سيناريوهات مطروحة لواقع ومستقبل القضية الفلسطينية

سيناريوهات مطروحة لواقع ومستقبل القضية الفلسطينية

سيناريوهات مطروحة لواقع ومستقبل القضية الفلسطينية


02/08/2023

عبدالغني سلامة

بنظرة استشرافية على واقع القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع، يمكن تصور عدد من السيناريوهات، وأرجو ألا أكون متشائما:
الأول: استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه؛ أي حالة الانقسام واللا حرب واللا سلم، دون انتفاضة شاملة، أو مقاومة شعبية فاعلة ومؤثرة وقوية، ودون مفاوضات، وبلا أفق سياسي، مع تراجع مستمر لدور الفصائل والأحزاب والمجتمع المدني، وتآكل شعبية السلطة، وبقاؤها مكشوفة أمام الهجمات الإسرائيلية وضغوطاتها الاقتصادية، وابتزازها المالي، وحصر دورها في الجانب الأمني من جهة.. وأمام الضغوطات والمطالبات الشعبية بتوفير الأمن والحماية، والرواتب، وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي من جهة أخرى.. وحيث تمضي إسرائيل في تنفيذ سياساتها التوسعية، وفرض الحقائق على الأرض، وبالقوة (ضم زاحف، وتهجير قسري بطيء، ومصادرة أراضي، الاستيطان، وتهويد القدس، هدم بيوت، اجتياحات، اعتقالات، قصف لغزة..) وصولا إلى خلق واقع جديد مختلف كليا، بما يمنع تحقيق أي حل سياسي، باستثناء الحل الإسرائيلي.. 

وهذا السيناريو قابل للتغيير الجذري أو النسبي في أي لحظة، لكن من المرجح استمراره طوال عهد الرئيس محمود عباس، ومع أننا نتمنى له طول العمر، لكن لا أحد يرغب باستمرار هذا الوضع، لذا فالسيناريوهات المطروحة بعد رحيل أبو مازن هي الأشد رعبا، والأكثر خطرا؛ وهي:

سيناريو صراع مراكز القوى من داخل فتح والسلطة على خلافة الرئيس، والتخوف أن يكون هذا الصراع عنيفا ودمويا، خاصة وأن الشخصيات التي قد تدخل هذا الصراع أكثرها مدار جدل، فإما أن تكون الشخصية مقبولة عربيا ودوليا وإسرائيليا، ولكنها مرفوضة شعبيا وفتحاويا.. وإما العكس.

وحتى لو تفاءلنا وصار انتقال السلطة سلسا ودون قطرة دم، فإن التخوف أن يرث السلطة ومنظمة التحرير أولئك المقبولون (أمريكيا وإسرائيليا وعربيا)، أي التيار المتساوق مع الاحتلال، أو على الأقل التيار غير القادر وغير الراغب بخوض صراع حقيقي مع الاحتلال، ويفضل المهادنة، وخيار السلام الاقتصادي.. وفرق هؤلاء عن محمود عباس أنّ الأخير ما زال يمثل بعضا من روح فتح، وظل متمسكا بالثوابت الوطنية، رافضا لمشاريع دويلة غزة، والدولة ذات الحدود المؤقتة، والتنازل عن القدس، وقد وقف بصلابة أمام صفقة القرن، وأمام الضغوطات الإسرائيلية بمنع مخصصات أسر الشهداء والأسرى.. والخوف أن الوارثون لن يكون بمقدورهم الصمود أمام هذه الضغوطات، وربما يكونون متساوقون معها. وبالتالي هذا يعني وأد الحلم الوطني بتحول السلطة إلى دولة مستقلة، ونيل الحقوق الوطنية كافة، وتكريس السلطة كشكل متقدم للإدارة المدنية.

سيناريو انهيار السلطة، تحت تأثير الحصار المالي، والضغوطات الشعبية، وهذا ما تفعله إسرائيل حاليا، وما حديثها عن "إنقاذ السلطة" سوى خديعة إعلامية، وكذب تفضحه ممارستها على الأرض، والحقيقة أنها تدفع باتجاه انهيار السلطة من الداخل، وتحت وطأة الاحتجاجات الشعبية، وهنا من الضروري التنبيه لبعض الأطروحات الساذجة والبلهاء التي تعتقد أن حل السلطة يعني تلقائيا إعادة احتلال الضفة وتولي الاحتلال زمام الأمور، وتحمل مسؤولياتها القانونية والإدارية تجاه السكان، إلى آخره من هذا الهراء.. والحقيقة أن حل السلطة دون أن تكون منظمة التحرير قوية وفاعلة وجاهزة، سيعني بكل تأكيد غرق البلاد في الفوضى، والتي ستغذيها إسرائيل وصولا إلى حرب أهلية دامية، تمهيدا لإخراج مخططاتها الجاهزة من الدرج، أي تنفيذ تزانسفير جماعي، وتقسيم الضفة إلى كانتونات معزولة، ومشيخات وإمارات طائفية، تتقاتل فيما بينها، وتتنافس على خدمة المحتل.. وهذا حلم إسرائيل وخيارها الأمثل. 

وهناك أيضا سيناريو إنهاء الصراع كليا، بعد أن تنجح إسرائيل في تفكيك السلطة وإنهاء فتح (أو إضعافهما) وإشعال الفلسطينيين في صراعاتهم الداخلية، حينها ستعترف بدويلة حماس في غزة، وربما تمنحها دورا ونفوذا في الضفة.. ولا يوجد عاقل يعتقد أن إسرائيل ستمنح حماس أكثر مما عرضته على السلطة، أو أن حماس (أو غيرها) بوسعها انتزاع حل وطني بالقوة العسكرية (في ظل الوضع القائم واختلال موازين القوى)، وقد أثبتت الواقائع أن سقف حماس السياسي أخفض بكثير من سقف السلطة، وأنها مستعدة لقبول دويلة غزة والاكتفاء بها، مع دور تهويش وإزعاج في الضفة هدفه التذكير بحضورها وأهميتها، وأنها البديل الأنسب للتفاوض معها وفرض الأمن، كما فعلت في غزة.. 

والإشكال مع حماس ليس فقط في برنامجها الاجتماعي المتزمت، ورؤيتها الأيديولوجية الحزبية الضيقة، أو عدم ديمقراطيتها، وقمعها للحريات، ورفضها للدولة المدنية، وأنها حركة إقصائية لا تقبل بشريك، وتعتقد جازمة أنها ممثلة للحق، وغيرها على الباطل، وأنها مجرد حكم استبدادي يشبه كل الأنظمة الشمولية.. الإشكالية الأهم أنها مجرد ذراع للإخوان المسلمين، وبرنامجها وأولوياتها تمثل أجندات مشروع الإسلام السياسي المتساوق مع أمريكا، بدليل إصرارها على الانقسام، وهذا لا يخدم المشروع الوطني الفلسطيني، حتى لو تقاطعت مع الآخرين في مجابهة الاحتلال، وأنها قدمت تضحيات جسيمة.. 

بقية الفصائل الوطنية (على أهمية وجودها) تفتقر للقاعدة الشعبية، وبالتالي لن تكون قادرة على اجتراح مبادرة تاريخية لإنقاذ الوطن، حتى حركة الجهاد الإسلامي، ومع تقديرنا لدورها النضالي، إلا أنها ما زالت بلا برنامج سياسي واقعي، إضافة إلى علاقتها المتينة بإيران (تحالف على شكل تبعية)، والتي تظل موضع تساؤل وجدل.. ومع ذلك لهؤلاء جميعا دور كبير وواجب وطني يحتم عليهم الانخراط بالحل المنشود..

وهناك أيضا سيناريو يراهن على دور مرتقب لجيل الشباب الذين يبادرون بين فترة وأخرى بتنفيذ هجمات فدائية نوعية على مواقع عسكرية واستيطانية، وينخرطون في مجابهات شجاعة على نقاط التماس، وفي التصدي ببسالة للاجتياحات.. وهو دور وطني بالغ الأهمية، يُبقي على ديمومة المقاومة، وعلى جذوة الصراع متقدة، ويعيد إحياء القضية وفرضها على أجندات العالم بعد كل مرحلة سبات، ويحرم إسرائيل من إمكانية حسم الصراع، وتدجين الشعب وكي وعيه الوطني، ويجدد الأمل بالمستقبل.. لكن هؤلاء بلا قيادة، وبلا برنامج سياسي، وعلى الرغم من أهمية الكفاح الشعبي والعسكري وديمومة المقاومة، إلا أن الصراع مع العدو سياسي بالدرجة الأولى، وبدون كيان سياسي فلسطيني جامع وموحد وممثل شرعي لهم يعني استفراد القوة العسكرية بهؤلاء الشبان، وربما سحقهم. 

الحل المنشود معروف للجميع، ولكن لا أحد يرغب بتنفيذه، لأنه سيعني تغيير الوضع الراهن، وبالتالي تهديد مصالح ووجود المتنفذين من جميع الجهات (بعيدا عن الشعارات والخطابات المنمقة).. الحل باختصار: إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، وانخراط جميع القوى تحت مظلتها وفي مقدمتها حماس والجهاد، وإنهاء الانقسام (يعني تخلي حماس عن السلطة)، وتمتين الجبهة الداخلية، وترسيخ الوحدة الوطنية، وتبني خطاب ثوري مقاوم.. فعدونا لم يستطع هزيمتنا لأننا لم ننكسر، ولكننا سننكسر حين نتشظى أحزابا وعشائر ومخاتير، حين نفقد وحدتنا، ستنهار قلعتنا من الداخل..
ويظل أملنا بشعبنا كبيرا..

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيسبوك




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية