سعدي يوسف يترجل: لماذا يؤازر المثقفُ الطغاة في مواجهة الثورات؟

سعدي يوسف يترجل: لماذا يؤازر المثقفُ الطغاة في مواجهة الثورات؟


14/06/2021

برحيل الشاعر العراقي سعدي يوسف، أول من أمس، في لندن، يفقد الأدب العربي المعاصر واحداً من ألمع المؤسسين للقصيدة العربية خلال الأعوام الخمسين الأخيرة على أقل تقدير. فالراحل شكّل منارة استقطاب جذبت إليها الشعراء، وبخاصة أولئك الذين يكتبون قصيدة النثر، حيث كان يوسف ألمع من كتب فيها وترجم في حقلها.

ورغم الآثار الأدبية الجليلة التي تركها سعدي يوسف في الشعر والترجمة، إلا أنّ طيفاً واسعاً من المثقفين والمتلقين العرب يأخذ عليه مواقفه السياسية "العنيفة" والمتطرفة التي جعلته دائماً في قلب الجدل الحامي الذي رافقه حتى آخر شهقة في جسده.

يتذكر المثقفون العرب قصيدة الراحل سعدي يوسف الذي يهجو بها الثورات العربية: "الفيسبوك يقود الثورة في بلدانٍ لا يملك الناس فيها أن يشتروا خبزَهم اليوميّ!"

وخلال مرضه الأخير، تناقل الوسط الثقافي العراقي مناشدات من الشاعر سعدي يوسف للحكومة العراقية لمساعدته بكلف العلاج.

وبعد انتشار المناشدات، قدم وزير الثقافة العراقي، حسن ناظم، طلباً لوزارة الخارجية لإرسال السفير العراقي في لندن لعيادة يوسف والاطمئنان على تلبية احتياجاته.

لكنّ طلب الوزير، كما ذكرت "الحرة" قوبل بانتقادات شديدة، خاصة من قبل نائب رئيس البرلمان العراقي، حسن الكعبي، الذي قال إنّ يوسف "انتقد النبي محمد" ولا يستحق الزيارة أو الرعاية الحكومية.

التفّت الساق بالساق

وبعد رحيله مباشرة، هوجم سعدي يوسف بقسوة من النائب في البرلمان العراقي كاظم فنجان، الذي قال في بيان نشره موقع "ناس": "التفّت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق. مات سعدي يوسف بعدما أفنى عمره بالتطاول على الأنبياء والرسل والصحابة".

بعد رحيله مباشرة، هوجم سعدي يوسف بقسوة من النائب في البرلمان العراقي كاظم فنجان!

وأضاف: "مات بعدما كرس وقته للنيل من عباد الله الصالحين وتسفيه المعتقدات والعقائد. حتى أشرف خلق الله لم يسلم منه ومن لسانه. وحتى أسمى النساء عفافاً (..) من تشويه صورتها بأبشع الأوصاف".

وتابع: "لم يكن الشاعر الحطيئة بهذا المستوى من الانحطاط، ولم يكن الشاعر (السليك بن السلكة) بهذا السلوك المنحرف، ولم يكن الشاعر المتهتك (أبو الشمقمق) بهذا الابتذال، فالشعر مملكة البلغاء وواحة الوجدان والأخلاق والأدب، ويأبى الشعر أن يكون منصة لكل زاعق، ويأبى أن يكون حظيرة لكل ناهق".

وكان سعدي يوسف قد تعرض عام 2013 لانتقادات شديدة، أبرزها من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" بعد قرار الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بمنح جائزته للشاعر العراقي، وذلك بعد قصيدته المثيرة للجدل، "عيشة بنت الباشا" التي اعتبرت مسيئة للنبي محمد وزوجته عائشة، ودعت المنظمة الأزهر إلى التدخل والمطالبة بإلغاء القرار. 

سعدي يوسف يثير غضب الأكراد

وانشغلت الساحة الثقافية العراقية عام 2014، أيضاً، بتداعيات قصيدة أخرى مثيرة للجدل للشاعر سعدي يوسف، فجّرت حفيظة الأكراد بعد تلاعبه باسم إقليمهم، فقد قررت وزارة التربية في كردستان حذف المواد المتعلقة به من كتبها، في حين وجه مثقفون وكتاب انتقادات حادة له وصلت إلى حد المطالبة بإحراق كتبه.

وبحسب وكالة "شفق نيوز" الكردية، فقد أكد مدير عام المناهج بوزارة تربية كوردستان، أراس نجم الدين، أنّ الوزارة، وبأمر مباشر من الوزير، "قررت حذف قصائد الشاعر وما ورد من ترجمة لحياته في مناهج الوزارة بعد قيامه بوصف الكرد بالقرود وكوردستان بقردستان."

ويعود سبب الإشكال مع يوسف، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، كما ذكرت "سي إن إن عربي" إلى قصيدة كان قد نشرها قبل أيام تحت عنوان "مصر العروبة .. عراق العجم" دفعت البعض إلى الدعوة لإحراق كتبه بعد أن قال فيها: "كلما دخلتُ مصرَ أحسسْتُ بالعروبة، دافقةً... ليس في الأفكار. العروبةُ في المسْلكِ اليوميّ. أنت في مصرَ، عربيٌّ... هكذا، أنت في مصر عربيٌّ، لأن مصر عربيةٌ. ولأنّ أي سؤالٍ عن هذا غير واردٍ."

أكد مدير عام المناهج بوزارة تربية كوردستان، أراس نجم الدين، أنّ الوزارة، وبأمر مباشر من الوزير، "قررت حذف قصائد الشاعر وما ورد من ترجمة لحياته في مناهج الوزارة

ويتابع الشاعر قائلاً: "ما معنى السؤال الآن عن أحقيّة العراقِ في دولةٍ جامعةٍ؟ ما معنى أن يتولّى التحكُّمَ في البلدِ، أكرادٌ وفُرْسٌ؟ ما معنى أن تُنْفى الأغلبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية؟ ما معنى أن تكون اللغة العربية ممنوعةً في إمارة قردستان عيراق البارزانية بأربيل؟ نحن في عراق العجم. سأسكن في مصر العربية !"

ولم يقتصر الغضب على الأكراد، فقد تعرض موقع يوسف للقرصنة، كما نقلت صحيفة "العالم" العراقية عن فاضل ثامر، رئيس اتحاد أدباء العراق، قوله إنّ الكتاب والمثقفين العراقيين "تابعوا بغضب واستياء ما نشره الشاعر سعدي يوسف على موقعه الشخصي من تخريفات وإساءات غير مسؤولة للعراق ورموزه السياسية والوطنية والقومية."

واتهم ثامر الشاعر العراقي بـ"الدفاع المخزي عن الدواعش في الفلوجة" مضيفاً: تخريفات يوسف وتصريحاته وكتاباته "لن تقيم له مجداً، بل ستهدم وللأسف مجده الشعري والوطني وتسيء إلى الثقافة العراقية وستجعله محط ازدراء".

"الجنرال بُرهان غليون"

الراحل يوسف ظل يختار الإقامة في فم العواصف، ففي عام 2019 كتب الشاعر العراقي منشوراً على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال فيه: "أعلنت المصادرُ الرسمية في الجزائر العاصمة، أنّ هناك حشوداً في جنوبيّ الصحراء الجزائرية، مكوَّنةً من سوريّين كانوا في حلب، تريدُ التسلُّلَ إلى الجزائر".

وأضاف يوسف: "الجنرال بُرهان غليون يرسلُ جنودَه إلى الجزائر".

ونسب يوسف صفة الجنرال على الأستاذ الجامعي والمعارض السوري برهان غليون واتهمه بأنه كان مستشاراً لعباس مدني القيادي الإسلامي الجزائري.

برهان غليون

وامتدح يوسف انتصارات جيش النظام السوري وهروب الإرهابيين، ومنهم هؤلاء التائهين في صحراء الجزائر، وفق ما وصف: "بعد صمود سوريّا العروبة، وجيشِها، الجيشِ العربيّ السوريّ، وهزيمةِ المرتزقة، ومن بينهم مرتزقة فرنسا، يرسلُ الجنرال بُرهان غليون فلولَه من حلب إلى الجزائر عبرَ المحميّات الفرنسية جنوبيّ الصحراء".

وتحت عنوان "سعدي يوسف: عداء مع سبق الإصرار"، كتب مروان خورشيد عبد القادر في موقع "أورينت": كان سعدي يوسف وما زال ضد الثورة السورية، "حتى قبل استخدام الأسد للمدافع، وقبل الدبابات وقبل صواريخ السكود، وقبل كيماوي الأسد. ورغم تطور إجرام النظام بقي ينتقدها ويحملها مسؤولية كل ما وصلت إليه من أحداث. لم يتحركش بكلمة ضد الأسد، وهو الذي وصف مؤيديه وشبيحته في آخر هلوساته الفوق شعرية بأنهم: فقراء ومسالمين وجياع !".

كان سعدي يوسف قد تعرض عام 2013 لانتقادات شديدة، بعد قرار الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب منح جائزته للشاعر العراقي، رغم قصيدته "عيشة بنت الباشا"

وتابع الكاتب "ربما ترسخت هذه الفكرة في رأسه عندما رأى سلمية هؤلاء المؤيدين وهم ينهبون ويسرقون بيوت معارضي الأسد، من سجادة المنزل، إلى أسطوانة الغاز، إلى الأثاث... وحتى سرقوا الألبسة كي يكسوا بها فقرهم وراحوا يبيعون باقي الأغراض في أسواق لا طائفية مثلاً كي يسدوا بها جوعهم. وربما وصفه هذا انطلق من كونه يلبس رداء الشيوعي يوماً ورداء البعثي يوماً آخر، ثم يحاول أن يتحسس لآلام وأوجاع البروليتاريا التي يقودها الأسد، صاحب جائزة الفكر والإبداع التي منحها اتحاد كتاب روسيا له في جريمة أقل ما يقال عنها إنها إبادة للأدب الروسي الذي كان يوماً عظيماً".

الشاعر يهاجم السيستاني

وكان الشاعر الراحل كتب ضد المرجع الديني الأعلى في العراق، علي السيستاني، حين قال في قصيدته "الفلوجة تنهض ":

جاؤوا باسمِ السيستانيّ:

أوّلِ مَن أفتى، في الإسلامِ، بِـنُصرةِ محتلٍّ كافرْ

السيستانيُّ الكافرْ

أوّلُ مَن أفتى في الإسلامِ، بنُصرةِ جيشٍ كافرْ

السيستانيُّ الفاجرْ

مأواهُ جهنّمُ بِئس مقّرٍّ ….".

 المرجع الديني الأعلى في العراق، علي السيستاني

ورغم ذلك، يقول الكاتب عبد القادر: "اليوم يناصر سعدي يوسف، السيستاني والخامئني وحسن نصر الله، وكل أصحاب فتاوى الجهاد المقدس وقتال الشعب السوري، الذي يعتبره اليوم شعب القاعدة والإرهاب، وشعب يتعاطى مع الأمريكي حليف الأمس لهؤلاء المراجع! هؤلاء المراجع الدينية أصبحوا برأيه اليوم سادة الإيمان والإسلام وأصبح الشعب السوري هو الكافر والتكفيري معاً، فسعدي يوسف يرى أنّ القيادة في سوريا قلعة من قلاع التصدي للإمبريالية والصهيونية ولا أعرف ما رأيه الآن في هذه القلعة وهي تفتح أبوابها ومخازنها لتسليم سلاحها الذي ادعت طوال نصف قرن أنه لردع الإمبريالية والصهيونية، في حين استخدمه فقط على شعبه وعلى أطفال عزل".

"أي ربيع عربي"؟

ويتذكر المثقفون العرب قصيدة الراحل سعدي يوسف الذي يهجو بها الثورات العربية، بلغة قاسية وجارحة. فتحت عنوان "أي ربيع عربي" كتب سعدي يوسف عام 2011 قصيدة، قال فيها:

"الدجاجُ، وحده، سيقول: ربيعٌ عربيّ .

هل خلَتِ الساحةُ من طفلٍ؟

أعني هل خلت الساحةُ من شخصٍ يقول الحقَّ صُراحاً؟

أيّ ربيعٍ عربيّ هذا؟

نعرف تماماً أنّ أمراً صدرَ من دائرة أميركيّة معيّنةٍ .

وكما حدث في أوكرانيا والبوسنة وكوسوفو، إلخ ... أريدَ له أن يحدث في الشرق الأوسط وشماليّ أفريقيا .

الفيسبوك يقود الثورة في بلدانٍ لا يملك الناس فيها أن يشتروا خبزَهم اليوميّ !

هذا المدقع حتى التلاشي، الأمّيّ، التقيّ ...

هذا الذي لا يستطيع أن يذوق وجبةً ساخنةً في اليوم .

هذا الذي يعيش على الأعشاب والشاي وخبز الحكومة المغشوش.

هل يعرف الإنترنت؟

ومَن هؤلاء القادةُ الفتيانُ؟".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية