سياسيون عراقيون لـ"حفريات": نجاح السوداني يعتمد على هذه الشروط

سياسيون عراقيون لـ"حفريات": نجاح السوداني يعتمد على هذه الشروط

سياسيون عراقيون لـ"حفريات": نجاح السوداني يعتمد على هذه الشروط


06/11/2022

أزمات عديدة، أو بالأحرى ألغام سياسية، تهدد مستقبل حكومة محمد شياع السوداني في العراق، والتي حصلت على الثقة إثر تصويت البرلمان، نهاية الشهر الماضي.

ورغم نيل حكومة السوداني ثقة البرلمان، إلا أنّ الظروف الاستثنائية التي أحاطت بملابسات صعود مرشح "الإطار التنسيقي"، المدعوم من إيران، إلى منصب رئيس الحكومة، ما تزال تؤشر إلى نهايات مفتوحة بخصوص الخلافات المحتدمة بين القوى السياسية، ومدى قدرتها على الوصول إلى توافقات تامة حول المرحلة المقبلة.

استطلعت "حفريات" آراء سياسيين مستقلين من قوى "تشرين"، والتي انبثقت عن الاحتجاجات، المهمة والمؤثرة، عام 2019، بينما تمكنت من الحصول على مقاعد ليست بالقليلة في الانتخابات البرلمانية المبكرة، قبل عام، وكذا نائب برلماني سابق.

عملية توزيع الحقائب الوزارية

التوتر المزمن بالعراق، والذي بلغ درجاته القصوى قبل الوصول لمحطة التصويت على منح الثقة للحكومة في البرلمان، يرجع إلى طبيعة الكتل الحزبية التي تتمفصل في الحياة السياسية، منذ عام 2003، بينما لا تملك قدرة أو آليات وبدائل للتعاطي مع التطورات المختلفة في المجتمع، وكذا على الصعيد المدني والديمقراطي. وهذه الطبقة السياسية تحظى بجملة امتيازات، وبعضها مرتبط بأجندة إقليمية وولائية، تجعلها تشكل جداراً سميكاً أمام أيّ انعطافة مباغتة تؤثر على مواقع نفوذها داخل السلطة.

اللافت أنّ البرنامج الحكومي عمد إلى طرح أولوياته القصوى، المتمثلة في "العمل، بشكل عاجل، على تحسين وتطوير الخدمات التي تمس حياة المواطنين، ودعم الفئات الفقيرة، ومعالجة البطالة، وإصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية، ومكافحة الفساد".

البرلماني العراقي السابق صائب خدر: الحكومة ليست قريبة إلى الخط الإيراني

بيد أنّ عملية اختيار المسؤولين وتوزيع الحقائب الوزارية، حشدت إشارات استفهام عديدة حول إمكانية حدوث تطورات إيجابية وتنفيذ البرنامج المطروح، خاصة في ظل الاعتماد على المحاصصة الطائفية وعدم الخروج من نطاقاتها، الضيقة والمحدودة، المتسببة في السياسات القديمة ذاتها، والتي ستؤدي بالتبعية إلى الانسداد والعنف. وقد توزعت الحقائب الوزارية على هذا النحو: 12 وزيراً من الطائفة الشيعية، 6 وزراء من الطائفة السنية، ووزيران كرديان، ووزيرة واحدة للأقليات. مع الأخذ في الاعتبار أنّ هناك حقيبتين وزاريتين من حصة المكون الكردي، ما تزال رهن التسويات الجارية، وهما وزارة البيئة ووزارة الإسكان والإعمار.

ومن بين الأمور التي تبعث بمخاوف جمّة، اختيار وزراء شيعة مقربين من "الإطار التنسيقي"، المدعوم من إيران، وتحديداً كتلة دولة القانون وعلى رأسها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وكذا كتلة الفتح الولائية.

الظروف الاستثنائية التي أحاطت بملابسات صعود مرشح "الإطار التنسيقي"، إلى منصب رئيس الحكومة، ما تزال تؤشر إلى نهايات مفتوحة بخصوص الخلافات المحتدمة بين القوى السياسية

إذاً، حكومة السوداني جاءت في "وضع استثنائي" يشهده العراق، وذلك بعد "شد وجذب" وقع تحت وطأته المشهد السياسي بعد إجراء الانتخابات المبكرة التي شابها الكثير من الجدل، حسبما يوضح الحقوقي والبرلماني العراقي السابق، الدكتور صائب خدر، موضحاً لـ"حفريات" أنّ مستقبل حكومة السوداني سيعتمد "على جهوده وجهود كابينته (الوزارية) في معالجة الملفات التي يقف على نقيضها الشارع العراقي، وأمست جزءاً من أحاديثه اليومية، كالفساد، الطائفيه، قمع الحريات وحقوق الإنسان، وضعف الخدمات".

ويضاف إلى ذلك "التمحورات الإقليمية التي كانت سبباً في تعبئة المجتمع، وحدوث حراك في الشارع، ومن ثم إجراء انتخابات مبكرة. إذا استطاع السوداني وحكومته معالجة كل هذه الملفات أعتقد أنّها ستحقق نجاحاً، لا سيما أنّ الخطوات التي يجريها، الآن، تبدو خطوات جيدة"، يقول خدر.  

ويؤكد الحقوقي والبرلماني السابق، أنّ نجاح السوداني مشروط باعتماده "على مستشارين من ذوي الكفاءة والمهنية، فضلاً عن إمكانية خلق توازن إقليمي ومحلي بين الكتل السياسية، بعيداً عن استفزاز طرف على حساب طرف آخر. كما يتعين على السوداني أن يسند المسؤولية في المؤسسات والأجهزة إلى شخصيات تملك كفاءة ومهنية، ويجب أن نذكر أنّه في كابينته شخصيات مهنية ومتخصصة في مجالاتها".

فتش عن إيران

وبسؤال خدر عن الشبهات بشأن ارتباط السوداني، وحكومته، بالخط السياسي الإيراني، يجيب: "في تصوري، الحكومة ليست قريبة إلى الخط الإيراني. فالمجتمع الدولي وأمريكا وحتى بعض الدول العربية قد دعمت هذه الحكومة. كما أنّ الأمم المتحدة أكدت على ذلك. وعليه، حظيت حكومة السوداني بدعم دولي من أول أيام تشكيلها، فضلاً عن تغريدات سفراء دول أجنبية، وأوروبية. ربما كان صراع "الإطار" والتيار الصدري، ومن ثم، تحالف الإطار مع الكرد والسنة بعد انسحاب الصدر قد أعطى هذا الانطباع، ولكنه لا يوحى بذلك خاصة في ظل الدعم الدولي".

عضو المكتب التنفيذي لحركة امتداد، وسام الجبوري: حكومة السوداني لن تختلف عن سائر التجارب الخمس السابقة للحكومات العراقية

ومع ذلك، فالحكومة ما زالت في بدايتها، كما سيكون هناك ترقب لها، سواء من الشارع أو الكتل السياسية، وفق المصدر ذاته، الأمر الذي يستدعي من الحكومة معالجة الملفات الحساسة، منها الفساد، والتوازن الإقليمي، وتقديم الخدمات، ومعالجة الأزمات المختلفة كالمياة والطاقة.

وتوقع المستشار الرئاسي أمير كناني، الأربعاء الماضي، أنّ يصطدم السوداني بعقبة مصالح القوى السياسية خلال عمله. وخلال الجلسة الأولى من أعمال اليوم الثاني لملتقى مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (ميري)، قال إنّ "اتفاق تشكيل الحكومة لن يدوم طويلاً؛ لأنّ المصالح ستكون حاكمة".

البرلماني السابق صائب خدر لـ"حفريات": إذا استطاع السوداني معالجة كل هذه الملفات أعتقد أنّ حكومته ستحقق نجاحاً، لا سيما أنّ الخطوات التي يجريها، تبدو خطوات جيدة

وشدد المستشار الرئاسي على أنّ معضلة العراق، لا تتمثل في الدستور إنّما في تجاهل تطبيق بنوده. وعرج على المجتمع المدني وغياب الديمقراطية، وقال: "لا يجوز أن يكون هناك نظام ديمقراطي بدون مجتمع مدني".

وإلى ذلك، شدد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، منتصف الأسبوع الماضي، على دعم أربيل للحكومة الجديدة، بل وطالب القوى السياسية كافة بالاصطفاف لإنجاح السوداني في مهمته.

وفي حديثه لـ"حفريات"، رجح عضو المكتب التنفيذي لحركة امتداد، وسام ياسين الجبوري، أنّ حكومة السوداني لن تختلف عن سائر التجارب الخمس السابقة للحكومات العراقية، والتي تتابعت على مدار عقدين تقريباً، منذ الاحتلال الأمريكي في 2003.

المحاصصة الطائفية واحتمالات التغيير

ويشرح عضو المكتب التنفيذي لحركة امتداد، الذراع السياسية لقوى تشرين، مبرراته السياسية: "حكومة السوداني تشكلت بنفس الطريقة المحاصصاتية التوافقية بين الأحزاب التقليدية (وإن تغيرت بعض أسمائها)، وهي الآلية التي أفرزت السياسات والنتائج الصعبة التي نقع تحت وطأتها على خلفية تفشي الطائفية والعنصرية والفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة العراقية". وأوضح "رئيس الوزراء يكون مقيداً بأسماء ترشحها له هذه الأحزاب لتولي حقائب وزارية، حسب حصة الحزب المتفق عليها طائفياً. ومن ثم، يكون رئيس الحكومة مضطراً لقبول هذه الأسماء، قسراً، حتى وإن كان غير مقتنع بها".

ويرى ياسين الجبوري أنّه تبعاً لهذا الوضع، فإنّ "الحزب، أي حزب، يتولى إدارة الوزارة التي تكون من نصيب مرشحه، وذلك بحسب ما تقتضيه مصالحه الفئوية، بينما ترتهن الدولة بقرارات الهيئة الاقتصادية للحزب، ورؤيتها الخاصة. وتغلب على هذه الأحزاب رغبة محمومة في ملء خزائنها عبر الاستحواذ على مشاريع كبرى لتعزيز امتيازاتها الاقتصادية، فضلاً عن ظاهرة الـ"كومنشنات" والتي تعني غسيل الأمول. فمصلحة الحزب تكون الأولوية، بما يرافقها من فساد ونهب واختلاس أموال، ثم تأتي البلد في المرتبة الأخيرة".

ويختم: "حركة امتداد تعلن مقاطعة هذه الحكومة، كما تعلن معارضتها لها حتى قبل تشكيلها لمعرفتنا المسبقة بآلية تشكيلها؛ ولأنّها تخالف مبادئنا وأطروحاتنا السياسية. وقد طالبت الحركة أن تكون الحكومة من نصيب الأغلبية الفائزة، والأقلية تذهب للمعارضة".

ولا يكاد يختلف رأي الناشط السياسي المستقل محمد الطائي عن سابقه، حيث يرى أنّ حكومة السوداني "لن تستمر طويلاً، كما لن يكون بمقدورها الحفاظ على استقرار سياسي. ويتأتى هذا الاعتقاد من كونها حكومة محاصصة توافقية بين مجموعة كتل وأحزاب كانوا سبباً في الفساد والفشل والخراب لأكثر من 18 عاماً، بالإضافة إلى أنّ هذا التوافق لم يحصل، فقط، على أساس المصلحة المادية بين الأحزاب، إنّما لشعورهم بالخطر أمام إرادة المواطنين التي سعت نحو التغيير، والتي تمثلت في احتجاجات تشرين الأول (اكتوبر) عام 2019 وما بعدها، وقد انعكست تداعيات ذلك كله في الانتخابات المبكرة التي قلبت موازين القوى في المعادلة السياسية".

ومن بين الأمور التي فاقمت الشعور بالخوف لدى هذه الكتل والأحزاب على خلفية احتمال فقدان نفوذها "وجود خصم لا يستهان به كالتيار الصدري، والذي يمتلك قاعدة شعبية ليست بالقليلة. وإلى جانب شعبيته، فإنّه كذلك يملك تنظيماً مؤثراً، بينما يحمل خططاً وأهدافاً نحو التغيير على مستوى الدستور ونظام الدولة. وهذا التغيير هو ما يطمح إليه العراقيون منذ احتجاجات شباط (فبراير) عام 2011"، يقول الطائي.

ويتابع: "من خلال كل هذا المؤشرات، نستدل على أنّ حكومة السوداني ستواجه موجة احتجاجات، ربما، تطيح بها، فضلاً عن الخلافات الداخلية لقوى الإطار التنسيقي في ما يخص عملية تشكيل الحكومة، الأمر الذي سينعكس سلباً، وبصورة تدريجية، على قدرة الوزراء في إدارة الملفات المختلفة. كما أنّ محاولات السوداني لاتخاذ قرارات بتهدئة الشارع سوف تصطدم بأوليغاركية الحكم التي تحمي نفوذها السياسي وامتيازاتها الاقتصادية والانتفاع بالتهريب والتلاعب بالاقتصاد الوطني".

ويؤكد المصدر ذاته، أنّ السوداني لن يضع حداً لـ"تدخلات إيران في الشأن العراقي، سياسياً وأمنياً واقتصادياًـ وبالتالي، ستنعكس أجندة إيران في الشرق الأوسط، وهذا ما سيثير حفيظة دول الخليج وأمريكا وبريطانيا، التي، ربما، تزيد من الضغوط على هذه الحكومة. وفي النهاية؛ ظروف المنطقة الإقليمة والصراعات الدولية تتطلب أن يكون العراق بلد صاحب سيادة ونظام حكم رصين ومؤثر في محيطه الإقليمي".

مواضيع ذات صلة:

دلالات اعتزال المرجع الشيعي كاظم الحائري... ورقعة الشطرنج العراقية

لماذا اختارت إيران مواجهة الصدر عسكرياً في العراق؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية