رُهاب الإسلام في أمريكا اللاتينية: عنف ومخدرات وفساد سياسي

رُهاب الإسلام في أمريكا اللاتينية: عنف ومخدرات وفساد سياسي

رُهاب الإسلام في أمريكا اللاتينية: عنف ومخدرات وفساد سياسي


21/07/2024

في تقرير مؤشّر الإرهاب العالمي الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام IEP عام 2022، يظهر أنّ مستوى الإرهاب في أمريكا اللاتينية ازداد كثيراّ عما كان عليه قبل عقد من الزمن؛ حتى بات تحدِّياً خطِراً في وجه المجتمع الدَّولي بأسره، ولا سيَّما أنّ كثيراً من تلك البلاد أصبحت مركزاً خِدْميّاً (لوجستيّاً) لبعض التنظيمات الإرهابية التي تسلك دروب العنف وتجارة المخدرات والسلاح، بغطاء من فساد بعض السياسيين هناك، وهذا ما يقتضي السؤال عن أبرز معالم هذا النشاط، وآفاقه، وسُبل مكافحته، كما يقول الباحث المصري أحمد زغلول شلاطة.

وتبرز أربعُ دول من أمريكا اللاتينية، في قائمة أعلى خمسين دولةً تأثُّراً بالإرهاب عالميّاً، وَفقاً للمؤشّر الذي يرتِّب الدول بحسب مستوى الإرهاب فيها، بعد رصد مختلِف جوانب النشاط الإرهابي؛ كعدد الحوادث الإرهابية، وعدد الوَفَيات والإصابات، والرهائن والأضرار. وفي مقدِّمة هذه الدول كولومبيا التي جاءت في المرتبة الـ 14 بمؤشِّر 7.06، يليها تشيلي في المرتبة 18 بمؤشِّر 6.49، ثم بيرو في المرتبة 37 بمؤشِّر 4.47، ثم فنزويلا في المرتبة 46 بمؤشِّر 4.005. وهذه النتائج تعبِّر عمَّا تشهده هذه الدول من صراعات سياسية أو عِرقية أو فكرية، فضلاً عن نشاط عصابات الجريمة المنظَّمة، والأنشطة غير الشرعية.

بيئة خصبة للإرهاب

ونُشر تقرير شلاطة في الموقع الإلكتروني للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وفيه يؤكد أنّ واردات السلاح تعد من أبرز المؤشِّرات إلى مستوى التهديدات والتحدِّيات الأمنية التي تتعرَّض لها الدول، سواءٌ التهديدات التقليدية؛ كالحاجة إلى تعزيز هُويَّتها القومية، أو غير التقليدية؛ كالتنظيمات الإرهابية على اختلاف أنواعها وتوجُّهاتها، والتجارة غير المشروعة، والجريمة المنظَّمة. وهذه التهديداتُ تزيد من وطأة الأزَمات السياسية والاجتماعية القائمة، مع توفير بيئة خِصبة لاستمرار مُغذِّيات الإرهاب. ونتيجةَ ذلك تتدفَّقُ تلك الوارداتُ في دول أمريكا اللاتينية والكاريبي على جميع القُوى الأمنية والعسكرية الرسمية للدول، وعلى الحركات والقُوى السياسية المعارضة، فضلاً عن عصابات الجريمة المنظَّمة.

ويشير تقريرُ التسلُّح ونزع السلاح والأمن الدَّولي الصادر عن معهد «إستوكهولم» لأبحاث السلام الدَّولي في 2021، إلى زيادة النفقات العسكرية في تلك الدول عام 2019، بنسبة بلغت %8.1 بمقدار 8.7 مليارات دولار.

أبرم حزبُ الله صفقات بالتنسيق مع مهرّبي المخدّرات في كولومبيا وفنزويلا والمكسيك

وتبدو مجمل الأوضاع في الدول اللاتينية بيئةً مناسبة لمختلِف التنظيمات الإرهابية، ومع أنها ليست بيئةَ نشاط لتلك التنظيمات، فإنها تمثِّل إحدى البيئات الخِدْمية (اللوجستية) لها، حيث تزداد فرص تنظيمات الإرهاب في الاستفادة من البيئة السياسية والاجتماعية لتنمية مواردها، في ظلّ نمو فرص المشاريع غير الشرعية بالتحالف مع العصابات المحلّية. لذا كانت بعض تلك الدول ممرّاً لأعضاء من تنظيم داعش متوجِّهين إلى الولايات المتحدة، عبر الطرق الآمنة لمافيا تهريب المخدِّرات والسلاح. وسبق أن قايضَت مجموعةُ فارك الإرهابيةُ الكولومبية الأسلحةَ بالمخدِّرات مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، إضافةً إلى التعاون بين داعش والقاعدة وعصابات "الماراس".

وصارت أنشطةُ تجارة المخدِّرات، وغسل الأموال في تلك المنطقة، وِجهةَ استثمار لتنظيمات أُخرى مثل حزب الله اللبناني، منذ الثمانينيَّات، حين أبرم الحزبُ صفقات بالتنسيق مع مهرّبي المخدّرات في كولومبيا وفنزويلا والمكسيك.

الإرهاب والاندماج

وعن تاريخ الحركات الإسلاموية في عدد من دول أمريكا اللاتينية، وأدوات نفوذها الديني والاجتماعي والاقتصادي، أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث كتابه "الإسلاميون في أمريكا اللاتينية: الإرهاب والاندماج" في نوفمبر 2023، ويناقش فيه التحديات التي تواجهها المجتمعات المسلمة؛ والدول جراء أنشطة جماعات الإخوان وحزب الله، والحركات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة.

 

تتبارى المنظمات والتيارات الإسلاموية، سواء السرورية أو الإخوانية أو الداعشية، في محاولة اختراق شركات الحلال، ومحاولة التخفي وراء العمل الاجتماعي

 

يبدأ الكتاب بدراستين ميدانيتين، إذ يسلَّط الباحث السويسري باتيست برودار (Baptiste Brodard)، في أولاهما الضوء على مظاهر الإسلام المتنوّعة وتحديداً في كولومبيا والمكسيك والبرازيل وتشيلي، عبر شرح صعوبة تسمية الطوائف والتيارات لما يتعلق بالجماعات والحركات من تطورات، والتغيرات الأيديولوجية، مشيراً إلى أنّ الجماعات تتهرب من وصم التصنيف بالعمل تحت المؤسسات والمنظمات الخيرية، ولكنها جميعاً تعمل مستقلة وتتنافى -في الغالب- معززةً سردياتها العقائدية، مستعرضاً الشبكات السنية المتباينة، التقليدية والراديكالية، مع التركيز على الاختلافات مثل تناوله نماذج تابعة لتركيا وهي: حركة النور (نورجو)، والسليمانية الصوفية التي أسسها سليمان حلمي طوناخان، وحركة «خدمة» التابعة لفتح الله غولن، والطريقة النقشبندية بقيادة أشرف أفدني الألماني.

 ويستعرض الباحث التباينات داخل كل حركة، مع التركيز على موقفها من قضية تعليم الإسلام في سياق أميركي لاتيني، والإصرار على نسخة عابرة للأوطان، كما تطرق إلى الوجود الشيعي، سواء المنسوب للمهجر اللبناني أو الشيعة الكولومبيين من أصل أفريقي في بوينافينتورا (Buenaventura)؛ وهي جماعة تحولت من أمة الإسلام إلى الإسلام السني ومن ثم إلى التشيع الاثني عشري، متتبعاً سيرة التحوّل وأسبابها الاقتصادية والسياسية. 

المسلمون ونداءات الإرهاب

أما الدراسة الميدانية الثانية، وفي ضوء المخاطر الناجمة عن الإرهاب وشبكاته وتأثيرها السلبي في تصاعد معدلات «رهاب الإسلام» في أمريكا اللاتينية، فقد تطرق الباحث والأستاذ المساعد في جامعة فلوريدا إيه آند إم (Florida A&M University)، تروي إي سبير (Troy E. Spier)  فيها؛ إلى ظاهرة رهاب الإسلام في الإكوادور، لا سيما على شبكات التواصل الاجتماعي، ملاحظاً أنّ المسلمين أكثر عرضة لنداءات الإرهاب والتطرّف على الإنترنت وفي المساجد، مقارنة بالأديان الأخرى. 

وتسترشد هذه الدراسة بثلاثة أسئلة بحثية: كيف يمثّل المسلمون في الصحافة الإكوادورية من خلال المقالات المنشورة في صحيفة «إل كوميرسيو» (El Comercio)؟ ما المتلازمات الأكثر شيوعاً في المقالات التي تشير إلى المسلمين؟ كيف يرشد تحليل المشاعر هذه المناقشة على نطاق أوسع؟

وفي الكتاب ذاته، تناولت الباحثة الجزائرية آمنة مصطفى دلّة، قراءة متوسعة لأبرز التحديات الأمنية التي تواجه دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، والتي تجعلها بؤرة جاذبة للمتطرفين، منذ التسعينيات من القرن المنصرم، بسبب الفراغات الأمنية من جهة، والتجاوزات المرتبطة بغسيل الأموال والمخدرات، وغيرها من جهة أخرى.

وتطرق الباحث المصري ماهر فرغلي، إلى مؤسسات جماعة الإخوان والخلايا المتطرفة المنبثقة عنها في كل من البرازيل والباراغواي والمكسيك والأرجنتين والإكوادور والبيرو وفنزويلا، كاشفاً عن العلاقة الوطيدة بين الإسلامويين في هذه الدول والإسلامويين في الشرق الأوسط. فتحت عناوين «الدعوة» بنت هذه الجماعات المتطرفة والشخصيات المرتبطة بها مؤسساتها من أجل تحقيق الربح، مثل مؤسسات «تجارة الحلال»، وشركات «أوف شور المالية» عدا تجارتها بالمخدرات والأخشاب.

غطاء لاستقبال إخوان الشتات

 وأشار الباحث إلى أنّ المؤسسات الدينية والتجارية المحسوبة على الجماعة استُخدِمت غطاء لاستقبال إخوان الشتات؛ بعد سقوط نظام الإخوان في مصر سنة 2013، كما اتهمت بتيسير إيواء العائدين من بؤر التوتر. ويلاحظ الباحث أنّ منطقة المثلث الحدودي (Tri-Border Area)  بين الباراغواي والأرجنتين والبرازيل، هي منطقة رخوة استقر فيها حزب الله منذ عقود، وحوّلها إلى مركز رئيس لجميع أنواع الأنشطة غير القانونية لتعزيز إيراداته، وتنفيذ هجماته الإرهابية بدءاً من تسعينيات القرن المنصرم؛ وأبرزها الهجوم الإرهابي ضد السفارة الإسرائيلية سنة 1992. وقد استغل تنظيم القاعدة وجود الحزب وعمل على بناء قوته أيضاً، وجرت عمليات تنسيق بين الطرفين في أنشطة تجارية. 

وتتبارى المنظمات والتيارات الإسلاموية، سواء السرورية أو الإخوانية أو الداعشية، في محاولة اختراق شركات الحلال، ومحاولة التخفي وراء العمل الاجتماعي، وتعليم اللغة العربية؛ وتسفير المسلمين الجدد إلى الشرق الأوسط، واستقبال الهاربين منه.

ورصد الباحث والأكاديمي المغربي عبدالإله سطّي، نشاط حزب الله في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا ومنطقة المثلث الحدودي. فقد استطاع الحزب تعزيز وجوده لعوامل ديموغرافية ومالية وتجارية، وتحرك بحرية فيها، نظراً لضعف المراقبة والملاحقة بالعديد من هذه البلدان. تحدد الدراسة ثلاثة أوجه رئيسة، أدت إلى بناء نفوذ الحزب من خلال إيران؛ أولها: نشر النفوذ الإيراني الديني في أمريكا اللاتينية، من خلال السيطرة على المساجد والمراكز الثقافية؛ ثانيها: توفير موارد مالية من خلال تكثيف الوجود التجاري لأتباع الحزب، خصوصاً في المثلث الحدودي؛ ثالثها: تهديد المصالح الأمريكية، باستغلال التّقارب بين المواقف السياسية للحِزب وإيران وعدد من دول أمريكا اللاتينية المعارضة للولايات المتحدة. في فنزويلا، استفاد حزب الله من العلاقات الوثيقة بين إيران ونظام تشافيز/مادورو لتأسيس قواعد تدريب وشبكات دعم لوجستي؛ باستغلال مناطق مثل جزيرة مارغريتا (Margarita Island). كما عمل الحزب على توسيع نفوذه عبر ترويج مبادئ الحركة الخمينية الإيرانية بين السكان الأصليين في البيرو وكولومبيا والبرازيل، من خلال المساجد والمراكز الثقافية والإعلام.

وعرض الباحث والأكاديمي الجزائري عبدالقادر عبدالعالي في مواقف الإسلامويين من قضايا الشرق الأوسط وانعكاسها على الجاليات المسلمة في دول أمريكا اللاتينية، مركزاً على عدد منها: مثل قضية الإسلامويين الهاربين من العدالة، والاضطرابات السياسية والأمنية في بعض الدول العربية بدءاً من سنة 2011، وتعامل الإدارات الأميركية المتعاقبة مع الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط. 

كما حدد الباحث خريطة انتشار الحركات الإسلاموية -الإخوان، حزب الله، تنظيم داعش- في دول أمريكا اللاتينية وكيفية تصديرها وتوظيفها للملفات السياسية الشرق أوسطية، عبر تأليب الجاليات المسلمة وصناعة خطاب ديني متطرف، مما أدى إلى تنامي مؤشرات رهاب الإسلام.

وفي سياق متصل، عرض الأستاذ في قسم السياسة في جامعة ألبرتو هورتادو (Alberto Hurtado University)، إسحاق كارو (Isaac Caro) للخلفية المعاصرة للحركة النازية الجديدة في تشيلي، والحركة الوطنية الاجتماعية المتهمة بالنازية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية