عنف الإخوان المسلمين... تكوين التنظيم الخاص

عنف الإخوان المسلمين... تكوين التنظيم الخاص

عنف الإخوان المسلمين... تكوين التنظيم الخاص


16/01/2024

أعاد تقرير نشره المركز العربي لدراسات التطرف استعراض أهم مبادئ جماعة الإخوان المسلمين وشعاراتهم منذ تأسيسها على يد حسن البنا حتى يومنا هذا، مؤكداً أنّ العنف ظل مفهوماً محورياً في رؤية جماعة الإخوان المسلمين للتغيير الاجتماعي والسياسي ومحركاً رئيساً لسلوكها.

ووثق التقرير، الذي نشره المركز عبر موقعه الإلكتروني، العلاقة بين الجماعة والعنف على مدار عقود طويلة من المعارضة والصراع مع الأنظمة، معتبراً أنّ القصة الحقيقية للإسلام الراديكالي، الجهادي الحديث والمعاصر، بدأت من الإخوان، وتحديداً من النظام الخاص: الجناح العسكري السري للجماعة الذي أنشأه حسن البنا عام 1940.

واستذكر التقرير النزعة العنيفة للمؤسس حسن البنا، وبضرورتها في العمل الحركي الإسلامي، وقد اجترح في هذا نظرية: أنّ القوة "كالدواء المرّ" الذي يجب أن تُحمل عليه "الإنسانية العابثة" لكسر جبروتها وطغيانها، وأنّ "السيف" في يد المسلم "كالمشرط" في يد "الجراح"، لا بدّ منه "لحسم الداء": الداء "الاجتماعي" الذي يتمثل في بُعد الناس عن الدين، والداء "السياسي" الذي يتجسد في تغييب الشريعة والحكم بغير ما أنزل الله، مستنداً في فرضيتة إلى الكثير من الأقوال والتصريحات والمقالات للبنّا، التي تخللها الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والكتب التي ألفها بنفسه، بهدف استنهاض الأمّة والحشد والتحفيز على ما سمّاه الجهاد.

وخصص المركز جزءاً كبيراً من تقريره  للحديث عن النظام الخاص أو التنظيم الخاص، وهو الجناح العسكري/ الجهادي لجماعة الإخوان المسلمين الذي أسسه حسن البنا بين عامي 1939 و1940، لـ "تمثيل" و"تحقيق" فكرة الجهاد الإسلامي في واقع وعمل الجماعة.

التقرير استند في فرضيته إلى الكثير من الأقوال والتصريحات والمقالات للبنّا

وأوضح التقرير أنّ البنا قد مهّد لتحويل الإخوان من جماعة دينية/ دعوية إلى حركة جهادية مسلحة بإنشاء "فرق العمل" أو "فرق الرحلات" التي تغير اسمها عام 1934 إلى "فرق الجوالة"، ثم أنشأ نظام الكتائب: كتائب أنصار الله في أواخر عام 1937، وهي تشكيلات شبه عسكرية كانت تضم خاصة نخبة الإخوان الذين يعدّهم بنفسه لحمل أعباء الدعوة، الجهاد.

واستعرض المركز الظروف التي مرّت بها مرحلة تشكل التنظيم الخاص الذي انتقلت به الجماعة إلى مرحلة التسلح والعنف.

وتناول التقرير النظام الخاص للإخوان المسلمين من حيث بناؤه الهيكلي، ومراحل تجنيد وتكوين أعضائه وعملياته من واقع لوائحه الداخلية والشهادات والمذكرات المنشورة لبعض قادته وكوادره.

ووفق تقرير المركز، فقد تشكلت الهيئة التأسيسية للتنظيم رسمياً عام 1940، وضمت (5) عناصر من قيادات الإخوان، كلفهم البنا بالإشراف على المركز وهيكلته ووضع قواعده وبرامجه التدريبية على أساس الأصول الإسلامية للجندية: صالح عشماوي (الوكيل العام للجماعة)، حسين كمال الدين (الرئيس السابق لفرق الجوالة)، محمود عبد العزيز، حامد شريت، عبد العزيز أحمد.

القصة الحقيقية للإسلام الراديكالي، الجهادي الحديث والمعاصر، بدأت من الإخوان، وتحديداً من النظام الخاص: الجناح العسكري السري

وعهد البنا برئاسة التنظيم في البداية لصالح عشماوي، ثم تحولت القيادة في حزيران (يونيو) 1941 إلى عبد الرحمن السندي: وهو موظف بوزارة الزراعة.

وأضاف التقرير أنّ التنظيم السري ظل محاطاً بالسرية المطلقة، يتبع المرشد العام مباشرة، ولا يعرف أحد من الإخوان بوجوده إلا أعضاؤه، وله ميزانية مستقلة عن الميزانية العامة للجماعة، حتى عام 1948 عندما سقطت قيادته وانكشفت أوراقه ومستنداته في ما يعرف في تاريخ الإخوان بـ "قضية السيارة الجيب".  

ومن بين هذه الأوراق/ المستندات قانونه الأساسي المعروف باسم "قانون التكوين"، الذي يحدد لوائحه الداخلية والقواعد التي تنظم مهامه، وتراتبية قيادته، وطرق إصدار الأوامر وتسلسلها، والسلطات والمسؤوليات الخاصة بهيئة القيادة وأركان الحرب، وواجبات الأمراء، وواجبات الجنود، وأنواعهم، والشروط التي يلزم توافرها فيهم، وكيفية ترشيح الأفراد دون علمهم، وطرائق تكوين الفرد وإعداده بعد قبول الترشيح وغيرها من المعلومات المفصلة.

وقد كتب هذا "القانون" لجنة رباعية مكونة من عبد الرحمن السندي (قائد التنظيم)، ومحمود الصباغ (من قيادات الصف الأول)، وحسين كمال الدين (عضو اللجنة التأسيسية)، وعلام محمد علام (مدرس كيمياء بالكلية الحربية وأحد كوادر التنظيم).  

عهد البنا برئاسة التنظيم في البداية لصالح عشماوي

في الجزء الخاص بالبناء الهيكلي، أظهر التقرير أنّ الجهاز يتكون من (3) هيئات: هيئة القيادة، وهيئة الأركان (اللجنة الفنية)، والجنود. إلى جانب عدد من الأقسام التنفيذية، أهمها: جهاز التسليح، جهاز الأخبار أو المعلومات (الاستخبارات)، جهاز التدريب.

حول القيادة، فإنّها تتكون من مجلس يضم (10) أشخاص؛ مهمتهم دراسة طرق التنفيذ لما يصل من خطط صادرة من الأركان، وتنفيذ كل ما هو ممكن عمله، وإصدار بيانات يشترك فيها جميع الأعضاء، أمّا عن الأركان أو اللجنة الفنية، فهي مجلس مكون من (5) أشخاص، ومهماته وضع خطط لتنظيم القوات في كل من أوقات السلم والحرب، ودراسة المعدات عملياً وتحديد ما يصلح منها لاستعمال الجيش وطرق استعمالها وحفظها مع تحديد الأهداف ورسم خطة تنفيذها من زمان ومكان وقوات، ودراسة كل ما يصل إليها (إلى الأركان) عن طريق مجلس القيادة من صعوبات ومشاكل عملية ومطالب مستجدة، وإصدار بيانات بنتيجة الدراسة ترسل إلى مجلس القيادة.

أمّا عن  الجنود، فمهمتهم الاستعداد الروحي والعقلي والطاعة والتنفيذ، وهم (3) أنواع: الأوّل يبقى بعيداً عن النشاط الظاهري، والثاني لا يستخدم أبداً إلا وقت الحرب العلنية، أمّا النوع الثالث، فيمكن أن يموِّن الناحية العامة من الناحية الخاصة، ولكن بعد تمام التكوين حتى يتيسر الانقطاع التام عن الناحية الخاصة.

البنا مهد لتحويل الإخوان من جماعة دينية/ دعوية إلى حركة جهادية مسلحة بإنشاء "فرق العمل" أو "فرق الجوالة"

واستعرض سلسة قيادات الصف الأوّل في التنظيم، والذي يضم عبد الرحمن السندي، ومصطفى مشهور (أصبح المرشد الخامس للجماعة عام 1996)، ومحمود الصباغ، وأحمد زكي حسن، وأحمد محمد حسنين.

وبين التقرير موضوع التجنيد أيضاً، وأكدت أوراق "التكوين" أنّ أحد أفراد الجيش يرشح شخصاً يرى من روحه ما يناسب التجنيد، ثم يرسل الترشيح إلى القيادة العليا مرفقاً به بيان الأسباب التي دعت الفرد إلى هذا الترشيح، مع تقرير شامل عن حالة المرشح الصحية والاجتماعية وطباعه البارزة وميوله الحزبية وثقافته، ويذكر أمام كل حالة التفصيلات الخاصة بها. ولا يقبل الترشح إلّا عن طريق دراسة كل المراحل أو معظمها، حتى يمكن الثقة بحسن التقدير، وأنّه يكفي الميل لأيّ حزب آخر لكي يرفض الترشيح رفضاً باتاً، إذ يجب أن يكون المرشح مؤمناً تماماً بصلاحية الدعوة كمبدأ، وأنّه متى توفر هذا الإيمان التام، فإنّه يمكن ضم أيّ شخص ولو كان ذا عاهة، إذ إنّ لكلٍّ عملاً يناسبه، ومجلس القيادة هو الذي يقبل الترشيح أو يرفضه".

وفي حال قبول الترشيح، يخضع المجند لكشف طبّي شامل لتقييم وضعه الصحي ولياقته البدنية، يتناول الحالة العامة والطول ومحيط الصدر في حالتي الشهيق والزفير وقوة الإبصار وحالة البطن والجهاز الدوري والجهاز التنفسي والجهاز العصبي، مبيناً التقرير مراحل التجنيد من حيث التعارف ودراسة الحالة من حيث اقتناعه بالعمل العسكري وبمبادى الحزب، ثم التكليف مع المراقبة وفي حالة النجاح في الاختبار تتم البيعة، حتى يمارس عمله كعنصر أساسي في التنظيم السري.

واستعرض التقرير أيضاً العقوبات التي يمكن أن يتعرض لها كل فرد يفشي سرّاً بحسن قصد أو بسوء قصد، كالإعدام وإخلاء سبيل الجماعة، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة.

عبدالرحمن السندي (1918 - 1962)

وأورد تقرير مركز الدراسات أسس الإعداد الديني للمجندين، والذي يهدف إلى ترسيخ فكرة استخدام القوة في نفوسهم، وإقناعهم بفرْضية الجهاد على كل مسلم، وبأنّ مقاتلة العدو تستلزم وجود جيش مسلم معدٍّ بسلاح يتناسب مع أسلحة العدو، وبأنّ الإخوان يجهزون هذا الجيش لقتال أعداء الدين/ الدعوة من الكفار والمنافقين، وإقامة دولة الإسلام في مصر والانطلاق منها إلى البلدان الأخرى، كما فعل النبي أول مرة، وهذا الإعداد أو الشحن الديني/ العقائدي يبدأ في مرحلة متقدمة: أي عند اختيار العضو وترشيحه للانضمام إلى الجهاز، هذا إلى جانب الإعداد العسكري، وهو عبارة عن تدريبات متقدمة على استخدام مختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات، بالإضافة إلى كيفية القتل بوساطة الخنجر، وأساليب الخنق وأحدث وسائله، وقيادة السيارات والدراجات، وتقنيات حرب العصابات، وتخريب المواصلات والسكك الحديدية، وكيفية تعطيل عربات الشرطة، وتصوير الأهداف من بعيد، والإسعافات الأولية، وأعمال التخفي والتنكر والمراقبة والتعقب، وكانت هذه التدريبات تتم في معسكرات سرية في مناطق صحراوية وجبلية مختلفة.

أمّا عن الطاعة، فقد جاء في أوراق "التكوين" أنّ "لأمير الجماعة حق الطاعة التامة على جميع أفراد جماعته، وأنّ للأمير أن يستشير أفراد جماعته دون أن يكون عليه إلزام، إذ له أن يستمسك برأيه متى اعتقد أنّ الصواب في جانبه، وله أن ينزل على رأي الفرد إن رأى الخير فيه، وأنّ على الأمير الإبلاغ أوّلاً بأوّل عن الطوارئ الاجتماعية التي تمر بأفراد جماعته كمرض أو وفاة، وأن يعمل اللازم لسرعة العلاج، وعلى الفرد ألّا يقدم على عمل يؤثر في مجرى حياته كالزواج والطلاق قبل أن يحصل على تصريح به من القيادة عن طريق أمير الجماعة، وأنّ عقوبة التأخير عن تأدية الواجب والتقصير في التكاليف يوقعها أمير الجماعة، سواء أكانت عقوبات مادية أو أدبية، وله أن يضيف تكاليف أخرى مجهدة كالصيام والسير على الأقدام لمسافات طويلة".

 تناول التقرير النظام الخاص للإخوان المسلمين من حيث بناؤه الهيكلي ومراحل تجنيد وتكوين أعضائه وعملياته، من واقع لوائحه الداخلية والشهادات ومذكرات قادته وكوادره

ويحمل العضو بعد انضمامه رسمياً إلى الجهاز صفة "الأخ المجاهد"، وهي صفة تميزه وتضعه في مرتبة أعلى من الإخوان المشتغلين في الدعوة العامة الذين يحمل الواحد منهم اسم "الأخ العامل".

يقول علي عشماوي في مذكراته "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" الصادر عام 2006:

"كان الأستاذ البنا يعتبر أفراد النظام هم التعداد الحقيقي للإخوان المسلمين... أمّا باقي الأفراد، فهم ـبدرجات متفاوتةـ حقل لاختيار أفراد النظام الذين يحظون باهتمامه الكامل، وأولويته المطلقة في الإعداد والتربية والمتابعة، وكان يريد الوصول بهم إلى عدد معيّن هو (12) ألفاً"، وهو الرقم الذي لا يُقهر من قلة".

وذكر التقرير أنّ التنظيم نفذ أولى عملياته في 24 شباط (فبراير) 1945 باغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر. يومها أقر منفذ العملية محمود العيسوي (محامي) بانتمائه إلى أحد الأحزاب الوطنية، وبتنفيذه العملية منفرداً، دون توجيه من أحد، وهو الاعتقاد الذي ظل سائداً لأعوام، ولم تنكشف صلة الإخوان بالاغتيال إلّا في الثمانينيات، عندما صدرت مذكرات أحمد حسن الباقوري "بقايا ذكريات"، التي اعترف فيها بانتماء العيسوي إلى الإخوان المسلمين، وبأنّه من غلاة النظام الخاص، واغتال أحمد ماهر انتقاماً لإسقاطه البنا في انتخابات الإسماعيلية التي جرت في كانون الثاني (يناير) من ذلك العام، وقد أعدم العيسوي في 18 أيلول (سبتمبر) 1945.

ثم توالت عمليات الجهاز عام 1946، منها إلقاء قنابل على (6) من أقسام الشرطة في القاهرة في 12 آذار (مارس)، ونسف سينما ميامي في أيار (مايو)، وإلقاء قنبلتين على سيارة حسين هيكل: رئيس حزب الأحرار الدستوريين، وقد نفذ العملية أحمد البساطي ومحمد مالك (موظف بمطار القاهرة)، ثم إلقاء قنابل على نادي الاتحاد المصري ـ الإنجليزي في 24 كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته.

ومن العمليات التي نفذها الجهاز عام 1947 محاولة تفجير فندق الملك جورج بمدينة الإسماعيلية، وشهد العام التالي عمليات أكثر عنفاً وخطورة، ففي 19 كانون الثاني (يناير) تم ضبط (15) عضواً من الجهاز بمنطقة جبل المقطم يتدربون على استخدام الأسلحة النارية والمفرقعات، في ما يعرف في أدبيات الإخوان المسلمين بـ "حادث الجبل"، وفي 22 آذار (مارس) اغتيل رئيس محكمة استئناف القاهرة أحمد الخازندار انتقاماً لإصداره أحكاماً اعتبرت "قاسية" على بعض الإخوان اتهموا بحيازة متفجرات وأسلحة، وكان الهدف من هذه العملية إرهاب القضاة حتى يتهيبوا من إصدار أحكام ضد أعضاء الجماعة.

وفي العام نفسه فجّر التنظيم عربة يد مفخخة في حارة اليهود بالقاهرة، كما تم نسف محلّين مملوكين لتجار من اليهود، ومبنى شركة الدلتا التجارية ومحطة للتلغراف اللاسلكي، وقد برر الإخوان استهدافهم لليهود المصريين بكونه تنفيذاً لقرار سري صدر عن اللجنة العليا لإنقاذ فلسطين يقضي بتهديد مصالح اليهود ومشروعاتهم الاقتصادية في جميع البلدان العربية، لتنبيههم وتنبيه يهود العالم معهم إلى حجم الخسائر التي ستقع عليهم، إذا ظلوا على تصميمهم على إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

بالاضافة إلى الكثير من الأحداث المتعلقة بضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات والاغتيالات لمسؤوليين حكوميين، على خلفية اتخاذ إجراءات ضد الإخوان.

مواضيع ذات صلة:

صحافة الإخوان: النظام السري لتوجيه الرأي العام

- ما بين السندي ومحمد كمال.. جماعة الإخوان إذ تقدم قرابين الخلاص!

كيف يقدس الإخوان المسلمون حسن البنا ؟

الصفحة الرئيسية