
شهد البرلمان الأوروبي منتصف نيسان (أبريل) الجاري تطورات بارزة حول الاستجابة لضغوطات حركة النهضة التونسية من أجل مناقشة الوضع الحقوقي والسياسي في تونس، لا سيّما فيما يخص أوضاع المعارضين، وعلى رأسهم قيادات حركة النهضة.
وقد تباينت المواقف داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بين تأكيد على دعم الشراكة مع تونس، وتحذيرات من التواطؤ مع ما وُصف بدعم "نظام استبدادي" يواصل قمع خصومه السياسيين، وهي شعارات النهضة. وبينما شددت مؤسسات الاتحاد على تمسكها بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد جاء إدراج تونس ضمن قائمة "البلدان الآمنة" صدمة لحركة النهضة، وأثارت بدورها مزاعم حول اتساق السياسات الأوروبية مع مبادئها المعلنة، وانعكاسات ذلك على مستقبل الشراكة مع حكومة الرئيس قيس سعيّد
قرار البرلمان الأوروبي: دعم مشروط للديمقراطية
تبنّى البرلمان الأوروبي في مطلع نيسان (أبريل) الجاري قرارًا بشأن تنفيذ السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، أكد فيه على مركزية الديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقات الاتحاد الدولية. ورغم عدم ذكر تونس مباشرة، فسّرت حركة النهضة، قسراً، هذا القرار بوصفه تمهيدًا لمواقف أكثر تشددًا إزاء السلطات التونسية في ضوء ما تشهده البلاد من محاكمات سياسية وقيود على الحريات.
وفي 16 نيسان (أبريل) اقترحت المفوضية الأوروبية إدراج تونس ضمن قائمة "البلدان الآمنة"، وهو ما يُسرّع من ترحيل طالبي اللجوء من أوروبا إلى تونس. وقد لاقت هذه الخطوة اعتراضات من منظمات حقوقية دولية مخترقة إخوانيًّا، مثل: (هيومن رايتس ووتش وأمنيستي إنترناشونال)، معتبرة أنّ تصنيف تونس "بلدًا آمنًا" في هذه المرحلة يمثل تجاهلًا للواقع القمعي، وتهديدًا مباشرًا للمعارضين المعرّضين للملاحقة القضائية، خصوصًا في ظل المحاكمات الجماعية التي تطال معارضي الرئيس قيس سعيّد.
وكانت النائبة الهولندية تينيك ستريك قد أثارت الملف التونسي قبل ذلك عبر سؤال برلماني رسمي في 12 آذار(مارس) الماضي، استفسرت فيه عن موقف المفوضية من "قضية المؤامرة"، التي يحاكَم فيها نحو (40) معارضًا تونسيًا، من ضمنهم قيادات بارزة في حركة النهضة. وشددت ستريك على ضرورة ضمان المحاكمة العادلة واستقلال القضاء، مطالبة بمتابعة مباشرة من بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس.
وبالتزامن مع النقاشات البرلمانية تواصلت الضغوط الحقوقية، بدعم من الإخوان، خارج أروقة الاتحاد فقد أصدرت منظمة "17 أبريل" بيانًا دعت فيه إلى الإفراج عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي المعتقل منذ عام 2023، كما شهدت عدة مدن أوروبية وقفات احتجاجية إخوانيّة، طالبت بوقف "قمع المعارضين" في تونس، وإعادة تقييم العلاقات الأوروبية مع نظام قيس سعيّد، في السياق ذاته نشرت (هيومن رايتس ووتش) تقريرًا بعنوان "جميع المتآمرين"، كررت فيه مزاعم حركة النهضة باعتقال قياداتها بشكل تعسفي ووجود محاكمات تفتقر إلى ضمانات العدالة، داعية الاتحاد الأوروبي إلى تعليق الاتفاقيات مع الحكومة التونسية ما لم تُتخذ خطوات جدية لحماية الحقوق الأساسية.
مستقبل الشراكة مع تونس
تثير هذه التطورات تساؤلات عميقة بشأن مستقبل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، خاصة بعد إدراج الأخيرة في قائمة البلدان الآمنة. ويرى مراقبون أنّ هذا الإدراج قد يُصعّب من حصول نشطاء النهضة ومعارضي النظام على اللجوء السياسي، وهو ما اعتبره البعض بمثابة "إقرار غير مباشر بشرعية الإطاحة بالحركة".
في السياق ذاته، تواصل (هيومن رايتس ووتش) الترويج لمزاعم حركة النهضة، وسط صمت رسمي تونسي، بينما تمضي الشراكة الأوروبية التونسية في مجراها الطبيعي دون اكتراث لهذه المزاعم.
من جانبها، كثّفت حركة النهضة اتصالاتها مع النواب الأوروبيين، خاصة من كتلة الخضر والاشتراكيين الديمقراطيين، للاستفادة من آليات المتابعة البرلمانية ومواصلة الضغط على المفوضية. وقدمت الحركة مذكرات وتقارير للجنة الحريات المدنية في البرلمان الأوروبي، لدعم مطلب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف استخدام قوانين الإرهاب ضدّ المعارضة، بحسب مزاعمها. كما يتم التنسيق مع منظمات دولية لرفع وتيرة الضغط الإعلامي والسياسي، وصولاً إلى الضغط من أجل إصدار قرار خاص عن تونس في جلسات البرلمان القادمة.
ومن داخل البرلمان اشتدّ الجدل حول العلاقة مع تونس، خاصة في ظل توقيع مذكرة التفاهم المتعلقة بالتعاون في ملف الهجرة. فقد وصفت النائبة إيراتشي غارسيا، رئيسة مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين، الاتفاقية بأنّها "تمويل لنظام استبدادي"، مطالبة بتجميدها فورًا. أمّا النائب بيدرو ماركيش، فقد دعا إلى توجيه الدعم مباشرة إلى المجتمع المدني.
من جهته، قال مونيـر ساتوري، نائب عن حزب الخضر: إنّ حكم قيس سعيّد "يعزّز السلطوية" في تونس، وندّد بمنع نواب البرلمان الأوروبي من زيارة البلاد. كما حذّر النائب ماتياج نيميتش من تواطؤ الاتحاد الأوروبي في "تدمير الديمقراطية التونسية"، داعيًا إلى ربط الدعم المالي بشروط صارمة لحماية حقوق الإنسان.
وفي السياق نفسه نشط نواب مؤيدون لمواقف حركة النهضة، ومن أبرزهم تينيك ستريك صاحبة السؤال البرلماني بشأن المحاكمات السياسية، وطالب إيمانويل موريل بإعادة النظر في الاتفاقات مع تونس بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وطالبت غابي بيسشوف بسياسات لجوء قائمة على القيم الأوروبية، ورفضت ما وصفته بالصفقات مع أنظمة استبدادية، ووصف ديتمار كوستر الرئيس قيس سعيّد بالدكتاتور والانقلابي، وانتقدت ساليمة ينبو ربط إدارة الهجرة بدعم أنظمة سلطوية.
في حين أنّ البرلمان الأوروبي لم يصدر قرارًا خاصًا بتونس حتى هذه اللحظة، لكنّ الأجواء تشير إلى أنّ تزايد الضغوط الحقوقية والسياسية على المفوضية الأوروبية، بالتفاهم مع حركة النهضة، لن تثني البرلمان عن الاستمرار في سياساته، ودعم ملف تونس فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، وربما لن يتم إعادة النظر في العلاقة مع حكومة قيس سعيّد. وتواصل حركة النهضة، وحلفاؤها داخل البرلمان ومن خارجه، الدفع نحو تبنّي هذا الموقف بشكل أكثر حزماً، لكنّ الاتحاد الأوروبي ليس لديه أيّ بديل سوى التعاون مع النظام التونسي، وبالتالي إعطاء ظهره لادعاءات حركة النهضة.