تعاني محافظة سلفيت بالضفة الغربية المحتلة من ممارسات الكيان الصهيوني وأطماعه المتواصله، والتي تهدف لفصل شمالي الضفة عن جنوبها، وتوسيع المستوطنات المجاورة للمحافظة والسيطرة على الآبار الإرتوازية وتحويلها إلى داخل دولة الاحتلال.
اقرأ أيضاً: أسير فلسطيني على حافة الموت في سجون الاحتلال الصهيوني
وتضم محافظة سلفيت، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 20 تجمعاً سكانياً هي: سلفيت، ودِير إسْتيا، وقراوة بني حسان، وقِيرة، وكِفِل حارِس، ومردا، وبِديا، وحارس، وياسوف، ومسحا، وإسكاكا، وسرطة، وعزبة أبو آدم، والزاوية، ورافات، وبرقين، وفرخة، وكفر الديك، ودير بلوط، وخربة قيس، ويقدر عدد سكانها بأكثر من 76 ألف و805 نسمة.
تكريس الاستيطان
وبحسب تقرير صادر عن مركز أبحاث الأراضي بالقدس المحتلة، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي قام بإنشاء أربع شبكات طرق التفافية لأغراضه العسكرية ولصالح الاستيطان على أراضي محافظة سلفيت، والذي أدى إلى ضياع أكثر من أربعة آلاف و760 دونماً من أراضي الفلسطينيين في المحافظة لإقامة هذه الطرق، ولم يكتف الاحتلال بذلك بل انشأ جداراً عنصرياً على أراضي المحافظة.
حجازي: إن المستوطنات في محافظة سلفيت تصادر أكثر من 40% من مساحتها الإجمالية
ووفق المركز فإنّ طول مسار جدار الفصل العنصري بمحافظة سلفيت بلغ 16 ألف 523 متراً، ودمر ما يقارب من 8 آلاف و697 دونماً زراعياً، كما وعزل الجدار 13 ألف دونم، ومع اكتمال إنشاء الجدار سيؤدي ذلك إلى عزل 94 ألف و866 دونماً من أراضي المواطنين بالمحافظة عن قراهم.
ويشير التقرير إلى أنّ هناك مخططاً واضحاً تم الكشف عنه مؤخراً لتكريس منطقة وادي قانا بسلفيت وتهويدها بالكامل، عبر مشروع الطرق الحديث الذي أعلن عنه مؤخراً والذي يهدف لربط مستوطنات الوادي بحزام واحد من الطرق يكفل ربط المستوطنات هناك في تجمع واحد يُضم إلى دولة الاحتلال مستقبلاً.
وأوضح التقرير أنّ المستوطنين من مستعمرة "تفوح" قاموا بالاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي الزراعية في قرية ياسوف شرق محافظة سلفيت؛ إذ يتم استغلال تلك الأراضي من قبل المستعمرين أنفسهم في الزراعة وتربية المواشي، في حين حُرم الأهالي من مجرد الوصول إليها بأي شكل من الأشكال.
اقرأ أيضاً: جيش الاحتلال يكشف عدد الغارات التي شنّها على غزة في 2018
ويعتبر المركز ما يجري اليوم، من تحول جزء من الأراضي الزراعية في منطقة وادي قانا والمحيطة بمستعمرة "ياكير" إلى ميدان رماية وتدريب لجيش الاحتلال، انتهاكاً واضحاً لقانون الطبيعة، وتعدياً غير مسبوق على الاتفاقيات المبرمة مع الجانب الفلسطيني بأنّ وادي قانا محمية طبيعة؛ حيث يستغل الاحتلال هذا الواقع في حرمان السكان من الوصول إلى منطقة الوادي، وإطلاق العنان للمستوطنين في مواصلة سرقة وتهويد الأرض الفلسطينية.
وبحسب إحصائية صادرة عن مركز عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإنّ سلطات الاحتلال أقدمت خلال العام 2018 على هدم 8 منشآت في محافظة سلفيت، شملت مناطق واد قانا وقرية قراوة بني حسان وحارس، فيما أخطرت قوات الاحتلال بهدم 10 بيوت ومنشآت في مناطق متفرقة من محافظة سلفيت.
اقرأ أيضاً: لماذا عزز جيش الاحتلال قواته على الحدود اللبنانية؟
وفي سياق متصل، يقول الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حجازي، إنّ المستوطنات الإسرائيلية في محافظة سلفيت "تصادر أكثر من 40% من مساحتها الإجمالية، والتي تقدر بـ204 كيلومترات مربعة، وتشكل هذه المساحة ما يقارب 4% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وذلك لتحقيق الأطماع الصهيونية بهذه المنطقة والتي تتميز بخصوبة تربتها، كما تعد حوضاً هاماً للمياه الجوفية؛ حيث تعمد إسرائيل على سرقة هذا الخزان الجوفي لتزويد المستوطنات المقامة على أراضي البلدة بالمياه على حساب منازل وأراضي المواطنين الزراعية".
اقرأ أيضاً: يهدمون منازلهم بأيديهم: فلسطينيون على الأطلال يعانون ويلات الاحتلال
ويتابع حجازي في حديثه لـ "حفريات" : يحيط بسلفيت 24 تجمعاً استيطانياً يسكنه أكثر من 100 ألف مستوطن إسرائيلي، مقابل 20 تجمعاً فلسطينياً يضم قرابة 76 ألف فلسطيني، وأهم هذه التجمعات، وفق حجازي، مستوطنة "أرئيل" التي أنشأت في العام 1978 على مساحة 7500 دونم، وتعد أكبر مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية وتضم الأكاديمية التعليمية الأولى، والتي تم تأسيسها العام 2005، وتضم ما يزيد عن 12 ألف طالب، وتشتمل على أهم كليّتين هما الطب والتراث.
تسارع وتيرة الاستيطان
ويلفت حجازي إلى أنّه، في محاولة إسرائيلية تهدف إلى تكريس الاستيطان في سلفيت فقد تم "تقسيمها من الجانب الإسرائيلي إلى ثلاث مناطق وهي المنطقة "أ، ب" وتتبعان للسيطرة الإدارية والأمنية الفلسطينية، وتضم 50 كيلومتراً مربعاً من مساحة المدينة، أما المنطقة "ج" فهي تخضع للسيطرة الإسرائيلية التامة، وتبلغ مساحتها 154 كيلومتراً مربعاً، وتقدر بأكثر من ثلثي مساحة المدينة التاريخية".
معالي: اقتطعت سلطات الاحتلال آلاف الدونمات الزراعية لتوسيع المستوطنة لتحتوي على منشآت حيوية
ويوضح أنّ "قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع المواطنين بسلفيت والذين يسكنون في المنطقة "ج" ويشكلون قرابة 10% من تعداد سكانها من القيام ببناء المنازل أو ترميمها، كما يصل الأمر لمنعهم من زراعة وفلاحة أراضيهم الزراعية، من خلال قيام السلطات الإسرائيلية بإصدار أوامر هدم وتجريف لهذه المنازل والأراضي، لابتلاع مساحات واسعة من المدينة لإنشاء المستوطنات وتوسيع الطرق الالتفافية حولها".
ويقول حجازي إنّ "الاستيطان في المحافظة يسير بوتيرة متسارعة، وهناك تغول استيطاني كبير يلاحقها ويهدد سكانها الأصليين، باستيلاء المستوطنين المتطرفين على مساحات واسعة من أراضي المواطنين الزراعية، وتهديد أصحابها بالقتل في حال قيامهم بالاقتراب منها، ويستغل المستوطنين الأراضي التي قاموا بالاستيلاء عليها لتوسيع مستوطنة "تفوح" المحاذية للقرية، لاستقطاب أعداد إضافية منهم إليها".
الجدار العازل والقطار
وأفاد حجازي أنّ "السلطات الإسرائيلية صادقت العام الماضي على إنشاء القطار الخفيف والسكة الحديدية بطول 35 كيلومتراً والذي يلتهم مساحات واسعة من سلفيت، ومن المقرر أن تربط شبكة المواصلات الجديدة المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية مع الأراضي المحتلة عام 1948، في مخالفة واضحة للقانون الدولي وللاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، وذلك لفرض وقائع جديدة على الأرض، ومن المتوقع الانتهاء من هذا المشروع الاستيطاني خلال العام 2025، بتكلفة مالية تصل إلى أكثر من مليار دولار".
أدى بناء الجدار إلى عزل منازل وأراضي المواطنين بالقرية ليحوّلها لتجمعات سكانية منعزلة وحرمان المئات من سكانها من مزاولة نشاطهم الزراعي
وتابع حجازي، حديثه، أنّه بعد قيام إسرائيل بإقامة جدار الفصل العنصري حول محافظة سلفيت في العام 2003، أدى ذلك إلى فصل شرقي المحافظة عن غربها من خلال الاستيلاء على أكثر من 90% من أراضي قرية مسحة غربي المدينة، وأدى بناء الجدار إلى عزل منازل وأراضي المواطنين بالقرية، ليحوّلها إلى تجمعات سكانية منعزلة، إضافة إلى حرمان المئات من سكانها من مزاولة نشاطهم الزراعي، والذي تشتهر به القرية ويعتبر مصدر دخلهم الوحيد، ليلتحقوا بصفوف العاطلين عن العمل في الأراضي الفلسطينية.
إقامة مستوطنات جديدة
من جهته، يقول الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي "إنّ عمليات التوسعة التي تجريها السلطات الإسرائيلية في مستوطنة أرئيل شمالي سلفيت، تسير على قدم وساق لإقامة المزيد من المرافق الحيوية والهامة، والتي تهدف لزيادة أعداد المستوطنين فيها، وإقامة عدة مشاريع استثمارية للمستوطنين كتربية المواشي والخيول، والجزء الآخر من الأراضي المصادرة أقيم عليها عدد من المواقع العسكرية لجيش الاحتلال".
اقرأ أيضاً: عهد التميمي لـ "حفريات": لن أتردد في صفع المزيد من جنود الاحتلال
ويتابع معالي حديثه لـ"حفريات": نظراً للأهمية الإستراتيجية لهذه المستوطنة بالنسبة للجانب الإسرائيلي، باعتبارها امتداداً جغرافياً مع غور الأردن وثاني أكبر مستوطنات الضفة الغربية، فقد تم اقتطاع آلاف الدونمات الزراعية لتوسيع المستوطنة لتحتوي على منشآت حيوية، إضافة لنية الجانب الإسرائيلي بناء المزيد من المستوطنات خلال الأعوام المقبلة على أنقاض منازل وأراضي المواطنين المصادرة بسلفيت، خاصة مع الدعم الأمريكي اللامحدود للاحتلال في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والذي وفّر مناخاً مناسباً لزيادة أعداد هذه المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة".
التضييق على السكان
ويوضح معالي أنّ "إسرائيل تضرب بعرض الحائط المواثيق والمعاهدات الدولية كاتفاقية أوسلو التي جرى توقيعها عام 1993، والتي تنص على منع الاحتلال الإسرائيلي من ضم وبناء تجمعات استيطانية جديدة، والاكتفاء بالبناء بداخل المستوطنات نفسها، ولكن إسرائيل لم تلتزم بما ورد بهذه المعاهدة، وأخذت تستولي على المزيد من أراضي المواطنين في بناء بؤر استيطانية جديدة بحيث وصل عددها لأكثر من 100 مستوطنة، وذلك بحجة مواجهة الزيادة السكانية لأعداد المستوطنين".
وينوّه إلى أنّ "السلطات الإسرائيلية تمارس على قرى سلفيت ضغوطاً كبيرة لإخلائها من سكانها، من خلال التضييق عليهم بقطع إمدادات المياه والكهرباء عنهم، ومصادرة مساحات واسعة من أراضيهم، وتسليم إخطارات جديدة بهدم المزيد من منازل المواطنين بحجة البناء بدون الحصول على التراخيص اللازمة، لإحكام السيطرة الإسرائيلية على المدينة وانتهاك حقوق سكانها".
بحسب تقرير صادر عن مركز أبحاث الأراضي بالقدس فإن الاحتلال قام بإنشاء أربع شبكات طرق التفافية لأغراضه العسكرية
ومن الممارسات والتضييقات الإسرائيلية أيضاً، وفق معالي، قيام المستوطنين بإطلاق الخنازير البرية والكلاب المفترسة للاعتداء على المزارعين وتدمير وإتلاف محاصيلهم الزراعية في مواسم جني المحاصيل الزراعية، خاصة في أراضي المواطنين التي تقع خلف جدار الفصل العنصري، إضافة لتصريف مياه المستوطنات العادمة بداخل الأراضي الزراعية لقتل الأشجار وزيادة ملوحة التربة، ولتحويل القرية من منطقة زراعية إلى بؤر ومنشآت استيطانية.
ويؤكد معالي أنّ قانون التسويات الذي أقره الكنيست الإسرائيلي نص على "منع هدم أي مستوطنة أو أي تجمع استيطاني بالضفة الغربية، بحيث لا يستطيع أصحاب الأرض الفلسطينيين الذين أقيمت عليها هذه البؤر من المطالبة بها أو الاعتراض على استيلاء المستوطنين على أراضيهم ومنازلهم، ويتم الاكتفاء بالمطالبة للحصول على تعويضات مالية فقط لدى الجهات الرسمية الإسرائيلية".
اقرأ أيضاً: لهذا قتل الاحتلال رزان
ويبين معالي أنّ مستوطنة "إيلي زهاف" وهي واحدة من أكبر أربع مناطق صناعية للمستوطنين في سلفيت، تشهد نمواً سكانياً كبيراً منذ العام الماضي، والذي تجاوز أكثر من 24%، وذلك من خلال الاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي الزراعية وضمها للمستوطنة، كما هو الحال في باقي المستوطنات الأخرى الجاثمة على أراضي المواطنين، والتي أصبحت تشمل مصانع وجامعات ومرافق حيوية هامة لتشجيع المستوطنين على البقاء فيها، وللقضاء على أحلام وطموحات الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية.