
تواجه ألمانيا العديد من الهجمات من قبل المتطرفين، بما في ذلك من قبل أشخاص ينتمون إيديولوجيّاً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وقد كثفت الحكومات الفيدرالية والولائية التزاماتها بمعالجة التطرف الديني والسياسي، من خلال العمل بشكل وثيق مع المكتب الفيدرالي لحماية الدستور.
وتتعرض الحكومة الألمانية في الوقت الراهن لضغوطات كبيرة، لإظهار أنشطة أكثر حزماً تجاه هذه القضية، وسط صعود الأحزاب السياسية القومية اليمينية المتطرفة والمعادية للإسلام والمعادية للمهاجرين، وخاصة في شرق ألمانيا، بالتزامن مع أنشطة الإخوان المسلمين.
ضربة قاصمة للإخوان
في سياق المواجهة مع تمدد الإخوان في ألمانيا، أعلنت السلطات الألمانية يوم الخميس الماضي أنّها حظرت مركزاً إسلامياً في براندنبورغ، القريبة من برلين، والتي تُعدّ، مثل واشنطن العاصمة، منطقة مستقلة، لا تقع ضمن حدود أيّ ولاية، وذلك بسبب صلات تربط المركز بجامعة الإخوان المسلمين.
ويعمل المركز في عدة أنشطة لجمع التبرعات، ووفقاً للسلطات الأمنية، فإنّ مركز فورستنفالده، الذي يقع مسجده في منطقة صناعية، يضم حوالي (12) عضواً نشطاً. ووفقاً للمكتب الاتحادي لحماية الدستور، كان حوالي (200 إلى 300) شخص يأتون بانتظام لحضور الخطب الدينية فيه.
تتعرض الحكومة الألمانية في الوقت الراهن لضغوطات كبيرة، لإظهار أنشطة أكثر حزماً تجاه هذه القضية، وسط صعود الأحزاب السياسية القومية اليمينية المتطرفة والمعادية للإسلام والمعادية للمهاجرين، وخاصة في شرق ألمانيا، بالتزامن مع أنشطة الإخوان المسلمين
وأفادت وزارة الداخلية في براندنبورغ أنّ عمليات تفتيش دقيقة جرت في مركز فورستنفالده الإسلامي (IZF)، ومنازل أخرى تابعة له في براندنبورغ وبرلين صباح الخميس الماضي. وقال وزير داخلية براندنبورغ مايكل شتوبجن في بيان رسمي: إنّ "مركز السلام الإسلامي في فورستنفالده مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، ويجمع تمويلات لصالح جماعات إرهابية". وأضاف: "يعمل المركز ضدّ النظام الديمقراطي الحر، وينشر المواد العنصرية، ولا يمكننا قبول ذلك".
وقالت وزارة الداخلية: إنّها تعتبر أيضاً جماعة الإخوان المسلمين جماعة إسلامية ذات صلة بالفكر الذي يدعم الإرهاب.
وأكدت الوزارة أنّ الهدف من العملية كان التحرك بعد اكتشاف أدلة تدعم معلومات حول الأنشطة المتطرفة المرتبطة بالمركز. وقالت وزارة الداخلية في بيان رسمي: إنّ المركز كان متورطاً في أنشطة "موجهة ضدّ فكرة التفاهم الدولي والنظام الدستوري"، مبررة الحظر الذي فرضته على أنشطة المركز. وقالت أيضاً إنّ نحو (30) شخصاً كانوا في المركز، الذي كان مؤسسة صغيرة نسبياً إلى جانب المسجد المرتبط بها، يُشتبه في ارتباطهم بتنظيمات إرهابية.
وكان مكتب براندنبورغ لحماية الدستور قد صنف المركز منظمة متطرفة في تمّوز (يوليو) 2023، مستشهداً بالترويج للسرديات المعادية للآخرين، ونشر المحتوى العنصري المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين.
مداهمات تكشف أدلة جديدة
كانت المداهمات التي جرت يوم الخميس الماضي حول برلين جزءاً من جهد أوسع لكبح ومنع التطرف، وخاصّة بين الشباب في ألمانيا. وقال شتوبجن: "لا يصبح الشباب متطرفين من فراغ". وأضاف: "هناك دائماً استراتيجيات تطرف غادرة من قبل المنظمات المتطرفة وراء هذا". وتابع: "يجب معالجة هذا الشر من جذوره. نحن مدينون أيضاً لأولئك المسلمين الذين يعيشون هنا، بحسن نية، وقد فرّوا ذات يوم من الإسلاميين".
كانت المداهمات التي جرت يوم الخميس الماضي حول برلين جزءاً من جهد أوسع لكبح ومنع التطرف، وخاصّة بين الشباب في ألمانيا
وخلال المداهمات قالت الوزارة: إنّ الشرطة صادرت وثائق وأجهزة إلكترونية، وأشياء أخرى، أظهرت وفقاً للتحقيقات الأولية المزيد من الروابط الموجودة بين المركز، والدعاية المتطرفة والدعم لمنظمات مثل جماعة الإخوان المسلمين.
وجاءت المداهمات بعد أسابيع فقط من إحباط السلطات في النمسا المجاورة، بناءً على معلومات استخباراتية قدمتها السلطات الأمريكية، لمؤامرة إرهابية خطيرة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، لاستهداف الجمهور المشارك في حفلات النجمة الأمريكية تايلور سويفت في البلاد، ممّا أجبر الجهة المنظمة على إلغائها.
مخاوف متزايدة من موجة عنف تستهدف المسلمين
جاءت هذه الخطوة قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات البرلمانية في براندنبورغ، والتي من المتوقع أن يحقق فيها حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرف والمعادي للهجرة، مكاسب قوية. ويؤكد مراقبون أنّ أنشطة الإخوان في الولاية هي أبرز أسباب صعود اليمين، وسط مخاوف من موجة إرهاب محتملة، وكذلك عنف ضدّ المسلمين.
وتأسس مركز فورستنفالده في عام 2018، واختص بتدشين مجموعة من الأنشطة الخاصة بالمسلمين في منطقة فورستنوالدي، بالإضافة إلى إدارة مسجد السلام المحلي، وصلاة الجمعة والبرامج التعليمية والمعسكرات الصيفية، وممارسة الرعاية الدينية للأطفال المسلمين؛ الأمر الذي أدّى إلى تمدد أنشطته وتوسعه.
من جهته، قال رئيس جهاز الاستخبارات في براندنبورغ، يورج مولر: إنّ "هناك خطراً يتمثل في أن يتعرض المسلمون بشكل مباشر لمواقف متطرفة وإيديولوجية إسلامية، بسبب أنشطة هذا المركز".
وكانت ألمانيا قد تعهدت باتخاذ إجراءات صارمة ضدّ التطرف الإسلامي، بعد أن شهدت ارتفاعاً في وتيرة أنشطة الإخوان وحلفائهم، بالتزامن مع الحرب على غزة، التي استخدمها الإخوان في ألمانيا غطاء لأنشطتهم المشبوهة.
وسبق أن أغلقت السلطات الألمانية مركز هامبورغ الإسلامي، بعد أن خلصت بعد تحقيقات إلى أنّه عبارة عن منظمة متطرفة، لها صلات بإيران وجماعة حزب الله اللبنانية. وغادر الرئيس السابق للمركز محمد هادي مفاتح ألمانيا الأسبوع الفائت، بعد صدور أمر ترحيل بحقه.
يُذكر أنّ المناقشات حول خطورة الإخوان في ألمانيا تزايدت بشكل ملحوظ، بعد هجوم بالسكّين في مدينة زولينغن الغربية في أواخر آب (أغسطس) الماضي، حيث قُتل (3) أشخاص، وجُرح (8)، في الهجوم الذي زعم أنّه نفذه طالب لجوء سوري.