روسيا و"طوفان الأقصى": تحالف علني مع إيران وقنوات سرية مع إسرائيل

روسيا و"طوفان الأقصى": تحالف علني مع إيران وقنوات سرية مع إسرائيل

روسيا و"طوفان الأقصى": تحالف علني مع إيران وقنوات سرية مع إسرائيل


20/11/2023

منذ عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حركة حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تبدو روسيا، التي تتقاطع مع أطراف الأزمة الثلاثة بعلاقات متفاوتة داخل سياقات عديدة ومعقدة، أمام انفراجة ومساحة مناورة للاستفادة السياسية، لا سيّما في ظلّ الضغوط والأعباء جراء الحرب في أوكرانيا. فالإدارة البراغماتية لموسكو هي الإطار العام الذي يشكل منطلقاتها رغم ما يبرز، ظاهرياً، من مواقف تجعلها أقرب إلى إيران وقوى ما يعرف بـ"المقاومة". في حين تظلّ قنواتها السرية وغير المعلنة مع تل أبيب قائمة لتنسيق المواقف (هي نفسها القنوات التي تتولى إدارة الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا). فموسكو عادة ما تستقبل قادة ولائيين ضمن هذا التيار "الممانع" في إطار المناكفة مع الولايات المتحدة، وبعضهم على قوائم الإرهاب كما هو الحال مع قادة "الحشد الشعبي". 

رسائل في بريد موسكو وإسرائيل

مطلع الشهر الحالي تشرين الثاني (نوفمبر) تبادل وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني حسين أمير عبد اللهيان مقارباتهما بخصوص الصراع المحتدم في الشرق الأوسط، وجاء في بيان وزارة الخارجية الروسية: "تبادل وزيرا الخارجية وجهات النظر حول الوضع الحالي في منطقة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتمّ التعبير عن القلق العام إزاء المواجهة المسلحة المستمرة في قطاع غزة". وأردف: "تمّ التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار مبكراً، وتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة للسكان المدنيين المتضررين". كما أبلغ لافروف نظيره الإيراني بجهود موسكو من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتهدئة التوترات في منطقة النزاع.

 وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني حسين أمير عبد اللهيان

وقبل أيام، كشفت وزارة الخارجية الروسية عن وجود ممثلين لإيران وحركة حماس في موسكو لإجراء مباحثات، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل والحركة الفلسطينية قبل نحو ثلاثة أسابيع. وأكدت الناطقة بلسان الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا "وجود ممثلين لهذه الحركة الفلسطينية في موسكو"، وأنّ نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، يوجد أيضاً في العاصمة الروسية، دون أن تقدم تفاصيل بشأن جدول أعمال المباحثات أو مضمونها. فيما قالت حركة حماس إنّ وفدها الذي يزور موسكو حالياً أكد حق الشعب الفلسطيني في "مقاومة" إسرائيل بالسبل المتاحة كلها. وذكرت الحركة، في بيان، أنّ الوفد أكد ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه "الإبادة الجماعية" التي تقوم بها إسرائيل.

ولمّح البيان إلى أنّ الوفد، الذي يرأسه رئيس مكتب العلاقات الدولية في الحركة، موسى أبو مرزوق، التقى المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، بمقر وزارة الخارجية الروسية في موسكو، الثلاثاء الماضي. واستعرض وفد الحركة الهجمات والاعتداءات التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وسبل إنهاء ما اعتبرته الحركة بـ"الجرائم" المدعومة من قِبل الولايات المتحدة والغرب. كما ثمّن وفد حركة "حماس" موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجهود الدبلوماسية الروسية.

 

موسكو استقبلت قادة ولائيين ضمن التيار "الممانع" في إطار المناكفة مع الولايات المتحدة، وبعضهم على قوائم الإرهاب كما هو الحال مع قادة "الحشد الشعبي" 

 

وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان أنّ وفد حركة حماس، الذي يزور موسكو بحث كذلك جهود الإفراج عن المحتجزين الأجانب في غزة وإجلاء المواطنين الروس وغيرهم من الأجانب من أراضي القطاع. وتابعت الخارجية أنّ موسكو أكدت موقفها الثابت المؤيد لتنفيذ القرارات الصادرة عن المجتمع الدولي "التي تنص على إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة داخل حدود عام 1967 تضم أراضيها المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية، والتعايش بسلام وأمن مع إسرائيل".

الثابت والمتغير 

التوجه في السياسة الخارجية الروسية والذي بدأته روسيا منذ ٧ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، هو "إيجاد مقاربات عملية لقضايا منطقة الشرق الأوسط، وهو توجه صحيح ومهم، ولكنّه غير كاف مع غياب التحرك (الروسي) على أرض الواقع للضغط على إسرائيل، واستعمال العقوبات الاقتصادية للضغط" كما يقول الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، ديمتري بريجع، مرجحاً في حديثه لـ"حفريات" بأنّ "روسيا لن تتجه إلى هذا المسار الصعب والمتشدد بسبب وجود الجالية اليهودية في روسيا التي لها تأثير كبير على السياسة الروسية الداخلية والخارجية".

لذا، نبّه المحلل السياسي والسفير الإيراني السابق في روسيا نعمت الله إيزدي، النظام الإيراني من تداعيات الذهاب في الحرب ضد إسرائيل على خلفية ما يجري من صراع في غزة بين إسرائيل وحماس، مشيراً في حوار له مع صحيفة "ستاره صبح" الإيرانية إلى أنّ موسكو تسعى إلى توريط إيران في الحرب. وقال إيزدي: "في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن احتواء الوضع ومنع توسع دائرة الصراع، نجد موسكو في المقابل تعمل جاهدة على توسع نطاق جبهات الحرب لأنّها تستفيد بشكل كبير من الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس".

ديمتري بريجع: روسيا لن تتجه إلى هذا المسار الصعب والمتشدد بسبب وجود الجالية اليهودية في روسيا

وقال السفير الإيراني السابق: "لا شك في أنّ روسيا قد استفادت مما قامت به حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لكنّ لا يوجد حتى الآن دليل قطعي يثبت أنّ ما قامت به حماس هو بتحريك من روسيا".

وبالعودة إلى الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو ديمتري بريجع، وسؤاله عن علاقة موسكو بإيران وقوى ما تعرف بـ"المقاومة" وتأثير ذلك على غزة، يجيب: "الوضع في المنطقة يتطور باستمرار، وتأثير العوامل المختلفة يمكن أن يتغير مع مرور الوقت. في السياق الحالي، هناك تفاعل معقد بين روسيا وإسرائيل في إطار الأزمة السورية وتأثيرها على القوى المعروفة بـ"المقاومة"، وذلك من خلال التحالفات والتوجهات الإقليمية والدور الروسي في المنطقة".

الجالية اليهودية في موسكو

تاريخياً، كانت روسيا تحاول الحفاظ على "علاقات إيجابية" مع مختلف اللاعبين في المنطقة، بما في ذلك إيران وإسرائيل. كما أن لديها علاقات مع الدول العربية والمنظمات التي تدعم قضايا فلسطين، وهو ما يعكس استراتيجية روسيا في الحفاظ على "توازن في العلاقات الإقليمية. كما أنّ العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية تلعب جميعها دوراً في تشكيل مواقف الدول، فضلاً عن تأثير الجاليات المحلية التي يمكن أن يكون لها دوراً في توجيه السياسات"، حسبما يقول بريجع.

 

الباحث الروسي ديمتري بريجع لـ"حفريات": روسيا تتجه لإيجاد مقاربات لقضايا الشرق الأوسط، وهو توجه صحيح ومهم، لكنّه غير كاف مع غياب الضغط على إسرائيل

 

ويدعو إلى أن نلاحظ أنّ التفاوتات في الآراء والتحليلات حول العلاقات الدولية قد تكون متنوعة ومعقدة، قائلاً إنّ "روسيا لا تدعم بشكل مباشر محور المقاومة والممانعة ولكن لديها شراكة مع المجموعات ضمن المحاور العديدة؛ إذ إنّ سياساتها واهتماماتها في المنطقة زادت منذ الحرب السورية، وأصبح لروسيا دور مهم في منطقة الشرق الأوسط مع وجود قواعد عسكرية روسية في سوريا".

 وبسؤال بريجع عن درجة علاقة موسكو بتل أبيب وتأثير ذلك على الأحداث بغزة، يقول: "على مر السنوات، شهدت العلاقات بين روسيا وإسرائيل تطورات متنوعة. بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي وإسرائيل في عام 1948، لكنّها تدهورت بشكل تدريجي في الفترات اللاحقة، وانقطعت العلاقات في عدة مناسبات. مع تطور الأحداث وانهيار الاتحاد السوفيتي، تمّ استعادة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإسرائيل في عام 1991. منذ ذلك الحين، شهدت العلاقات بين البلدين بعض التحسن، وتمّت زيارات رسمية بين المسؤولين الروس والإسرائيليين. 

روسيا لا تدعم بشكل مباشر محور المقاومة والممانعة ولكن لديها شراكة مع المجموعات ضمن المحاور العديدة

من الجدير بالذكر أنّ هناك مجموعات كبيرة من المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي قد استقروا في إسرائيل، ويبلغ عددهم المليون أو أكثر. هذا يعتبر من العوامل المهمة في تشكيل العلاقات بين البلدين. تعتبر زيارات القادة الروس، مثل زيارة الرئيس بوتين في عام 2005 وزيارة رئيس الوزراء أولمرت في عام 2007، خطوات مهمة في تعزيز العلاقات بين البلدين. تم توقيع معاهدات، مثل معاهدة إلغاء نظام التأشيرات في عام 2008، وهو ما ساهم في زيادة عدد السياح الروس الذين يزورون إسرائيل. 

تأثير هذه العلاقات على الأحداث في غزة يعتمد على الديناميات الإقليمية والتفاعلات مع اللاعبين الإقليميين الآخرين، ولكن يمكن لتحسين العلاقات بين روسيا وإسرائيل أن يؤثر إيجاباً على الوضع في المنطقة بشكل عام. 

ولا يمكن القول بأنّ العلاقات في حالة انقطاع كامل، ولكن المواقف تتأثر تبعاً للحوادث السياسية والإقليمية والدولية، كما هو الحال مع أحداث غزة أو في عهد لابيد الداعم للطرف الأوكراني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية