سهير البابلي.. عفوية الحضور ونُبل الغياب

سهير البابلي.. عفوية الحضور ونُبل الغياب


22/11/2021

تظلّ الفنانة المصرية سهير البابلي أيقونة فنية خاصة غير قابلة للتكرار، سواء اعتزلت الفن أو زاولته، فقد كانت فنانة بالفطرة، لا تحتاج إلى ورق ومجهود كي تُضحك، بل يطغى ما لديها من عنفوان وطاقة على ما سواه، لذلك فإنّ مشاهدة لقاء تلفزيوني عفوي مع سهير قادر على إضحاكك على نحو يجاوز الكثير من الأعمال الفنية والأفلام الكوميدية التي تُحشى بالأيفهات وتُغلف بالمجهود.

قبل 6 أعوام، أذيعت حلقة خاصة من حلقات برنامج "صاحبة السعادة"، استضافت فيه إسعاد يونس صديقتها سهير البابلي، أو سوسكا كما تُدعى. وقتها كان قد مرّ على قرار اعتزال سهير في العام 1995، (20) عاماً، ومرتّ 10 أعوام على قطعه، بعودة إلى التمثيل بحجاب في مسلسل "قلب حبيبة"، الذي أذيع في العام 2005.

اقرأ أيضاً: أبو جودت يودع محبيه.. وفاة الفنان السوري زهير رمضان

أعادت تلك الحلقة إلى الذاكرة المسلسل الأشهر للنجمتين "بكيزة وزغلول" (إنتاج 1986)، لكن ما يميزها بحق أنها قدّمت أرشيفاً لشخصية سهير التي لم يتسنَّ للكثيرين من قبل مشاهدتها علناً، صحيح أنّ الطاقة المتفجرة في الأفلام والمسلسلات وعلى المسرح تكشف جزءاً منها، لكن ظلّ ذلك الجانب الإنساني خفيف الظل، العفوي، القادر على صياغة النكات والتبدل في ردود الفعل على نحو يجذب المشاهد، ظلّ خفيّاً.

وقتها، كانت سهير قد تقدّمت في العمر، لكنّ ذلك لم ينل من روحها الخفيفة المنطلقة، فكان بمثابة إعادة تقديم لروح فنيّة اختبأت خلف المحاكمات الكثيرة، سواء التي قدّمتها سهير نفسها للفنّ والتمثيل عقب اعتزالها، أو التي حصرها الإعلام فيها فيما بعد.

اقرأ أيضاً: وفاة الفنان الأردني جميل عواد بعد صراع مع المرض

في تلك الجلسة، لم تُسأل سهير عن الأسباب التي دعتها للاعتزال، أو عن حديثها مع الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان سبباً في ذلك، كانت جلسة بسيطة سمحت لسهير أن تظهر، بأرشيفها الذي تتذكره باسمة، وتثني على كلّ واحد فيه؛ "كان جميلاً"، "كانت جميلة"، "كانوا حبايبي"، وتتذكره بنشوة نستدعيها من ذكريات لا نخجل منها.

  بعكس الكثيرات من الفنانات المنعزلات ظلت حاضرة ربما لأنّ جزءاً منها بقي معلقاً بالفن وبحياتها التي ألفتها

سهير، على عكس الكثيرات من الفنانات المعتزلات، لم تنزوِ، كانت حاضرة، ربما لأنّ جزءاً منها ظلّ معلّقاً بالفنّ وبحياتها التي ألفتها، أو لأنّ روحها الحرّة الطليقة تأبى العزلة، وتخشى الموت، أو النسيان. تتوقف عند ذكر أحد قد رحل، وتردّد في هدوء: "الله يرحمه"، ثم تسكت، فتسألها صديقتها عن ذلك، فتقول: شيء يخوّف، أي الموت، أن يصبح غالبية من عاشرناهم ماضياً.

أمس، التحقت سهير بركب طويل من فناني جيلها، بعد أزمة صحية دخلت على إثرها المستشفى لتلقّي العلاج، وكان آخر ما قالته، بحسب زوج نجلتها الوحيدة الدكتور رضا طعيمة، ترديد الشهادة، وتوصية عائلتها برعاية من كانت ترعاهم من اليتامى والفقراء. وهذا مشهد ختامي كفيل أن يُحفَظ في المخيلة الشعبية لفترة طويلة، جنباً إلى جنب مع أفلامها ومسلسلاتها ومسرحياتها الخالدة، وإن كانت الأخيرة الأكثر قدرة على الصمود، فمشاهد الختام، مهما كانت برّاقة بالنسبة إلى شعب "متدّين"، تتقلص روايتها وتُنسى عبر الأجيال.

قبر الفنانة سهير البابلي (اليوم السابع)

ستظلّ سهير محلّ جدل، سيرتها وقرارها سيظلّان محلّ تأويل وتداول بين المدافعين عن الفن والمحرّمين له، لكنها، بشقاوة، قد تركت بصمة وجدلاً لدى الجميع، وهكذا تضمن أن تبقى حاضرة، بحياة ومسيرة ثريّة يتناول كلٌّ منها ما يريده.

اقرأ أيضاً: وفاة قاسم عبده.. ماذا تعرف عن شيخ المؤرخين المصريين؟

وقد نعت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم الفنانة الكبيرة سهير البابلي، التي توفيت أمس الأحد عن عمر (86) عاماً، بعد صراع مع المرض، وقالت: إنّ الفنون المصرية والعربية فقدت إحدى أيقوناتها، مشيرة إلى أنها شكّلت نموذجاً للإبداع المتنوع.

وأضافت وزيرة الثقافة "أنّ أعمالها ستبقى خالدة، بكلّ ما تحمله من موضوعات ومفردات رسخت في وجدان الجمهور".

بكيزة لم تكن بدعة

ارتبطت سهير في ذاكرة الجمهور العربي ببكيزة هانم الدرملي، ذلك النموذج الذي عادة ما يلقى تحفظاً أو يوصف بالتعالي، سيدة مرفّهة، تضطر أن تتعامل مع نجلة زوجها الفقيرة في إطار الكثير من المواقف الكوميدية، لكن على العكس قدّمته سهير بخفة، حتى باتت أفيهاته تُستخدم إلى اليوم للنيل من المتعجرفين.

سيرتها وقرارها بالاعتزال سيظلّان محلّ تأويل وتداول بين المدافعين عن الفن والمحرّمين له

تكشف سهير خلال لقائها مع الإعلامية راغدة شلهوب عن جانب من شخصيتها المرفّهة، التي "تحب الصرف"، أي "الإنفاق" على نحو قريب الشبه من بكيزة هانم، سألتها: ماذا تمنيتِ في عيد ميلادك؟ (كان قبل إذاعة الحلقة بعدة أيام في العام 2016)، ردّت سهير: "العمر النقي النظيف، العيشة الهنيّة، ربنا ميحوجنيش لحد، ولا أمدّ إيدي لحد، وإني أعيش سعيدة أنا وبنتي وولادها؛ لأنّ إحنا عايشين مع بعض، كلنا منقدرش نستغني عن بعض أبداً...، اتجوزت ناس محترمين جداً، عاملوني حلو أوي، وأنا عاملتهم حلو أوي أوي، كلاس، زي تربيتي، زي أمي وأبوي ما علّموني، مشفتش حدّ بيكرهني، أنا معرفش أنّه فيه واحدة بتكرهني، مفيش، مسمعتش الكلمة دي".

زادت المذيعة: "نفسك في إيه؟" ردّت: "إني أعيش كويس، وأبقى مستورة، ويبقى عندي فلوس زيادة، عشان بحبّ الصرف، مبحبش الفقر أبداً، بخاف على نفسي، وعلى عيشتي، وعلى برستيجي، يا رب لا تفقرني أبداً، ولا يفقرك، ولا يفقر أيّ حد، الفقر وحش وذل".

وكان السبب ذاته، خشية الفقر، هو ما دفعها للعودة إلى التمثيل بالحجاب بعد (10) أعوام من اعتزالها على نحو تام، وقالت رداً على منتقدي عودتها: "اللي عايزني أبطل تمثيل خالص يصرف عليّ، أنا معنديش مهيّة أصرف منها، وردّدت الآية: "لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها".

مسيرتها الفنية

وُلدت سهير البابلي في 14 شباط (فبراير) 1935، في مركز فارسكور في محافظة دمياط، ونشأت في مدينة المنصورة، المدينة الأصلية للعائلة، بمحافظة الدقهلية، كان والدها مُعلم رياضيات وناظر مدرسة المنصورة الثانوية العسكرية بنين، ووالدتها ربّة منزل.

اقرأ أيضاً: وفاة الكاتب والسيناريست المصري فيصل ندا

ظهرت الموهبة على الفنانة سهير البابلي في سنٍّ مبكرة، فالتحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومعهد الموسيقى في الوقت نفسه، الأمر الذي كانت ترفضه والدتها على الرغم من تشجيع والدها، الذي تنبّأ منذ صغرها بأن تكون فنانة مشهورة؛ لأنها كانت تجيد تقليد الممثلين، ولها رصيد مسرحي وسينمائي وتلفزيوني كبير، بحسب ما أورده موقع المصري اليوم.

 ولسهير البابلي أرشيف ضخم، يتنوّع بين أفلام ومسلسلات ومسرحيات، وقد قدّمت مسرحية "شمشون وجليلة"، ومسرحية "سليمان الحلبي"، ولمعت في مسرحيات: "مدرسة المشاغبين"، و"نرجس"، و"ريا وسكينة"، و"على الرصيف"، و"نص أنا ونص أنت"، و"الدخول بالملابس الرسمية"، و"عطية الإرهابية"، والأخيرة اعتزلت التمثيل خلال التجهيز لعرض الموسم الثالث منها.

في التلفزيون لمعت في مسلسل (بكيزة وزغلول)، وقدّمت أكثر من (40) فيلماً، بعضها من بطولتها، مثل ليلة القبض على بكيزة وزغلول، وليلة عسل.

 كان آخر كلماتها ترديد الشهادة وتوصية عائلتها برعاية من كانت ترعاهم من اليتامى والفقراء

وقد اشتهرت البابلي بحضورها الخفيف في مواقع التصوير وعلاقتها الجيدة بكافة فريق العمل، بالإضافة إلى تفانيها الكبير فيه، وحضورها المسرحي الطاغي. يروي المخرج المسرحي جلال الشرقاوي موقفاً مع سهير خلال تعرّضها لوعكة صحية وصلت إلى ارتفاع درجة حرارتها إلى 40 خلال عرض مسرحية "على الرصيف"، ورفضها إلغاء العرض، قال: طلبت أن نسندها إلى خشبة المسرح الذي هو (10) خطوات من غرفتها، دخلت وأنا أتوقع في أيّ لحظة أن تقع، لكن فاجأتني، بمجرّد أن استقبلها الجمهور بالتصفيق، اندمجت معه، وكانت أخرى.

 حياتها الشخصية

للفنانة الراحلة نجلة واحدة هي نيفين، ولم تنجب غيرها، أمّا زيجاتها، فقد تزوجت (5) مرّات، من بينها الفنان الراحل أحمد خليل، والفنان مراد منير الذي دخل الإسلام من أجل أن يتزوجها.

اقرأ أيضاً: الموت يغيب الفنانة دلال عبد العزيز... هل علمت بوفاة زوجها؟

يقول موقع المصري اليوم: تزوجت من محمود الناقوري، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة نيفين، وتزوجت من الفنان منير مراد، الذي أسلم من أجلها، واستمرّ زواجهما لأكثر من (9) أعوام، وتزوجت في المرة الثالثة من تاجر المجوهرات الشهير أشرف السرجاني، ثم من رجل الأعمال محمود غنيم، وتزوجت من الفنان الراحل أحمد خليل، لكنهما انفصلا، والذي توفي خلال الشهر الجاري.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية