عنف الشرطة: كيف يمكن ترميم جمهورية الأمن المتصدعة؟

عنف الشرطة: كيف يمكن ترميم جمهورية الأمن المتصدعة؟

عنف الشرطة: كيف يمكن ترميم جمهورية الأمن المتصدعة؟


18/10/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

حَظُّ الشّرطيّ ليس سعيداً. هكذا يخبرنا الرّقيب الغنائيّ في الأوبرا الكوميديّة الشّهيرة لجيلبرت وسوليفان، «قراصنة بينزانس».

وهذا صحيح. فالأجور غير الكافية، ونقص الموظّفين، وقلّة الاحترام على نطاق واسع، والخطر الرّوتينيّ هي من بين المصادر المشروعة للاستياء لدى هذا القطاع الحيويّ من موظّفي الخدمة العامّة. لكن، في بعض الأحيان، يؤدّي سلوك أقلّيّة صغيرة من ضبّاط الشّرطة إلى تشويه سمعة المهنة، ممّا يؤدّي بدوره ليس فقط إلى تعميق تعاستهم، بل أيضاً تعاسة المجتمع معهم.

صُدمت بريطانيا بحقّ عندما قام واين كوزينز، وهو شرطيّ كان يعمل في العاصمة، باختطاف، واغتصاب، وقتل امرأة تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً وتُدعى سارة إيفرارد، بعد أن أمرها بالصّعود إلى سيارته، بعد إظهار بطاقة اعتقال بحجّة فرض لوائح حظر التّجوّل بسبب فيروس كورونا في عام 2021.

على الرّغم من أنّ خطورة تصرّفات كوزينز كانت استثناءً حقيراً بشكل واضح، وهو الأمر الذي أرعب زملاءه بقدر ما أرعب الجمهور، فإنّه لم يكن التّفاحة الفاسدة الوحيدة في بستان نيو سكوتلاند يارد. لقد سُجن ضابطان بتهمة تصوير جثتي شقيقتين مقتولين، وتبيّن أن آخرين تبادلوا رسائل نصيّة عنصريّة وكارهة للنّساء. وقال مفوّض شرطة العاصمة، مارك رولي، لاحقاً، إنّ مئات الضّبّاط الآخرين في القوّة مذنبون على الأرجح بارتكاب سلوكيّات إجراميّة أو غير أخلاقيّة.

وسلّم المئات من ضبّاط لندن، مؤخّراً، تصاريحهم لحمل الأسلحة، وتخلّوا عن واجباتهم الصّعبة والخطرة اشمئزازاً من تهمة القتل الموجّهة ضدّ أحدهم بسبب إطلاقه النّار على رجل أسود أعزل في عام 2022.

غضب رجال الشّرطة في فرنسا

ومهما طال أمد تمرّدهم، فإنّه يعكس غضب رجال الشّرطة في فرنسا الذين أضربوا عن العمل لأنّ المحكمة رفضت الإفراج بكفالة عن ضابط اعترف بإطلاق «كرة فلاش» أدّت إلى تشويه رأس شابّ مغاربيّ بشكل بشع في مرسيليا. كان ذلك خلال موجة الاضطّرابات وأعمال الشّغب التي أعقبت عمليّة إطلاق النّار المميتة في حزيران (يونيو) على المراهق نائل مرزوق في سيّارة مستعارة بعد أن أمرته الشّرطة بالتوقّف في نانتير، على مشارف باريس.

ضباط الشرطة يضعون الزهور في مكان الحادث في كرويدون، لندن، حيث طُعنت إليان أندام البالغة من العمر 15 عامًا حتى الموت في 28 سبتمبر

والهاجِس المعقول هو أنّ هؤلاء الضّبّاط يعتبرون أنفسهم بطريقة أو بأخرى فوق القانون. وإذا كان الإحباط الذي يشعرون به مفهوماً، فمن المبادئ الأساسيّة للمجتمع المتحضّر أنّ جميع المواطنين مسؤولون أمام العدالة.

انحاز بعض الضّبّاط الفرنسيّين رفيعي المستوى بحماقة، وإنْ بشكل علنيّ، إلى جانب المضربين، بدلاً من ترك المحاكم تقوم بعملها. على الجانب الآخر من بحر المانش، اتُّهمت وزيرة الدّاخليّة البريطانيّة، سويلا برافرمان، بالتّدخّل في قضيّة ما زالت قيد النّظر عندما أعربت عن دعمها لضبّاط ساخطين سُحبت تصاريح حملهم للسّلاح، مُعلنةً مراجعة الإجراءات لضمان تمتُّع الضّبّاط «بالثّقة اللازمة للقيام بعملهم».

في الولايات المتحدة، يقضي ديريك شوفين، حكماً بالسّجن لمدة طويلة بتهمة قتل جورج فلويد، الذي اختنق عندما ركع الضابط على رقبته وظهره لأكثر من تسع دقائق

ونتيجة للإجراءات القانونيّة الواجبة، أصبح ضابط مرسيليا الآن حرّاً طليقاً ــ وأنا أزعم أنّ ذلك تمّ عن حقّ ــ في انتظار المحاكمة النّهائيّة. كما أنّ ضابط شرطة العاصمة المتّهم طليق في انتظار جلسة استماع في المحكمة، حيث ستقرّر هيئة المحلفين، وليس زملاءه المتضرّرين أو أقارب القتيل، مصيره.

جورج فلويد

في الولايات المتّحدة، يقضي ديريك شوفين، وهو شرطيّ سابق، حكماً بالسّجن لمدّة طويلة بتهمة قتل جورج فلويد، الذي اختنق عندما ركع الضّابط على رقبته وظهره لأكثر من تسع دقائق، متجاهلاً احتجاج الرّجل المستميت بأنّه لا يستطيع التّنفس.

هناك نمط مألوف للادّعاءات المتعلّقة بوحشيّة الشّرطة وعواقبها، خاصّة عندما يكون هناك عنصر عرقيّ في القضيّة. فيلم «البؤساء»، الذي رُشّح لجائزة أوسكار، صوِّر في الضّاحيّة الباريسيّة مونتفيرميل، حيث كتب فيكتور هوغو روايته الكلاسيكيّة التي تحمل الاسم نفسه، ويصوِّر الفيلم المضايقات اليوميّة التي يتعرّض لها المراهقون من أصول مهاجرة - الذين وصفهم أحد ضبّاط الفيلم بشكل مهين بأنّهم «ميكروبات» - والتّبعات المتفجّرة لذلك، حيث ينتقم الشّباب بعنف جماهيريّ.

نشأ مخرج الفيلم، لادج لي، في مونتفيرميل، وهو ابن لأبوين ماليّين، وقضى عقوبة بالسّجن بسبب عمليّة اختطاف غير منطقيّة يدّعي أنّه بريء منها تماماً، وقد انتقد بشدّة عنف الشّرطة. في حين أنّ فيلمه يستخدم الرّخصة الفنّيّة بشكل حُرّ، فإنّ الارتباط بالواقع لا لبس فيه.

في كتابها الذي حظي بتغطية إعلاميّة كبيرة، «إصلاح فرنسا: كيف تُرمّم جمهوريّة مُصدَّعة»، تروي الأكاديميّة والكاتبة الفرنسيّة الجزائريّة نبيلة رمضاني أنّها شاهدت إطلاق الغاز المسيل للدموع على آلاف الرّجال، والنّساء، والأطفال الذين كانوا يحتفلون بفوز الجزائر بكأس الأمم الأفريقيّة في شارع الشانزليزيه في باريس في عام 2019.

تكتب: «شمل الحشد، أيضاً، ذلك النّوع من الشّباب ذوي المظهر الشّمال أفريقيّ الذين تميل الشّرطة الفرنسيّة، خاصّة أولئك الموجودين في باريس، إلى احتقارهم». وتضيف: «سمعت صراخ أولئك الذين وقعوا في أسوأ المعارك، بما في ذلك بكاء الأولاد والبنات الذين كانوا يتقيأون ويرتجفون من الخوف مع انتشار الأبخرة». وحتماً، سُرعان ما أدّت القسوة إلى أعمال نهب وتخريب في الشّوارع المجاورة، تماماً كما أدّى إطلاق النّار على الشّاب نائل إلى إثارة أعمال شغب في جميع أنحاء البلاد.

لا ينبغي إدانة كل الشرطة

لا ينبغي إدانة العدد الذي لا يحصى من رجال ونساء الشّرطة، من جميع الجنسيات، الذين يؤدّون واجباتهم بمهنيّة، وانضباط، وشجاعة في محكمة الرّأي العام بسبب الأعمال الدّنيئة التي قام بها واين كوزينز أو ديريك شوفين. لكن الحوادث المثيرة تُشكِّل التّصوّرات، وانتشار كاميرات المراقبة، إلى جانب السّهولة التي يمكن بها للمتفرّجين تسجيل الأحداث ومشاركة مقاطع الفيديو على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، يجعل من غير المرجّح أن يفلت الضّبّاط باستخدام القوّة المفرطة والمميتة في بعض الأحيان.

في كتابها «إصلاح فرنسا: كيف تُرمّم جمهورية مصدَّعة»، ترصد الأكاديمية الفرنسية الجزائرية نبيلة رمضاني إطلاق الغاز المسيل للدموع على المحتفلين بفوز الجزائر بكأس الأمم الأفريقية

هناك أدلّة وفيرة تبرّر شكاوى أولئك الذين خرجوا إلى شوارع فرنسا للاحتجاج على عنف الشّرطة، حتّى لو كشفت الهجمات التي نفّذها الغوغائيّون بين المتظاهرين عن نفاق مشين.

قد تشكو الشّرطة من كونها تُقدّم كبش فداء لأمراض المجتمع. وأفرادها يشعرون بالإرهاق الشّديد ويتقاضون أجوراً منخفضة. لكن في ردّه على تقرير يدين إخفاقات قوّاته، أبدى مفوّض العاصمة الإنجليزيّة ندماً ملحوظاً: «أنا آسف لأولئك الذين خذلناهم: الجمهور وضبّاطنا الصّادقين والمتفانين. الجمهور يستحقّ شرطة أفضل، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى موظّفينا الصّادقين الذين يسعون كل يوم لإحداث تغيير إيجابيّ لسكان لندن».

رولي مجرّد رئيس شرطة واحد، وإن كان في عاصمة ضخمة. ومع ذلك، فإنّ تحليله يمكن أن ينطبق، أيضاً، على العديد من المواقع حول العالم والرّسالة واضحة. وإذا أردنا استعادة ثقة الجمهور في الأشخاص المكلّفين بإنفاذ القانون، فلا بُدّ من الالتفات إلى كلماته.

المصدر:

كولين راندال، ذي ناشونال، 3 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2023/10/03/police-violence-in-france-the-uk-or-anywhere-else-has-no-justification/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية