على خُطا الميليشيات... استعراض مسلح للإخوان المسلمين في لبنان

على خُطا الميليشيات... استعراض مسلح للإخوان المسلمين في لبنان

على خُطا الميليشيات... استعراض مسلح للإخوان المسلمين في لبنان


28/03/2024

نظمت الجماعة الإسلامية، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في لبنان، استعراضاً عسكرياً في مدينة بيروت، خلال تشييع جثمان أحد أعضاء الجناح المسلح الذي سقط في غارة إسرائيلية. وكانت الجماعة قد أعلنت عن تفعيل جناحها المسلح، "قوات الفجر"، بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، وشاركت بالتنسيق مع حزب الله في استهداف المواقع الإسرائيلية، وسقط (3) من مقاتليها صرعى.

ورغم أنّ الجماعة بررت الاستعراض بأنّه تضامن من رفاق القتيل، وأنّ البنادق التي ظهرت هي لمقاتليها الـ (3) القتلى، وأكدت على استمرار نهجها في رفض توظيف السلاح ضد الدولة، إلا أنّ سلوكها الذي يأتي بالتزامن مع تقاربها من حزب الله أثار مخاوف في المجتمع اللبناني والمكوّن السنّي بشكل خاص.

قوات الفجر

شيّعت الجماعة الإسلامية (3) من مقاتليها الذين سقطوا في 13 آذار (مارس) الجاري في جنوب لبنان، وهم: محمد رياض محيي الدين من بيروت، وحسين هلال درويش من بلدة شحيم (جبل لبنان)، ومحمد جمال إبراهيم من بلدة الهبارية (الجنوب)، وتخلل التشييع انتشار عشرات المسلحين المقنعين، فيما وضعه البعض في سياق استعراض القوّة، وفق جريدة (الشرق الأوسط).

وقد تأسست قوات الفجر في العام 1975 إبّان الحرب الأهلية،  وقاتلت القوات الإسرائيلية بعد اجتياح لبنان عام 1982. وبعد العام 1985 تحولت إلى قوة رمزية ظلت تعمل بالتنسيق مع حزب الله في الجنوب، وشاركت في حرب تموز (يوليو) 2006 بجانب حزب الله. 

التظاهرة المسلحة للجماعة الإسلامية في بيروت

وعقب أيام من اندلاع الحرب في غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلنت قوات الفجر عن استهداف مواقع إسرائيلية بقصف صاروخي، وشاركت القوات في عدة عمليات قصف، وخسرت (3) من مقاتليها في استهدافات بغارات جوية إسرائيلية.

وأثارت مشاركة حزب الله في المواجهات عبر الحدود مع إسرائيل مخاوف من توسع الحرب إلى لبنان، الذي يعاني من فراغ رئاسي منذ عام ونصف، بعد إخفاق القوى السياسية في انتخاب رئيس للجمهورية، منذ انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال عون في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2022.

وقال رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية، علي أبو ياسين تعليقاً على الانتقادات الداخلية حول التظاهرة المسلحة: إنّ سلاحنا هو "الأكثر انضباطاً في لبنان". وطالب المشككين - حسب قوله- بأن ينشغلوا بحماية أجواء لبنان من الانتهاكات اليومية والانشغال بكيفية تحرير ما تبقى من أرض لبنانية ومحاربة الفساد وتقديم حلول لوقف استباحة البلاد، حسب زعمه.

 

الباحث عاصم عبد الرحمن لـ (حفريات): هناك شبه إجماع على رفض الاستعراض العسكري الذي قامت به قوات الفجر، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية.

 

وعلق النائب الوحيد عن الجماعة في مجلس النواب عماد الحوت بقوله: "نحن ضد المظاهر المسلّحة، وأن يكون هناك سلاح في الداخل اللبناني، ونطالب بوضع استراتيجية دفاعية منذ العام 2006". لكنّ الحوت ناقض نفسه حين احتفى بمشاركة الجماعة في الهجمات على إسرائيل، إلى جانب حزب الله الذي يعمل لصالح الأجندة الإيرانية.

الموقف السنّي

بررت الجماعة مشاركتها في الأعمال القتالية بمساندة الفصائل الفلسطينية في معركتها ضد إسرائيل، لكنّ تلك الحجج لا تلقى قبولاً لدى تيارات واسعة في البلاد، التي تعاني من انقسامات طائفية وسياسية ، تهدد الاستقرار الهش.

وقال النائب السنّي أشرف ريفي في تصريحات لموقع (النهار) اللبناني: إنّ "حزب الله على مدار أعوام طويلة قاتل من أجل ألّا يحمل أيّ طرف لبناني السلاح إلى جانبه في وجه إسرائيل، لذلك نستغرب اليوم فتح جبهة الجنوب أمام أكثر من طرف داخلي، وبناء عليه وعلى التحرّكات الأخيرة التي تقوم بها بعض المجموعات السنّية المحدودة، نعبّر عن حذرنا من أن يقوم باستغلال هذه المشهدية ومحاولة اقتحام  الشارع السنّي الداخليّ".

عاصم عبد الرحمن: رفض مختلف القوى السياسية للمظاهر المسلحة يعود إلى اكتوائها بنيران سلاح حزب الله

بدوره، يقول الكاتب والباحث في العلوم السياسية عاصم عبد الرحمن: إنّ هناك شبه إجماع على رفض الاستعراض العسكري الذي قامت به قوات الفجر، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، والتي لم يُسمع بها إلى حين انفجار "طوفان الاقصى" وانخراط حزب الله في المواجهة مع العدو الإسرائيلي". 

وأضاف لـ (حفريات) أنّ رفض مختلف القوى السياسية للمظاهر المسلحة يعود إلى اكتوائها بنيران سلاح حزب الله، وإسقاطه الدولة اللبنانية ومفهوم القانون والمؤسسات تحت أقدام دويلة الضاحية الجنوبية، مؤكداً أنّ الشعب اللبناني بمجمله لا يريد لمثل هذه الظواهر أن تنزلق نحو مواجهات داخلية مسلحة، كان آخرها أحداث أيار (مايو) 2007 التي قام بها حزب الله في بيروت.
وقلل عبد الرحمن من وجود تداعيات خطيرة جراء تظاهرة الجماعة، وقال إنّ موقف الجماعة يمكن اختصاره في ما قاله نائبها عن بيروت عماد الحوت بأنّها "مجرد حماسة لدى رفاق الشهداء دفعت بهم للتعبير عن حزنهم، وتالياً توجيه رسالة إلى العدو بأننا جاهزون للمواجهة، ولم يكن موجهاً بأيّ شكل نحو الداخل اللبناني".

 

أثارت مشاركة حزب الله في المواجهات عبر الحدود مع إسرائيل مخاوف من توسع الحرب إلى لبنان الذي يعاني من فراغ رئاسي منذ عام ونصف.

 

لافتاً إلى أنّ ما ترفضه معظم القوى السنية هو التحاق الجماعة بحزب الله، وانخراطها بإمرته سياسياً وعسكرياً، بصرف النظر عن الموقف السنّي الداعم والمؤيد للقضية الفلسطينية و"طوفان الأقصى" على وجه الخصوص. مذكراً بأنّ غياب الرئيس سعد الحريري وتعليق تياره العمل السياسي يثير الخوف لدى السُّنة من تسرب الشباب السنّي نحو تشكيلات حزب الله العسكرية والزج به في أتون مواجهات لا طائل منها.

في الأثناء، قال النائب السنّي عن كتلة "تجدد" فؤاد مخزومي، عبر منصة (إكس): إنّ "المظاهر المسلحة التي شهدنا انتشارها في العاصمة بيروت مؤخراً مرفوضة بكافة المقاييس، وتضعنا أمام تحدٍّ خطير؛ يكمن في إبقاء بيروت بعيدة عن الصراعات والمواجهات، والحفاظ على أمنها وسلمها الأهلي ومصلحة المواطنين الذين يسكنونها من مختلف المناطق اللبنانية، كما أنّه يعيدنا إلى ما كنا وما زلنا نطالب به بضرورة حصر السلاح بيد الدولة وجعل العاصمة منطقة منزوعة السلاح".

الإخوان وحزب الله

يرى مراقبون أنّه مع تولي محمد طقوش منصب الأمين العامة للجماعة الإسلامية بعد فوزه في الانتخابات الداخلية في أيلول (سبتمبر) 2022، بدأت الجماعة التقارب مع حزب الله، وذلك بدعم من حركة حماس.

وقال الخبير اللبناني في الحركات الإسلامية هشام محمد عليوان: إنّ حركة حماس كان لها الدور الأكبر في انتخاب محمد طقوش. وأوضح لـ (حفريات) في تصريحات سابقة أنّ لحركة حماس مقتضيات ملحة لتحسين علاقاتها مع إيران ومع سوريا استطراداً، وذلك لضمان الدعم الإيراني الحيوي للحركة في قطاع غزة.

 هشام عليوان: من الممكن القول إنّ الشارع السنّي عامةً يعترض على دور سلاح الحزب في الحياة السياسية

وأضاف أنّ قسماً لا يستهان به من الجماعة الإسلامية في لبنان هم من فلسطينيي المخيمات، وهم بهذا بمنزلة لوبي داخل الجماعة نفسها لتحقيق مصالح حركة حماس على الضد من مصالح الجماعة، كمكون من مكونات الساحة السنّية.

وقال إنّه من الممكن القول إنّ الشارع السنّي عامةً يعترض على دور سلاح الحزب في الحياة السياسية، ولهذا يرفض التقارب مع الحزب وإيران وسوريا الأسد. وأفاد بأنّ الجماعة الإسلامية لا تمثّل إلا قسماً ضئيلاً من جمهور السنّة. 

وتابع عليوان أنّه رغم كونها من أعرق الجماعات الإسلامية السنّية، لكن ظهرت في العقود الماضية جماعات أقلّ حجماً وشأناً من الاتجاهات السلفية والصوفية والدعوية، وهي تكاد بمجموعها تضاهي الجماعة بتأثيرها الاجتماعي، لكنّها جماعات غير مسيسة بخلاف الجماعة. 

ويرى عليوان أنّ الوضع السابق هو ما يجعل الحراك الإسلامي السنّي هشاً وغير متماسكٍ، وخاصة مع انحسار تيار المستقبل مع اعتكاف زعيمه سعد الحريري عن العمل السياسي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية