يتوزع سجناء داعش المحتجَزون حالياً لدى القوات الكردية السورية على حوالي عشرين مكان احتجاز مختلفة الأحجام في جميع أنحاء سوريا. أبرزها بلا شك مخيم الهول: مع ما يقرب من 57000  محتجزاً  - بما في ذلك 29000 عراقي - الغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال (أكثر من 90 ٪) أصبح هذا المعسكر الذي تم بناؤه في البداية لاستيعاب اللاجئين من حرب الخليج الأولى (2 آب (أغسطس) 1990 - 28 شباط (فبراير) 1991) اليوم أكبرَ فضاء لاحتجاز مسلحي داعش وأقاربهم في سوريا، مما جذب المخاوف الإنسانية للمنظمات غير الحكومية والمخاوف الأمنية للتحالف الدولي. على سبيل المقارنة المعسكر الشبيه بمخيم الهول، وإن كان أصغر حجماً بكثير هو معسكر الروج بالقرب من بلدة ديريك (المالكية). هناك ما يقرب من 2500 سجين، 85٪ منهم من النساء والأطفال، محتجزون هناك.

بخلاف إرادة المعتقلين لاستعادة حريتهم، فإنّ محاولات الفرار تلقى التشجيع والتنظيم من قبل ما يقرب من 6000 إلى 10000 من نشطاء داعش في سوريا والعراق

خارج هذه المعسكرات القائمة في الهواء الطلق حيث يقيم بشكل رئيسي نساء وأطفال نشطاء داعش فإنّ أكبر وحدات المقاتلين والمسؤولين في المنظمة الإرهابية محتجزون في أماكن احتجاز منفصلة، وهكذا فإنّ مدينة دريك، الواقعة في الطرف الشمالي الشرقي من سوريا تستضيف "السجن الأسود" الملقب بهذا الاسم بسبب الدرجة العالية من خطورة نشطاء داعش المحتجزين فيه. لقد قام هؤلاء بالعديد من محاولات الفرار على مر السنين، بما في ذلك المحاولة الأولى في 5 نيسان (أبريل) 2019 بعد ثلاثة أسابيع فقط من هزيمة داعش الإقليمية، وآخرها في 6 شباط (فبراير) 2013 عندما أطلق المعتقلون تمرّداً، مستغلين الزلزال الذي ضرب للتو جنوب تركيا وشمال سوريا، للاستيلاء على عدة أجزاء من السجن وإتاحة هروب حوالي عشرين من أتباعهم. كما أنّ هناك كوكبة من السجون المحلية المختلفة تعزز شبكة السجون الكردية - سجن عايد في الطبقة بريف الرقة، وسجن علايا في القامشلي، إلخ. – ناهيك عن تحويل مبانٍ مدنية مباشرة إلى أماكن احتجاز، مثل سجن الصناعة في الحسكة الذي كان جزءٌ من مبانيه سابقاً مخصّصاً لمدرسة فنيّة مهنيّة. ومنذ ذلك الحين شهد هذا السجن حوالي 20 محاولة فرار بقيادة داعش من الخارج أو من الداخل.

هروب سجناء داعش أولويّة

في الواقع، بخلاف إرادة المعتقلين لاستعادة حريتهم، فإنّ محاولات الفرار تلقى التشجيع والتنظيم من قبل ما يقرب من 6000 إلى 10000 من نشطاء داعش الذين لا يزالون نشطين في سوريا والعراق، والذين جعلوا الإفراج عن رفاقهم أولوية عَمَلِياتيّة: في أيلول (سبتمبر) 2019 قبل وفاته بشهر دعا زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي أتباعه إلى الإفراج عن النشطاء المسجونين بكل الوسائل. في الواقع، كما وضّحه في كانون الأول (ديسمبر) 2022 تقريرٌ صادر عن القوات العسكرية الأمريكية لـ CENTCOM فإنّ داعش قد تكون قادرة تماماً، من وجهة نظرٍ عملياتية على الشروع في تمرّد جديد في بلاد الشام، مع 30000 مقاتل محاصرين حالياً في سوريا والعراق. هذه الاستراتيجية من تصعيد الهجوم على السجون وهروب النشطاء ليست جديدة، وتُبيّن في الواقع أحد المتجهات الأولية لصعود داعش إلى القوة. في وقت مبكر من عام 2012 أطلق أبو بكر البغدادي حملة "تدمير الجدران"، ودعا أتباعه لمهاجمة السجون، وهو ما أتاح في العام التالي هروب أكثر من 500 سجين محتجزين في سجن أبو غريب وسجن التاجي على سبيل المثال.

مدينة دريك، الواقعة في الطرف الشمالي الشرقي من سوريا تستضيف "السجن الأسود" الملقب بهذا الاسم بسبب الدرجة العالية من خطورة نشطاء داعش المحتجزين فيه

وهكذا فإنّ الجماعة الإرهابية تدرك تمام الإدراك الإمكانات الكبيرة - والتي لا يمكن الاستغناء عنها في الوقت الحالي - التي يجسدها هؤلاء الآلاف من السجناء. توضح محاولة الهروب من سجن الصناعة في كانون الثاني (يناير) 2022 ذلك بشكل جيد. بعد تجديد تكتيكات الهجوم المعقدة (أي الاستخدام المشترك للمشاة والمركبات في أماكن مختلفة وأوقات منسقة) أطلقت داعش واحدة من أهم عملياتها في السنوات الأخيرة. وبعد أن فوجئت بجرأة ووحشية الهجوم فقدت القوات الكردية ما لا يقل عن 117 مقاتلاً أثناء القتال، ولم تستعد سيطرتها على السجن إلا بعد عشرة أيام، حيث إنّ السجناء تمكنوا من الاستيلاء على مستودع الأسلحة في السجن واللجوء إلى أجزاء كثيرة منه. وبدافع الخوف من أن ينجح الهجوم ومن أن يجد الآلاف من نشطاء داعش أنفسهم فجأة طلقاء فرّ أكثر من 45000 مدني من منطقة الحسكة. بالإضافة إلى قدرات داعش العسكرية القوية وإرادتها الكاملة للإفراج عن سجنائها فإنّ محاولة الهروب هذه توضح أيضاً، أنه على الرغم من سجنهم لمدة أربع سنوات على الأقل فلا يزال أغلبهم موالين للجماعة الإرهابية.

يتوزع سجناء داعش المحتجَزون لدى القوات الكردية السورية على حوالي عشرين مكان احتجاز مختلفة الأحجام في جميع أنحاء سوريا

إذا كان هذا الهجوم على سجن الصناعة يبدو إلى حد بعيد واحداً من أبرزها فهو بعيد كل البعد عن كونه المحاولة الأخيرة من قبل الدولة الإسلامية لتحرير أتباعه. في 20 أيلول (سبتمبر) 2022 أحبطت القوات الكردية محاولة هجوم على مخيم الهول، على سبيل المثال. فضلاً عن الهجمات على أماكن الاحتجاز يلجأ تنظيم الدولة الإسلامية إلى حيل أخرى. في نيسان (أبريل) 2021 على سبيل المثال اختطف التنظيم حوالي 60 مدنياً شرق حماة (غرب سوريا) ولم يطلق سراحهم إلا بعد أن وافقت الحكومة السورية بدورها على إطلاق سراح سجناء داعشيين.

يسلط تقرير القيادة المركزية الأمريكية CENTCOM المذكور الضوء أيضاً على الهدف الرئيسي لداعش المتمثل في الـ 25000 طفل من أطفال المسلحين المحتجزين أيضاً في المنطقة. تمثل السجون والمعسكرات بالفعل أماكن رئيسية للتلقين العقائدي والتطرف كما سنرى لاحقاً، مع عدد المحللين الذين أعربوا عن قلقهم من أوجه التشابه المتزايدة بين أماكن الاحتجاز هذه وسجن أبو غريب.

وسيكون هذا موضوع الجزء الثاني.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lesclesdumoyenorient.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية