زمن الدولة الدينية انتهى

زمن الدولة الدينية انتهى


03/04/2022

فاروق يوسف

ليس ذلك بالخبر السعيد بالنسبة لفئات كانت تمني النفس بأن يكون حكم الإخوان في مصر بداية لعصر ظلام جديد يلف بليله العالم العربي كله في استعادة ممسرحة لعصر الظلام العثماني. فحين هُزم الإخوان في مصر وهي معقلهم وقلب دولتهم المتخيلة، هُزمت فكرة الدولة الدينية بالرغم من أن ذلك الحدث المفصلي في تاريخ المنطقة كان قد أزعج دولا غربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودولا إقليمية هي تركيا وإيران. وإذا ما كان انزعاج تركيا وإيران مفهوما وله ما يفسره فالأولى يقودها زعيم إخواني والثانية هي دولة دينية فإن المرء إذا لم يكن مطلعا على علاقة المخابرات الغربية بالجماعة المصرية لابد أن يشعر بغرابة الموقف الأميركي.

ولقد يسر ذلك الموقف المشبوه لجماعة الإخوان حرية الحركة في الإعلان عن ما تسميه بـ"مظلوميتها" وبما تدعيه من شرعية مقابل الانقلاب الذي تعرضت له. وبغض النظر عن التسمية فقد كان هناك انقلاب شعبي على حكم الإخوان بعد سنة من الفوضى أظهر فيها الإخوان كل ما لديهم من أفكار شيطانية عن طريقتهم في حكم الشعب المصري وترويضه من أجل استعادة زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي. كان المخطط أن يتم إسقاط مصر لتسهل في ما بعد عملية إسقاط الدول العربية الأخرى. ستكون الأمور ميسرة إذا ما تم إخضاع مصر. ذلك لأنها قلب المنطقة وهي الحاضنة الرئيسة للإخوان وهي الدولة العربية الأكبر التي تواجه إسرائيل.

وما يجب أن لا نصدقه أن الدولة الدينية إذا ما قامت سيكون هدفها تحرير فلسطين. فتلك هي إيران التي ترفع شعار "الموت لأميركا والموت لإسرائيل" لم تزعج إسرائيل بصاروخ واحد. اما تركيا فإن سلطانها أردوغان يحرص على العلاقات الثنائية بين الدولتين موجها كل حقده في اتجاه سوريا التي فشلت الجماعات الارهابية المدعومة من تركيا في الاستيلاء عليها بالرغم من أنها نجحت في تدمير الجزء الأكبر منها. كان السلوك التركي مثاليا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين. هذا ما يمكن أن يفعله الإخوان لو أنهم حكموا أي بلد عربي. لا يزال الإخوانيون يتغنون بعظمة السلطان التركي الرغم من أنهم يدركون جيدا عمق العلاقة التي تربط تركيا بإسرائيل. وقد يبدو موقف حركة حماس التي يُفترض أنها فلسطينية المناصر لأردوغان غريبا غير أن إخوانية الحركة ستجيب عل كل سؤال غامض وتكشف عن أسرار اللغز.

وإذا ما كانت مصر بقوة جيشها وإرادة شعبها قد سيطرت على الوضع بعد إسقاط حكم الإخوان فإن الجماعة لم تصدق أن غيابها عن المسرح السياسي سيطول بدليل أن راشد الغنوشي وهو زعيم حركة النهضة الإسلامية التي هي أحد فروع جماعة الإخوان، كان مستمرا في اتصالاته الدولية وبالأخص مع تركيا من أجل تغيير قواعد اللعبة بحيث تتصدر تونس المشهد على خلفية ليبية كان الإخوان يشكلون الجزء الأكبر فيها مدعومين من تركيا. الغنوشي الذي يعتبره مريدوه شيخا ذكيا وسياسيا محترفا ومخادعا من أجل العقيدة لم يكن يصدق هو الآخر أن زمنه قد انتهى. وإذا ما كان اليوم يواجه القضاء بتهم مختلفة، فإنه يعتبر كل ما يقع محاولة لتشويه الإسلام السياسي الذي يُعتبر واحدا من أهم صناعه والمستفيدين منه. الغنوشي الذي حاول أن يختصر تونس بشخصه كما يفعل مقتدى الصدر بالعراق، انما هو شخص مهووس بالفخامة الزائفة التي لا يملك شيئا من صفاتها.    

بعد كل التحولات التي شهدتها المنطقة لم تعد مصر عاصمة للإخوان. صار على الجماعة المصرية أن تبحث عن عاصمة أخرى لها. وهو ما يعتبره الإخوان كفرا. ذلك لأن الجماعة ناضلت عبر سنوات وجودها منذ نهاية عشرينات القرن الماضي من أجل أن تكون مصر هي عاصمة الدولة الدينية التي تشمل كل العالم العربي. اما وقد فلتت مصر من القدر الاخواني فلا مستقبل لتلك الدولة. ولقد راهنوا على فشل الرئيس عبدالفتاح السيسي في إعادة مصر إلى طابعها المدني بعد أكثر من خمسين سنة من تغلغلهم في الأوساط الشعبية غير أنهم فشلوا في رهانهم. صحيح أن النهوض بمصر بطريقة معاصرة هو أمر في غاية الصعوبة بسبب انهيار البنية التحتية غير أن ما تقوم به الحكومة المصرية من إصلاحات جوهرية في البنية التحتية تفتح الأفق في اتجاه إعادة الاعتبار إلى الدولة المدنية التي يمكن أن تستحضر وجودها في أية لحظة.

كان حكم الإخوان لحظة خطأ في التاريخ المصري.

عن "ميدل إيست أونلاين"

الصفحة الرئيسية