صعود اليمين المتطرف يعيد رسم المشهد السياسي في أوروبا

صعود اليمين المتطرف يعيد رسم المشهد السياسي في أوروبا

صعود اليمين المتطرف يعيد رسم المشهد السياسي في أوروبا


24/03/2024

نينا دوس سانتوس

للوهلة الأولى بدا زعماء الأحزاب المحافظة في أوروبا، إذ اجتمعوا في مؤتمرهم ببوخارست هذا الشهر، منتصرين.

منذ آخر اجتماع لهم قبل سنتين، حقق يمين الوسط مكاسب مهمة، حين وجد نفسه في الحكم في أجزاء كبيرة من الاتحاد الأوروبي كما اكتسب مزيداً من النفوذ داخل المؤسسات الرئيسة للكتلة.

ويتجه المحافظون في الاتحاد الأوروبي – المتحدون تحت راية حزب الشعب الأوروبي، الذي ترأسه حالياً روبرتا ميتسولا التي تمثل يمين الوسط في مالطا – للفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي.

وفي الوقت نفسه من المرجح أن تحصل مرشحتهم لرئاسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على ولاية ثانية، بما يتماشى مع خطاب يمين الوسط الذي يركز على الأمن والاقتصاد، والذي يتردد صداه بقوة بين الناخبين.

ومع ذلك، يكمن وراء هذا الأداء المثير للإعجاب معضلة رئيسة: كيفية مواجهة منافس ينتمي إلى الجانب نفسه من الطيف السياسي وسط الدعم المتزايد الذي يحظى به اليمين المتطرف في أوروبا.

ساعد صعود حزب شعبوي هذا الشهر في منع يمين الوسط في البرتغال من الحصول على الغالبية، على رغم أنه أطاح الاشتراكيين القابضين على السلطة. وقد تعني النتيجة حكومة ضعيفة قد تضطر إلى تقديم تنازلات محددة لتمرير قوانين جديدة.

في السويد، حيث كان اليمين المتطرف جزءاً من الائتلاف الحاكم منذ عام 2022، يبدو أن هذا النمط يتقدم بصورة ملحوظة، كما يتضح من الحملة الأخيرة لفرض القانون والنظام والموقف الأكثر صرامة على صعيد الهجرة.

في سلوفاكيا وهنغاريا، يتولى الزعماء الشعبويون زمام الأمور، وهم استخدموا نفوذهم باستمرار على مر السنين لتحدي وحدة الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالمسائل الأكثر إلحاحاً اليوم.

ووفقاً لجيري زاغوريتيس، مؤسس شركة "Campaign Lab"، وهي شركة استراتيجية سياسية مقرها بروكسل تقدم المشورة لأحزاب يمين الوسط في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، فإن "مركز الثقل السياسي في أوروبا من المؤكد أنه يميل نحو اليمين".

ويضيف زاغوريتيس: "يتجلى هذا التحول في الحملات الانتخابية، حين يركز المعتدلون بصورة متزايدة على الهجرة، والدفاع، ومواضيع مثل السلامة والأمن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي".

باختصار، نفوذ اليمين المتطرف آخذ في النمو، ومن المتوقع أن يكون حضوره أكثر وضوحاً، وبخاصة داخل برلمان الاتحاد الأوروبي. في الوقت الحالي، تشير التوقعات إلى أن الأحزاب المتطرفة في أوروبا قد تحصل على أكثر من 25 في المئة من الأصوات عندما يدلي 400 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي بأصواتهم في شهر يونيو (حزيران).

ويمكن لأعضاء كهؤلاء في البرلمان الأوروبي أن يعرقلوا محاولات معالجة تغير المناخ ويحبطوا طموحات الاتحاد الأوروبي في التوسع شرقاً ليشمل يوماً ما أوكرانيا ومولدوفا وبلدان في غرب البلقان.

لكن ما من مؤشر، وفق زاغوريتيس، إلى أن الفصائل اليمينية المتطرفة متحدة بما يكفي لتحدي الوضع الحالي باستمرار ويؤكد أن "هذه الأحزاب غالباً ما تختلف حول القضايا الحاسمة، مثل العلاقات مع روسيا، حيث يدعم البعض أوكرانيا بينما يدعم البعض الآخر الكرملين".

ليس صعود اليمين المتطرف في أوروبا بالأمر المستغرب. هو في الواقع يجري منذ بعض الوقت.

 حتى إن أحد المسؤولين من يمين الوسط في بوخارست كان قد ألقى باللوم على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التسبب في المشكلة، عندما أسس حركته "إلى الأمام" في عام 2016.

وقال المسؤول: "لقد نسف الأرضية الوسطى للجميع، وتركنا نتعامل مع الفوضى".

ويجادل آخرون بأن الشعبوية ستكون جذابة دائماً، فهي تعد بحلول بسيطة للمشكلات التي أثبتت الأحزاب التقليدية أنها غير قادرة على معالجتها.

ما هو واضح هو أن أزمة كلف المعيشة وجائحة كورونا قد سرعتا التحول، مما دفع الناخبين من الطبقة المتوسطة إلى النزول إلى أسفل التسلسل الهرمي الاجتماعي والاقتصادي والانجذاب نحو الحركات السياسية المتطرفة.

حتى مزارعو أوروبا، الذين كانت سبل عيشهم في الماضي محمية بموجب السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، يتبنون الآن المتطرفين.

ومع ذلك، مثلما قد يميل يمين الوسط في أوروبا إلى استيعاب بعض سياسات اليمين المتطرف لتحييد التهديد، تبرز أدلة على أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تدرك أن بعض مبادراتها الأكثر عدوانية تنفر الناخبين.

على هذا النحو، تتجه هذه الأحزاب أكثر نحو الوسط.

لقد تخلت مارين لوبن، القيادية في التجمع الوطني الفرنسي، عن خططها في شأن ما يسمى فريكست [خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي]، ودانت أخيراً غزو روسيا لأوكرانيا على رغم تعبيرها الصريح ذات يوم عن إعجابها بفلاديمير بوتين.

وفي الوقت نفسه سرعان ما نأت قيادة حزب "البديل من أجل ألمانيا" بنفسها عن تقارير تناولت اجتماعاً سرياً ناقش فيه بعض أعضاء الحزب ترحيل المواطنين "غير المندمجين".

حتى غيرت فيلدرز، الذي حقق أخيراً انتصاراً انتخابياً في هولندا من دون أن يتمكن من تشكيل حكومة، يبدو أنه يدرك أن اليمين المتطرف يمكن أن يكون مؤثراً بالقدر نفسه على صعيد ممارسة الضغط من خارج المؤسسة السياسية بدلاً من إدارة البلد بنفسه.

ومع ذلك، يعد صعود اليمين الأوروبي مهماً لأنه يغير المشهد بسرعة في واحد من أكبر الاتحادات الديمقراطية في العالم، في وقت يتصاعد فيه الاستبداد في أماكن أخرى.

يمكنه أن يحدث تغييراً ملحوظاً لسنوات مقبلة.

ويبقى علينا أن نرى مقدار هذا التغيير.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية