شائعات الإخوان: سياسة الابتزاز ومناخ الاستقطاب حين تصبح استراتيجية تدميرية

شائعات الإخوان: سياسة الابتزاز ومناخ الاستقطاب حين تصبح استراتيجية تدميرية

شائعات الإخوان: سياسة الابتزاز ومناخ الاستقطاب حين تصبح استراتيجية تدميرية


20/02/2025

تواصل جماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، نشر الشائعات المختلفة، والتي على ما يبدو تبرز باعتبارها أداة استراتيجية في مواجهة خصومها السياسيين، المحليين والإقليميين. ولم تكفّ عن ترويج هذا النمط من الدعاية السلبية لتشويه الموقف المصري من القضية الفلسطينية، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر. إذ إنّ التنظيم الإسلاموي يصر على تزييف الحقائق وخلق سرديات مزورة، تتوافق مع أدبياتهم بأنّ قوى إقليمية، منها مصر، تصطف مع المخططات الهادفة إلى حصار الفلسطينيين في قطاع غزة، والقبول بتصفية القضية والإذعان لفكرة التهجير. 

يمكن القول إنّ الموقف الإخواني القائم على الدعاية السلبية، ونشر الشائعات والأكاذيب، ليس بالأمر الجديد أو الطارئ، وإنّما له سوابق عديدة، تاريخية ومعاصرة وفي قضايا راهنة. بل إنّ تحالفهم مع قوى خارجية في إطار العداء مع النظام بمصر، ومحاولة هدمه والقفز على السلطة، بات موثقاً. وقد كشفت الوثائق البريطانية قبل أعوام قليلة عن اضطلاع الإخوان بهذا الدور في ستينات القرن الماضي خلال حرب اليمن، وقامت المخابرات البريطانية بتوظيفهم لأداء هذا الدور المشبوه بعدما تقاطعت مصالحهم على أساس رفض السياسات الناصرية  وقتذاك.

الشائعات سلاح الإخوان

الثابت بحسب الوثائق "السرّية" المفرج عنها من الخارجية البريطانية، وفق قانون حرية المعلومات، أنّ سلاح الشائعات ضمن أدوات عديدة تستعملها الجماعة في حربها ضد خصومها والأنظمة التي قامت بمواجهة مشروع الجماعة السياسي الديني المؤدلج. فضلاً عن استمرار هذه الأداة التخريبية التي لا تمانع أن تكون بالتحالف مع جهات خارجية، سواء مع دول وأنظمة أو مع جماعات مماثلة. وتشير هيئة الإذاعة البريطانية إلى أنّ بريطانيا استغلت شعبية وتأثير جماعة الإخوان المسلمين لشنّ حروب نفسية ودعائية سرّية على أعدائها، من أمثال الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، خلال العقد السابع من القرن الماضي. كما روجت في منشورات تحمل زوراً اسم الجماعة تهاجم فيها بقسوة سلوك الجيش المصري خلال وجوده في اليمن، الذي كان ساحة للصراع بين نظام عبد الناصر الجمهوري الجديد من جانب، والسعودية وبريطانيا الاستعمارية من جانب آخر.

سلاح الشائعات ضمن أدوات عديدة تستعملها الجماعة في حربها ضد خصومها والأنظمة التي قامت بمواجهة مشروع الجماعة السياسي الديني المؤدلج

ووفق أحد المنشورات، نقلاً عن الإخوان، زعم أنّ القوات المصرية في اليمن ليست مسلمة لأنّها تقتل المسلمين بالغاز. وتساءل: "من يستطيع أن يقاوم الصعقة عندما يصف شاهدو العيان العرب كيف قُتل (120) من الرجال والنساء الأطفال دفعة واحدة بعد أن أمر القادة المصريون الأشرار طياري الجمهورية العربية المتحدة في قاذفات القنابل التي صنعها الشيوعيون السوفييت الملحدون بإلقاء (25) قنبلة غاز، التي هي كذلك من صنع الشيوعيين، على قرية كتاف الواقعة شمال شرقي صنعاء؟

وروّج المنشور، كما تقول (بي بي سي) في نسختها العربية، الذي أٌصْدِر باسم "جمعية الإخوان المسلمين الدولية"، للانتقادات والحجج داخل مصر وخارجها ضد التدخل العسكري المصري في اليمن، والذي كان له دور في هزيمة مصر في حرب عام 1967 أمام إسرائيل. وقال: إنّه "إذا كان لا بدّ للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب، فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟". وأضاف المنشور أنّ "القنابل التي ألقيت على اليمن خلال الحرب التي تستعر نيرانها في هذا البلد المسكين لـ (4) أعوام، كانت تكفي لتدمير إسرائيل تدميراً تاماً". وضمن وسائل التشويه المتعمدة للنظام في مصر، قال: إنّ "الجيش استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين في قتل اليمنيين المسلمين". ووصمهم بأنّهم "كفرة وأبشع من النازيين".

وتابع: "أيّها الإخوان المؤمنون، إنّ هذه الجرائم الفظيعة المخيفة التي تقشعر لها الأبدان واستعمال هذا السلاح البغيض المحرّم استعماله دوليّاً في الحروب...، هذا السلاح الذي لم يستعمله حتى هتلر المجنون ضد أعدائه في الحرب العالمية الثانية... وهذه الجرائم لم يرتكبها الملحدون أو الاستعماريون أو اليهود الصهيونيون، بل ارتكبها المصريون الذين من المفروض أنّهم مؤمنون".

جماعة الإخوان التي لم تتصدّ إلى الدعاية التي كانت طرفاً وظيفياً بها، بل منحتها شرعية، تواصل سياسة المزايدة وتصنيف كل من يخالفها بـ "الكفر" و"العداء للدين"، ويتشظى العالم في تصوراتها البراغماتية المتشددة إلى "دار إيمان" و"دار كفر"، ولذلك جاء في أحد  المنشورات: إنّ "الحرب لها ما يبررها إذا كان العدو غير مؤمن أو من عبدة الأوثان...، لكنّ أبناء اليمن إخواننا في الدين الحنيف. ولأنّه لا يوجد أيّ مبرر لقتل إخواننا، فإنّ الجريمة بكل تأكيد تصبح أبشع وأفظع إذا هم قُتلوا بأقذر وأحقر سلاح دون ريب، ألا وهو الغاز السام". وقد أطلقت على المصريين أوصافاً مثل أنّهم "مستعمرون يتمادون في ارتكاب جرائم مروعة دون عقاب!". وحرّض المنشور الشعب المصري على ضرورة "إدانة الكفرة، ورفض التعاون معهم في جميع الأمور، لكي تظهروا تضامنكم مع شعب اليمن المستعبد في مصيبته الكبرى".

إذاً، لا يبدو مباغتاً أن تنتشر مثل هذه الدعاية التلفيقية والشائعات في الواقت الراهن مع احتدام الوضع في غزة؛ نتيجة الحرب التي فجّرتها حركة حماس بعد مغامرتها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) قبل عامين مع إسرائيل، بهندسة إيرانيّة تولاها نظام "الولي الفقيه". وبينما النظام الإيراني الذي كان رأس حربة في هذه الحرب لإدارة مصالحه الإقليمية يسعى إلى التفاوض ولملمة خسائره، وطرح حسب ما يزعم مقاربة "علانية"، واستبعاد الحرب مع إسرائيل، رغم ما تكبده من اعتداءات في قلب طهران، وكذا تصفية قادة ميليشياته ووكلائه في سوريا ولبنان، فإنّ جماعة الإخوان وقادتها والمجموعات المرتبطة بها تشنّ حملات عنيفة ومشبوهة ضد النظام في مصر الذي ما يزال رغم ما فرض عليه، قسراً، من صراع وأزمة عسكرية حول حدوده وفي عمقه الجيواستراتيجي، يؤكد على ثوابته من المسألة الفلسطينية ويقاوم محاولات حرفها عن المسار الذي يفاقم الأوضاع في مصر وفي فلسطين. لكن يبدو أنّ المصالح الضيقة والفئوية للجماعات الإسلاموية تولد لديها طاقة عنف، وتباعد بينها وبين التماس الحقيقة، فتزعم أنّ الموقف المصري يميل إلى التوافق على فكرة التهجير، وهي سياسة الابتزاز المتعمدة. 

مزاعم القرة داغي

ولا تكاد تختلف عمّا سبق أن وجّهه الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المنتمي للجماعة الإرهابية علي محي الدين القرة داغي، الذي زعم أنّ القاهرة تفرض حصاراً على غزة. وغرّد القرة داغي في حسابه الرسمي على منصة (إكس): "رسالة إلى شيخ الأزهر الشريف: قدنا إلى معبر رفح رجاء، ولا نرجع حتى ندخل غزة ونُشارك أهلنا الصامدين، وندخل معنا قوافل الإغاثة". وتابع: "لا شك أنّ موقف فضيلة أ. د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف موقف مشرّف نشكره عليه، ولكنّه لا تكفي منه الإدانة وهو ـ بهذا المنصب الكبيرـ وفي بلد يتحكم في معبر رفح، ولفضيلته فضل على رئيسه، ولا أشك أنّه يستجيب له لو ألحّ عليه...، نحن في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نقف جميعاً خلف فضيلته في هذه الخطوة التي تُعدّ من واجب الوقت، والتي تليق بالعلماء، وأوّلهم أنا حيث بمجرد موافقته طرت إليه".

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: علي محي الدين القرة داغي

في المحصلة، تبدو محاولات الإخوان وتكتيكاتهم أمراً متكرراً مع الأزمات الإقليمية والدولية، بغية تعويم نفسها سياسياً، والسعي لخلق حالة استقطاب في المجتمع يجعلها تتواجد في المنتصف أو تحصد في ظل هذا المناخ العنيف والمتشنج عناصر ممّن تصفهم بـ "المحبين" أو "المتعاطفين"، وترميم حواضنها التي انفصلت عنها، وتجسير العلاقة معهم بعدما شهدت خروقات نتيجة التباين الشديد في خطابهم السياسي الانتهازي وممارساتهم العملية مع وصولهم إلى الحكم في عام مشؤوم بمصر وعشرية سوداء بتونس ومثلهما بالمغرب، بينما النتيجة كانت نبذهم مجتمعياً في التجارب الـ (3) وانحسارهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية