عام على حكم طالبان: أفغانستان تئن تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية

عام على حكم طالبان: أفغانستان تئن تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية


17/08/2022

بعد عام من وصول حركة طالبان إلى الحكم في البلاد منذ 15 آب (أغسطس)، من العام الماضي، لم تراوح الأزمة السياسية في أفغانستان مكانها، بينما تتجه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى منحدر أسوأ، فضلاً عن استمرار وتيرة الإرهاب بكثافة رغم تعهدات الحركة بوضع الملف الأمني على رأس أولوياتها.

 وشهدت أفغانستان منذ استيلاء الحركة على الحكم جراء انسحاب القوات الأمريكية من البلاد وهروب الرئيس السابق أشرف غني، شهدت تدهوراً ملحوظاً بمختلف المجالات لاسيما الوضع الاقتصادي المتأزم والذي يمر بأخطر أزمة في تاريخه ويشهد "سقوطاً حراً" بحسب وصف الأمم المتحدة، مسجلاً انكماش بلغ (20%.)

 كما يتصدر ملف حقوق الإنسان وقضايا المرأة، التي فقدت كافة مكتسباتها خلال العقدين الماضيين خلال عام واحد من حكم طالبان، اهتمام وقلق المجتمع الدولي وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية بالبلاد.

 ولم تف الحركة، بحسب مراقبين، بأي من تعهداتها التي قدّمتها بداية عودتها إلى الحكم في البلاد، كما لم تلتزم ببنود اتفاق الدوحة الذي وقعته مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق المرأة، التي منعتها الحركة من العمل والتعليم وفرضت قيوداً مشددة، بالتناقض تماماً مع ما تعهدت به سابقاً.

 انهيار اقتصادي

 حذرت الأمم المتحدة مراراً من استمرار التدهور الاقتصادي في أفغانستان، وقالت في أحد تقاريها في نسيان (أبريل) الماضي، إنّ الانهيار الاقتصادي مع تمادي الحركة المتشددة في السياسات ذاتها، واستمرار خفض المساعدات المقدمة لكابول سيتسبب بكارثة إنسانية، قد يصعب احتواؤها.

حذرت الأمم المتحدة مراراً من استمرار التدهور الاقتصادي في أفغانستان

 وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت، قبل أشهر من هذا التحذير، تحديداً في كانون الثاني (يناير) الماضي، "أكبر مناشدة على الإطلاق" لتقديم مساعدات إنسانية لدولة واحدة حيث شددت على أنها في حاجة إلى تمويل يبلغ 4.4 مليار دولار للحيلولة دون تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان التي باتت "الأسرع نمواً في العالم"، بحسب ما نقله موقع "دويتشه فيله".

وتضع الأزمة الاقتصادية، حوالي نصف السكان البالغ عددهم (42) مليون نسمة تقريباً إلى حالة من انعدام الأمن الغذائي، كما تم تسجيل أكثر من مليوني لاجئ إلى دول الجوار، وفقاً للأمم المتحدة.

 وبحسب تقرير أممي نشره موقع "الشرق بلومبيرغ"، يحتاج ما لا يقل عن (59%) من السكان إلى مساعدات إنسانية، بزيادة قدرها (6) ملايين شخص مقارنة ببداية عام 2021، حيث يعاني اليوم قرابة (23) مليوناً من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

 

سيما بحوث: إجراءات التمييز ضد النساء والفتيات في أفغانستان عمل فظيع من التخريب الذاتي لبلد يواجه تحديات ضخمة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغيّر المناخ والتعرّض للرياح الاقتصادية المعاكسة

 

 ويبرر المجتمع الدولي عدم تعاطيه مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في أفغانستان، وبشكل خاص عدم استئناف المساعدات المقدمة من عدة دول في مقدمتها الولايات المتحدة، بالخوف من "الاستغلال السيئ"، لتلك الأموال التي قد تستخدمها الحركة في شراء الأسلحة بدلاً من إيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين.

 المرأة.. الخاسر الأكبر خلال حكم طالبان

 تحذر التقارير الدولية من الانتهاكات المستمرة من جانب الحركة ضد النساء، فيما وصف آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية أوضاع النساء في أفغانستان، بأنها "موت بطيء".

 المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، وصفت أوضاع المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان بـ"السيئة"، وقالت في بيان إنه "خلال العام الماضي ومنذ سيطرة طالبان على أفغانستان، شهدنا تدهوراً يومياً ومستمراً في أوضاع النساء والفتيات الأفغانيات".

 

الأمم المتحدة: الوضع الاقتصادي في أفغانستان في تدهور مستمر، وتفاقم الأوضاع قد يؤدي إلى "كارثة إنسانية"

 

 وبحسب بيان بحوث، المنشور عبر الموقع الرسمي لهيئة الأمم المتحدة "امتد ذلك التدهور إلى كل جانب من جوانب حقوق الإنسان الخاصة بهن، من مستويات المعيشة إلى الوضع الاجتماعي والسياسي".

 وأضافت أنه "كان عاماً يتزايد فيه عدم الاحترام لحقهن في عيش حياة حرّة ومتساوية، مما يحرمهن من فرص كسب الرزق، والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، والهروب من حالات العنف."

 تحذر التقارير الدولية من الانتهاكات المستمرة من جانب الحركة ضد النساء

وأشارت بحوث إلى أنّ "سياسات عدم المساواة الموضوعة بدقة من قبل طالبان تدفع بأفغانستان بعيداً، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي يُحظر فيها على الفتيات ارتياد المدرسة الثانوية. ولا توجد نساء في حكومة طالبان، ولا وزارة لشؤون المرأة، مما يلغي فعلياً حق المرأة في المشاركة السياسية".

 وأضافت بحوث: "هذا الكم المتعمد من إجراءات التمييز ضد النساء والفتيات في أفغانستان هو أيضاً عمل فظيع من التخريب الذاتي لبلد يواجه تحديات ضخمة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغيّر المناخ والتعرّض للرياح الاقتصادية المعاكسة والتي تترك حوالي (25) مليون شخص أفغاني في فقر ويعاني العديد منهم من الجوع".

 استهداف للإعلام

 إضافة للأوضاع المتردية للمرأة، سجلت طالبان معدلات غير مسبوقة في التضييق على الإعلام والصحافيين، وبحسب دراسة أعدتها منظمة "مراسلون بلا حدود" قبل أيام، فقدت أفغانستان أكثر من نصف صحفييها منذ عودة "طالبان" إلى الحكم.

 وذكرت المنظمة في دراستها أنه "كان هناك (11) ألفاً و(858) صحافياً قبل وصول الحركة إلى الحكم، لم يبق منهم اليوم سوى (4759).

 

مراسلون بلا حدود: أفغانستان فقدت أكثر من نصف صحفييها منذ وصول طالبان للحكم قبل عام

 

وأشارت الدراسة التي نشرها موقع "إندبندنت بالعربية" إلى أنّ (76.19%) من الصحافيات فقدن عملهن، إذ كانت هناك (2756) امرأة تعمل في الصحافة في مؤسسات إعلامية أو متعاونات معها، وبات العدد حالياً يقتصر على (656) غالبيتهن في العاصمة كابول".

 وبينت الدراسة أنّ "البلاد كانت في ١٥ آب (أغسطس) عام 2021 تضم (547) وسيلة إعلام، وبعد عام توقف (219) منها عن العمل، وفي المقابل ظهرت (4) مؤسسات إعلامية جديدة"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنّ هناك بعض المؤسسات الإعلامية التي أغلقت لـ"صعوبات اقتصادية جديدة على غرار وقف المساعدات الدولية والوطنية، وتراجع عائدات الإعلانات في ظل أزمة اقتصادية حادة".

 الملف الأمني

 تشير بعض التقارير إلى تراجع وتيرة العمليات الإرهابية، نسبياً، في أفغانستان خلال العام الماضي، وطالما تحدثت طالبان عن الوضع الأمني باعتباره أحد أهم الأولويات في أجندتها، لكن العمليات المستمرة والمكثفة من جانب تنظيمات في مقدمتها داعش، ضد طالبان والمدنيين في أفغانستان تعكس أيضاً عدم قدرة الحركة على فرض كامل سيطرتها لتأمين البلاد.

 وبشكل مستمر، صعد تنظيم "داعش- ولاية خراسان" من عملياته خلال العام الماضي، وسط مخاوف من توغل التنظيم الإرهابي في استهداف المدنيين وعناصر طالبان، وترجح التقديرات تنامي هذه العمليات تأثراً بالانهيار الاقتصادي وحال عدم الاستقرار السياسي، وعدم قدرة طالبان على احتواء الأزمات.

 وفي ربيع عام 2022، قتل عشرات الأشخاص في سلسلة من التفجيرات أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن غالبيتها، وفي المقابل تقول الحركة إنها تغلبت على تنظيم "داعش" في أفغانستان، لكن محللين يرون أنّ "داعش" لا يزال يشكل التحدي الأمني الرئيس للسلطة الأفغانية الجديدة، بحسب "اندبندنت".

ورغم أنّ طالبان تحاول تحقيق اعتراف دولي بشرعيتها، كحكومة مستقلة، إلا أنّ السيناريوهات بشأن الاعتراف الدولي بحكم الحركة تبدو متفاوتة، ففي حين قررت بعض الدول تسجيل اعترافها بطالبان وبدء التعاون الاقتصادي والسياسي معها خلال العام الماضي، لا تزال دول أخرى، في مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ترفض الاعتراف بشرعية طالبان وتفرض عقوبات عليها، فيما تصر الولايات المتحدة على تجميد نحو (9) مليارات دولار من أموال الحكومة في الخارج.

 

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات من تصاعد خطر "داعش خراسان" في أفغانستان.. وهذا موقف "طالبان"

روسيا تلوّح بالاعتراف بحكومة طالبان.. لماذا الآن؟

التحول في أفغانستان والحسابات الروسية... لماذا تقبلت موسكو حكم طالبان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية