عالم اجتماع مغربي لـ"حفريات": الجماعات المتشدّدة تنتعش من الأوبئة

عالم اجتماع مغربي لـ"حفريات": الجماعات المتشدّدة تنتعش من الأوبئة


05/04/2020

أجرت الحوار: إلهام الطالبي


يرى عبد الرحيم عنبي، الباحث في علم الاجتماع المغربي، أنّ هناك جماعات متشدّدة تنتعش من الأمراض والأوبئة، وتبحث عن كاريزما وسط المآسي والأحزان، مصورين المرض على أنّه عقاب إلهي.
وأكد أنّ الجوع والاعتقاد بالغيبيات عناصر تتحكم في سلوكيات الفرد المغربي، مشيراً إلى أنّ ما يعيشه المجتمع المغربي في زمن كورونا لا يختلف كثيراً عما حدث في القرنَين 16 و17.

اقرأ أيضاً: "التطرّف الصامت" ينخر المصالحة مع الجهاديين بالمغرب
ودعا عنبي الباحثين في علم الاجتماع إلى قراءة المجتمع المغربي، انطلاقاً من تاريخهم لفهم ما يقع من أحداث وتفكيك التناقض بين تمثلات الأفراد وسلوكياتهم.
وفي حواره مع "حفريات"، يُوضح الباحث في علم الاجتماع المغربي، مؤشرات انتقال المغرب في زمن كورونا إلى الدولة الاجتماعية التي تحمي المواطنين، ويشرح أسباب تعامل بعض المغاربة مع المرض والله بمازوشية، ودور علماء الاجتماع والنخب المثقفة بالمغرب في مواجهة المدّ الرجعي الذي يستفيد من أحزان المجتمع وأمراضه.
هنا تفاصيل الحوار:
لماذا يعزو بعض المغاربة الأوبئة إلى الغيب؟

مفهوم المرض عند المغاربة، طالما ارتبط بالقدر أو بالعين، ويرونَ أنّه مسلَّط عليهم من الخارج، ودائماً ما يفسرونه بالقوى الغيبية والشريرة وبالشياطين.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة ظهور فيروس كورونا لأول مرة في إيطاليا قبل الصين؟
وكل هذه الأفكار لديها جذور عميقة في التاريخ المغربي، وبالضبط قبل الإسلام، وعندما كان صراع الفرد مع الطبيعة، وكان يعزو ضعفه ومرضه إلى الخارج؛ أي القوى الغيبية الشريرة.
واتخذ المغاربة قديماً من المغارات أو الأشجار إلهات تُبعد عنهم المرض، أو ما يُطلق عليه بالعامية المغربية "العكس".
وفي مرحلة الفتوحات واعتناق المغاربة للإسلام، هذه العادات والتقاليد لم تُحارب من الإسلام، بل أعطاها طابعاً إسلامياً.
مفهوم المرض عند المغاربة طالما ارتبط بالقدر أو بالعين

كيف ذلك؟
ينبغي أن نقسم تاريح المغرب إلى ثلاث مراحل؛ مرحلة ما قبل الإسلام، ومرحلة الفتوحات الإسلامية، ثم مرحلة الغرب الإسلامي، المعروفة بإعمال العقل، ومحاربة الخرافات التي عُرفت بازدهار مجال الفنون والآداب والفلك، لكن بعد انهيار الغرب الإسلامي، وقتل العقل المتجسد في حرق كتب ابن رشد، سيطر الجهلاء، وأعطوا أهمية كبيرة للجانب الغيبي، معتبرين أنّ ما يحدث للإنسان من مرض امتحان من الله.
ما رأيك في خروج بعض المغاربة للابتهال والتكبير لمواجهة وباء  كورونا؟
ما حدث أمر طبيعي، وخروج البعض إلى الشارع، كان يقع في القرنَين 16 و17، آنذاك كان المغاربة يتضرعون أيام الجوع والمجاعات، ويلجأون لسحرة من أجل كتابة الطلاسم وإبعاد الأمراض، ويقرؤون الابتهالات واللطيف، كما كانت تنشط الزاويا وزيارة الأضرحة والأولياء.

مغاربة يتعاملون مع كورونا كنوع من تعذيب الذات؛ لأنّهم يشخصون الله، ويرون أنّه جلاد سيعاقبهم، وينبغي أن يتضرعوا إليه

وفي هذا الصدد، أرغب في أن أوجه نقداً للباحثين في علم الاجتماع والأنثربولوجيا في دول المغرب العربي، لأنّ ما يحدث في المغرب يقع في تونس والجزائر.
وكان يمكننا أن نتنبأ بما يقع من أحداث حالياً، عندما نقرأ "تاريخ الأوبئة والمجاعات" بالمغرب لمحمد أمين البزاز، ونقرأ "الفقر والفقراءة لمحمد ستيتو، وأيضاً "الجوائح والأوبئة"، ونفهم تاريخ الفقر والذهنيات، وكيف تشكل الوعي بالمجتمع المغاربي، ونفهم أنّ الجوع والغيب يحكمان سلوكيات المغاربة.
لماذا أُوجه الانتقادات لعلماء الاجتماع في المغرب العربي؟ لأنّهم لا يقرأون المغرب العربي انطلاقاً من هذا الزخم التاريخي، بل يقرأونه انطلاقاً من النظريات الغربية، مثلاً؛ باحثون كثيرون عندما يقرأون هذه الممارسات يفسرونها بإعادة إنتاج نظرية بورديو، لكنّ إعادة الإنتاج تتطلب وضع قطيعة، أما في المغرب فلدينا استمرارية للثوابت نفسها.

في الوقت الذي يعزو مغاربة وباء كورونا إلى الغيب وأنّه قدر يجب الاستسلام له، يتهافتون على شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية؛ بماذا تفسر هذا التناقض بين التمثلات والسلوكيات؟
ثقافة اللهفة ترجع إلى فترة "بوهيوف"؛ أي فترة الجوع والمجاعة بالمغرب، وهذه المجاعات هي التي كونت شخصية المغربي الذي يرى أنّ الأشياء ستنتهي، ويجب أن يجمع أكبر قدر ممكن من الأكل.
وهنا سأستشهد "بالمطمورة" التي كانت إلى حدود الأربعينيات والخمسينيات، خزاناً يعتمده المغاربة لتجميع المواد الغذائية وتخزينها، وفي هذا العصر استبدلوها بالثلاجة.

اقرأ أيضاً: هذه جهود السعودية والإمارات لمواجهة وباء كورونا في اليمن
لقد تغيرت الأشكال أما السلوكيات فظلت ثابتة، فالفرد المغربي لا يهمه أن يأخذ القليل من السلع الغذائية ويتركها للآخر لأنه يُفكر فقط في نفسه.
هناك من سيختلف معي، ويرى أنّ هناك تضامناً بالمجتمع المغربي، لكن ما نشهده حالياً من تضامن، يعد تضامناً بقوة الدولة، لأنّ الملك من أعطى تعليماته للتضامن مع الفئات الفقيرة، وحتى المواطنين يتضامنون مع المواطنين بسلطة الدولة عبر الصندوق الذي أُحدثه الملك، إذاً هو تضامن بقوة الدولة.
هذا التناقض الذي يحكم سلوك الفرد المغربي، يظهر عندما يخرج إلى الشارع يُفكر في نفسه فقط، وذلك راجع لعامل الجوع والمجاعات التي عاش المغاربة.
وعوضاً عن أن يُنصتوا للأطباء ويتجنبوا الإصابة بالوباء، فبعضهم يعزو المرض إلى القوى الغيبية، ويقرأ الابتهالات التي كانت تُقرأ في القرن 15.
لماذا يتعامل بعض المغاربة مع وباء كورونا بنوع من تعذيب الذات معتبرين أنّه عقاب إلهي؟
نعم هو نوع من تعذيب الذات؛ لأنّهم يشخصون الله، ويرون أنّه جلاد سيعاقبهم، وينبغي أن يتضرعوا إليه، مثل تضرعهم في السابق للقائد كلاوي مثلاً.

اليوم أصبح مطروحاً في المغرب الانتقال إلى الدولة الاجتماعية

أستاذ علم الاجتماع الألماني، هاينز بوند، يتوقع أنّ يشهد العالم، ما بعد كورونا، نهاية النيوليبرالية في المجتمعات الغربية، وشدد على أهمية التضامن الاجتماعي؛ ماذا عن المغرب؟ هل سيشهد تحولات في شكل الدولة؟

نعم، سؤال مهم جداً، اليوم أصبح مطروحاً في المغرب الانتقال إلى الدولة الاجتماعية، وبمجرد ما ظهرت أول حالة إصابة بمرض كورونا بالمغرب، أصدر الملك تعليماته بإنشاء صندوق لتبرع ودعم الفئات المتضررة من وباء كورونا.
الدولة بالمغرب لم تعد تفرض سلطتها؛ بل أصبحت تتخذ قرارات لحماية المواطن، مثل أن تطلب منه أن يدخل إلى بيته.

اقرأ أيضاً: كورونا يفتح نافذة على تاريخ الحجر الصحي في وجه الأوبئة
لكن على مستوى الأفراد، نُلاحظ أنّهم يقاومون بالخروج إلى الشارع والابتهالات، وذلك يرجع لحضور العقل الغيبي.
والدولة الاجتماعية في المغرب أغلقت المساجد لحماية الأفراد من الوباء، لكن تمثلات بعض الجماعات الذين تؤطرهم أيديولوجيات متشددة، جعلتهم يرون أنّ موتهم بسبب وباء كورونا استشهاد، ومصيرهم الجنة، لذلك يجب الاستسلام للمرض، على حدّ تعبيرهم.
هذه المجموعات تنتعش من الأمراض والأوبئة، وتبحث عن كاريزما وسط المآسي والأحزان، مصورين المرض على أنّه عقاب إلهي.
أمام تنامي هذا الخطاب الرجعي المتشدد، يحتاج المجتمع المغربي إلى خطاب عقلاني؛ ما رأيك في دور المثقفين المغاربة؟ وهل يواجهون الخطاب المتشدد الذي يستغل أحزان المجتمع؟

هناك غياب تام للمثقفين، كما أنّ عدداً كبيراً منهم في الجامعات متشبعين بالأفكار الرجعية نفسها، وبعضهم أيضاً يعزون الكوارث إلى عقاب إلهي.
وهذا يعيدنا إلى المغرب ما قبل الإسلام؛ لأنّهم يُفسّرون جميع الكوارث الطبيعية انطلاقاً من اعتبارها غضباً من الله.
ويجب إعمال العقل لحماية الناس، ولولا تدخل الدولة لعشنا كوارث في هذه الفترة؛ لأنّ هناك مقاومة من الأفراد مبنية، كما ذكرت سابقاً، تعتمد على العنصر الغيبي، وتمثل المغاربة أيضاً.

ما رأيك في تفاعل علماء الاجتماع المغاربة مع التحديات والتحولات التي يعيشها المغرب في زمن كورونا؟
لا توجد سوسيولوجيا حالياً بالمغرب، كان هناك علم اجتماع عندما كنا نتحدث عن الهراس ورحمة بورقية وبول باسكون، رموز كانوا ينتجون نصوصاً في السوسيولوجيا، اليوم لا توجد نصوص، أغلب ما يُنتج مجرد كلام غلبت عليه الفلسفة.

التوجه إلى الدولة الاجتماعية تُعيقه الأحزاب السياسية ويُعيقه المواطن؛ لأنّ هناك أحزاباً ما تزال تبحث عن مصالحها فقط

عدد من الباحثين ينتجون نصوصاً فلسفية وأدبية، بينما السوسيولوجيا علم حسي، يعتمد على وقائع مادية.
من أهم الموضوعات التي يجب أن تُطرح في علم اجتماع اليوم؛ الكورونا، ونهاية العولمة، وفتح الحدود أمام الأمراض العابرة للحدود، ويُطرح أيضاً سؤال العولمة والجريمة عابرة الحدود، والإرهاب، لكنّ الباحثين بالمغرب لا يتناولون هذه القضايا؛ بل يتحدثون عن موضوعات قديمة ومستهلكة، وينتجون نصوصاً أدبية أو فلسفية.
نحن في حاجة إلى مراصد لسوسيولوجيا، وباحثين يؤطرون الأفراد عن قرب.

ما هي توقعاتك  لفترة ما بعد كورونا بالمغرب؟
تدخّل الملك، محمد السادس، أعطى مؤشراً أننا سننتقل إلى الدولة الاجتماعية، ما يُؤكد أيضاً أنّ الأحزاب السياسية لا تمتلك أية برامج.
وهذا التوجه إلى الدولة الاجتماعية تُعيقه الأحزاب السياسية ويُعيقه المواطن؛ لأنّ هناك أحزاباً ما تزال تبحث عن مصالحها فقط، والمواطن ما يزال جاهلاً وأمياً، حتى المتعلم جاهل، رغم أنّه يكتب ويقرأ، لكنّه أمّي من حيث تدبير الأزمات.

اقرأ أيضاً: من يقمع أرقام كورونا؟
مبادرة الملك تؤكد أنّ هناك رغبة في الانتقال، لكن نحن أمام مجموعة من الأفراد لا يوجد لديهم وعي، وخروج الناس في طنجة وفاس وسلا يكشف أنّ التطرف ما يزال مستمراً، وأنّ المغاربة الذين خرجوا في القرنَين 16 و17 ما يزالون موجودين، لم يتغير فيهم شيء سوى الشكل، أما الثوابت فهي نفسها.
أقترح الاهتمام بالبحث العلمي، ليس فقط في شقّه الطبي والعلمي؛ بل الاهتمام بالعلوم الإنسانية الإمبريقية لتدبير الأزمات وتأطير الفرد عن قرب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية