صفقة القرن ووهم الزخم .. وخداع عناوين الصراع

صفقة القرن ووهم الزخم .. وخداع عناوين الصراع


18/07/2019

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي/العربي الإسرائيلي، صراع تاريخي، وإن كان صراعاً حديثاً، وذلك بالنظر إلى العقود الطويلة التي مرت عليه، والعقود الطويلة التي ستأتي والتي تروج لها المرويات الدينية باعتباره صراع وجود لا صراع حدود، ومرتبطاً بمتون أحاديث النهايات وقصص آخر الزمان، وبغض النظر عن صدقية هذه المرويات وثبوتها وتأويلاتها، إلا أنّ الفكرة التي نريدها هنا، من توصيف هذا الصراع بالتاريخي، أنّه امتد على مساحة زمنية واسعة نبتت جذوره في نهايات القرن التاسع عشر، وامتدت إلى أن أصبح موضوعاً أو قضية دولية، ابتداء من بروز إسرائيل كدولة وشعب -بشكل ما- إلى الوجود عام 1948.

اقرأ أيضاً: الرفض الفلسطيني لصفقة القرن هل يدفع واشنطن للبحث عن قيادة بديلة؟

ولأنّ مشروع هذه المقالة يبحث في عناوين الصراع، أو عناوين الحل للصراع؛ فإنّ هذه العناوين هي بحد ذاتها ليست حلولاً بقدر ما هي شكل إطاري لصورة الصراع، كانت البدايات تعود إلى عهد المقاومة الشعبية العربية الفلسطينية الأولى، ثم الانتفاضة ثم عناوين التسويات ابتداء ربما من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 عام  1967، وهو القرار الذي صاغ لأول مرة عنوان "الأرض مقابل السلام".

المؤجل في العرف السياسي لإسرائيل كما لو أنه غير موجود طالما أنها لا تدفع كلفة سياسية أو اقتصادية أو أي شيء إزاءه

هذا القرار اعتمد على "دعوة" إسرائيل، بهذه الكلمة الرخوة، "دعوة" إسرائيل إلى الانسحاب، ليس من مشروعها الاستيطاني الاحتلالي، وإنّما من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير السابق لتاريخ القرار، بمعنى أنّ القرار صادق مضموناً على احتلال إسرائيل لأراضي ما قبل النزاع الأخير، ودعا لخروجها من ما عدا ذلك من أراضٍ فلسطينية، وبالمناسبة القرار نفسه جاء في صيغة مخادعة في عبارة "انسحاب من أراضٍ" وليس من الأراضي الفلسطينية.

من تاريخ هذا العنوان المخادع، إلى عنوان "كامب ديفيد"، تلك الاتفاقيات التي استمرت 12 يوماً، وعادت إلى العنوان الأول "قرار 242"، لتوسيعه، وتلك خدعة أخرى بإنشاء "سلطة حكم ذاتي" في الضفة وغزة، رغم أنّ الفلسطينيين أنفسهم لم يكونوا طرفاً في هذا الاتفاق، وأيضاً دون تراجع إسرائيل عن احتلالها لـ "أراضٍ" فلسطينية. لكن الشرح الحقيقي لكامب ديفيد هو اتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية كاعتراف عربي أول بإسرائيل كدولة، فيما دعا عنوان كامبد ديفيد أيضاً إلى اتفاقيات سلام أخرى مع دول الجوار الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: غزة.. بيضة قبان "صفقة القرن" وموقف حماس الصعب

عناوين كان يراد لها أو يشاع أنّه يراد منها أن تكون عناوين حلول، لكنها كانت عناوين تكريس وجود إسرائيل كدولة واليهود كشعب على الأرض الفلسطينية، تلا ذلك اتفاقات مدريد 1991 وأوسلو 1993، وكامب ديفيد نسخة 2000، وطابا 2001، وخيرطة الطريق وجنيف أيضاً في عام واحد 2003 ، وأنابوليس 2007، وصولاً إلى "صفقة القرن" التي تلخص الخبرة الإسرائيلية في التفاوض عبر المحطات والعناوين لم تخسر فيها إسرائيل شيئاً من وجودها واستيطانها، ولم يربح الفلسطينيون ولا العرب شيئاً من غاياتهم في تسوية شاملة وعادلة.

اقرأ أيضاً: الانقسام وصفقة القرن ليسا قدراً على الشعب الفلسطيني

قد يكون القول بأنّ "صفقة القرن" مجرد عنوان مخادع، مغامرة، لكنه يثير تساؤلات مهمة، ماذا لو لم تنجح الصفقة، ماذا يمكن لإسرائيل أن تخسر وماذا يمكن أن يربح العرب؟ بخصوص اللاجئين، إنّها قضية أو أزمة بقيت على الدوام أزمة مؤجلة، والمؤجل في العرف السياسي لإسرائيل كما لو أنّه غير موجود طالما أنّها لا تدفع كلفة سياسية أو اقتصادية أو أي شيء إزاءه.

اقرأ أيضاً: هل ستكون حماس الطرف الفلسطيني الذي سيمرر "صفقة القرن"؟

أما بخصوص حق العودة، فهو حق من ورق بالعرف السياسي الإسرائيلي أيضاً، وإسرائيل لن تخسر شيئاً ولا تخشى شيئاً فيما لو بقي يتكرر في أوراق المحادثات والاتفاقيات إلى أمد طويل. وفيما يتعلق بالدولة الفلسطينية أو حل الدولتين، فهو حل يموت ببطء، نشأ كما لو أنّه وهم يُراد له أن يكون حقيقة في وقت ما ثم يعود لطبيعته الوهمية، والقدس كعاصمة تتنازعها تلك الدولتين، تلك فكرة تكرسها القوة لا السياسة والمحادثات، القوة التي تسيطر عليها أولاً، والقوة التي نقلت السفارة الأمريكية إليها، لا السياسة التي تستطيع السير في أزقتها وحاراتها والمرور بين الجنود المدججين بالسلاح إلا على قلق.

التحولات التي أصابت عناوين الصراع لا تعني شيئاً إلا بالقدر الذي حققته لإسرائيل من فرص لتعزيز وجودها

التحولات التي أصابت عناوين الصراع من المقاومة مقابل الاحتلال، إلى الأرض مقابل السلام، إلى السلام مقابل السلام، إلى الاستثمار والمال والأعمال مقابل السلام، كما روجت له "الصفقة" التي تقول بصوت خفيض "على العرب والفلسطينيين أن يشتروا السلام بأموالهم"، هذه التحولات لا تعني شيئاً، إلا بالقدر الذي حققته أو خلقته لإسرائيل من فرص لتعزيز وجودها وتوسيع استيطانها ونمو اقتصادها وقوتها"

"صفقة القرن" ليست محكومة بنتائجها أبداً، إنها محكومة باستدامة الصراع على نحو ما، اقترح شرحاً له "جيمس زغبي" رئيس المعهد العربي الأمريكي، مستعيناً بتوصيف "هنري كيسنجر" لعمليات الصراع العربي الإسرائيلي بأنّها "خلق وهم الزخم من أجل تعويض غياب الزخم، لم يكن الهدف هو النتيجة، بل إبقاء الجميع مشاركاً في العملية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية