دعوات سودانية: العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات والسلطة الانتقالية للكفاءات

دعوات سودانية: العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات والسلطة الانتقالية للكفاءات


13/07/2022

واقع جديد دخلته الأزمة السياسية في السودان بعد إعلان رأس المؤسسة العسكرية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن عدة قرارات تنص على انسحاب العسكريين من المشهد السياسي، سواء ما يتعلق بتشكيل الحكومة، وحلّ مجلس السيادة. ولم يلق القرار صدى إيجابياً من معسكر الاحتجاج الذي رأى فيه التفافاً ومناورةً من العسكريين، بينما رحب به قطاع واسع من غير المحتجين والسياسيين.

ويفتح القرار الباب أمام واقع جديد في البلاد؛ إذ لن يدخل العسكريون في شراكة لإدارة المرحلة الانتقالية، وربما تشتعل خلافات وصراعات القوى السياسية فيما بينها على السلطة، في ظل غياب شرعية واضحة لأي طرف للمشاركة في السلطة، وكذا قد يكون للقرار أبعاد أمنية تتعلق بتفرغ المؤسسة العسكرية للتهديدات على الحدود مع إثيوبيا وفي إقليم دارفور، فضلاً عن تأثيره على اتفاق جوبا للسلام.

قرارات البرهان

وفي خطاب متلفز بتاريخ الرابع من شهر تموز (يوليو) الجاري، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن عدة قرارات خاصة بمشاركة الجيش في إدارة المرحلة الانتقالية، وهي؛ الانسحاب من الحوار الذي ترعاه الآلية الثلاثية، والتعهد بتطبيق مخرجات الحوار بين القوى السياسية، وحل مجلس السيادة الانتقالي بعد تشكيل حكومة كفاءات مدنية، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة السودانية يضم الدعم السريع، وتحديد صلاحيات هذا المجلس بالاتفاق مع الحكومة المدنية.

سقوط قتلى في مظاهرات الثلاثين من يونيو

وأوضح البرهان أنّ "الجيش يهدف لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية لتشكيل حكومة كفاءات"، مناشداً الجميع بعدم تحويل الخلاف السياسي إلى معادلة "انتصار وهزيمة".

وتضم الآلية الثلاثية كلاً من المبعوث الأممي والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد (IGAD)، وترعى الحوار السياسي بين العسكريين والقوى السياسية ومن بينها قوى إعلان الحرية والتغيير "قحت" والتي كانت شريكةً في إدارة المرحلة الانتقالية مع المؤسسة العسكرية حتى انقلاب/ الإجراءات التصحيحية التي اتخذها الجيش في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتي تضمنت قرارات أنهت شراكة قحت في السلطة، وتسببت في موجة الاحتجاجات الجارية.

بخروج الجيش من إدارة السلطة في الفترة الانتقالية سيعود الزخم لحوار الآلية الثلاثية، والتي كانت قوى قحت علقت مشاركتها فيها بدعوى رفض الحوار مع الجيش

وشهدت مدن السودان خروج احتجاجات في ذكرى اعتصام القيادة العامة في 30 حزيران (يونيو)، وشهدت سقوط قتلى وجرحى، وأعمال عنف متبادلة، فضلاً عن اعتصامات داخل العديد من الأحياء في العاصمة، الخرطوم.

وعقدت قوى الحرية والتغيير اجتماعاً للرد على قرارات البرهان، رفضت هذه الإجراءات ودعت إلى التصعيد، وجاء في بيانها: "قرارات قائد السلطة الانقلابية هي مناورة مكشوفة وتراجع تكتيكي يقبل ظاهرياً بمبدأ عودة الجيش للثكنات مع إفراغ هذا المبدأ من محتواه". وطرحت رؤيتها للحل: "يبدأ بتنحي السلطة الانقلابية عن سدة السلطة ومن ثم تشكيل قوى الثورة لسلطة مدنية انتقالية كاملة وفق إعلان دستوري يحدد هياكل الانتقال وقضاياه، بما فيها قضية دور المؤسسة العسكرية ومهامها". وفي خطوة من المتوقع أنّ تسبب خلافات مجتمعية، أشار البيان إلى عودة "تفكيك نظام 30 يونيو 1989"، وهي اللجنة التي أعلن البرهان عن تجميدها، وقامت المحاكم باستئناف قراراتها بفصل آلاف الموظفين ومصادرة أموال شخصيات عديدة قريبة من النظام السابق.

مناورة واستخفاف

وفي الاجتماع الذي عقدته قوى قحت بدار حزب الأمة، وصفت قيادات من قحت قرارات البرهان بـ"الاستخفاف"، وأجمعت على أنّها "مناورة". ويوضح عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، الذي يعتبر من أهم أحزاب قوى قحت، نور الدين صلاح الدين موقف حزبه من خطاب البرهان: "ما قام به رئيس السلطة الانقلابية لم يقدم أي جديد، والذين ينتظرون أن تقدم هذه الخطوة حلاً سحرياً للأزمة فسوف ينتظرون؛ لأنّه من الواضح أنّ السلطة الانقلابية وخصوصاً بعد مواكب الثلاثين من يونيو تحاول أن تتحرك من المكان الذي تقف فيه، إلى مربع جيد بحيث تقدم الآن مناورة جديدة، بعدما أكدت المظاهرات أنّ الانقلاب مهزوم شعبياً ولا ظهير سياسياً له، وأنّه فاقد للشرعية الدستورية، ولهذا قرارات الانقلابيين مناورة لشراء الوقت للبحث عن تموضع جديد".

نور الدين صلاح الدين: أطروحات البرهان قديمة

وتابع السياسي السوداني لـ"حفريات": "أطروحات البرهان قديمة، وهو أساساً يؤكد على رغبة الانقلاب في تجديد أركانه ليس إلا، وليس له أي نية في مساعدة السودانيين لاستئناف مسار التحول المدني الديمقراطي".

وحول المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قال: "المجلس سلطة سياسية وتنفيذية جديدة، وأعتقد أنّ مهمته فقط أن يشوش على الجماهير؛ لأنه لم يطرح ما هي صلاحيات هذا المجلس، وحقيقة إذا كان له دور في قرارات السلطة التنفيذية، خصوصاً فيما يتعلق بوزارتي الداخلية والدفاع، ورسم السياسات العامة لبنك السودان المركزي وبالتالي السياسة الاقتصادية".

وأردف السياسي بحزب المؤتمر السوداني: "إذا كان للمجلس دور ولو حتى بسيط ذو صلة بالسياسة الخارجية فبهذا يفرغ مفهوم الحكم المدني من مضمونه، وهذا هو غاية ما تسعى إليه السلطة الانقلابية، وهو أمر مرفوض لنا، مثلما نرفض توصيف الأزمة السياسية على أنها صراع بين مدنيين ومدنيين؛ إذ إنّ سببها الانقلاب العسكري".

الكرة في ملعب الساسة

ومن جانب آخر يرى الكاتب والمحلل السياسي، عبد الحليم عباس، أنّ "خطاب البرهان سيصيب شتات قوى الثورة بصدمة وسيحتاجون بعض الوقت لاستيعابه؛ لأنّه حقق جزءاً كبير من الشعارات التي يرفعها الشارع، وهي؛ شعار لا تفاوض؛ لأنّ الجيش خرج من عملية الحوار والتفاوض، وشعار لا شراكة؛ فضلاً عن أنّ الجيش لن يشارك في السلطة، وشعار لا شرعية؛ لأن مجلس السيادة وكل سلطة 25 أكتوبر قد انتهت عملياً بموجب هذا الخطاب وأمرها مسألة وقت".

السياسي السوداني نور الدين صلاح الدين لـ"حفريات": السلطة الانقلابية تحاول أن تتحرك من المكان الذي تقف فيه، إلى مربع جيد بحيث تقدم الآن مناورة جديدة

وتابع الكاتب السوداني لـ"حفريات": "هناك شعار آخر هو شعار العسكر للثكنات، والأحزاب للانتخابات، والسلطة الانتقالية للكفاءات، وهو ما تحقق ولم يتبقَ سوى مسألة دمج الميليشيات في الجيش، وفي المقابل وضع البرهان الجميع أمام تحدي الأمر الواقع؛ تحدي التوافق على حكومة انتقالية تمثل جميع السودانيين، وهو أمر سهل إذا تجردت القوى السياسية من المصالح الضيقة، وأمر صعب في الوقت نفسه إذا أصرت مجموعات الثورة على ركوب الرأس وادعاء الامتلاك الحصري للوطن".

وفي السياق ذاته، رحبت قوى سياسية وازنة بخطاب الفريق أول البرهان،

ومن ضمنها الحزب الاتحادي الأصل، بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني، وحزب الأمة بزعامة السيد مبارك الفاضل المهدي، وقوى اجتماعية وسياسية عديدة.

عبد الحليم عباس: خطاب البرهان سيصيب شتات قوى الثورة بصدمة

ولمس بيان حزب الأمة بقيادة مبارك المهدي النقطة الخلافية التي رفضتها قحت، وهي مسألة "وصاية الجيش على الفترة الانتقالية"، ولكن خارج قحت للمسألة رؤية أخرى، وهي ما قاله حزب الأمة: "رفض الاتفاق  الثنائي مع الحرية والتغيير - مجموعة المجلس المركزي، وترك الأمر للتوافق بين القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني والقوى الاجتماعية ككل، حتى يكون الحوار شاملاً لكل أصحاب المصلحة على أن تلتزم القوات المسلحة بتنفيذ ما جاء فيه".

وبخروج الجيش من إدارة السلطة في الفترة الانتقالية سيعود الزخم لحوار الآلية الثلاثية، والتي كانت قوى قحت علقت مشاركتها فيها بدعوى رفض الحوار مع الجيش، ولهذا من المتوقع أنّ تعود قحت للحوار كفصيل سياسي ضمن قوى سياسية أخرى، بجانب أنّ العديد من القوى السياسية التي كانت متوارية في الظل ستسعى لتصدر المشهد ومنافسة قحت في الحوار.

واتصالاً بخطاب البرهان، فهناك قضية اتفاق جوبا للسلام وما نتج عنه من محاصصات للحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق في الهياكل الانتقالية، والتي تتمسك بها هذه الحركات، بينما تراها قوى قحت خائنة للثورة بعد تأييدها لإجراءات 25 أكتوبر أو الانقلاب العسكري بوصف الثوار. فضلاً عن ذلك فهناك دعوات لكتابة وثيقة دستورية انتقالية جديدة تلغي شراكة قحت والعسكريين بعد قرار الجيش الانسحاب من السلطة الانتقالية، وهو ما يعني أنّ حوار الآلية الثلاثية يحتاج إلى محددات جديدة لمواكبة الوضع الناتج عن قرار الجيش.

مواضيع ذات صلة:

بعد تجدد التوتر بين السودان وإثيوبيا.. ما السيناريوهات المحتملة للأزمة؟

الاتحاد الأفريقي يعلن موقفه من "الآلية الثلاثية" في السودان... ما هو؟

الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية